صنعاء 19C امطار خفيفة

ملاحظات سريعة على مقالة الأستاذ أحمد علي جحاف حول ثورة 14 أكتوبر(٣-٤)

الإهداء: إلى رؤساء دولة الاستقلال: الفدائيين في قلب الكفاح السياسي والوطني للتحرير، بالسلاح، وبالكلمة.. رموز الفداء والتضحية، والدولة الوطنية. الرؤساء: قحطان محمد الشعبي، سالم ربيع علي، عبدالفتاح إسماعيل، علي ناصر محمد، علي سالم البيض.

دخلوا إلى الرئاسة عبر الكفاح السياسي، والنضال المسلح، وخرجوا منها فقراء كما دخلوها إلا من طهارة الروح ونظافة اليد.

إليهم جميعًا مع خالص المحبة والتقدير.

ثالثًا: نماذج من الكتابة المعلوماتية في مقالة الأستاذ جحاف
كنا بدأنا الحديث عن بعضها في صورة حديثه عن "الثورة الأم"، وفي نقده للجبهة القومية، في تقاعسها وتأخيرها في إعلان دولة الوحدة في عام 67م، إلى 90م، وهو ما عرضنا له في الحلقة الأولى من القراءة.
في البداية من المهم تصحيح بعض الأخطأء التاريخية، وما أكثرها في الكتابة السياسية المعلوماتية، وفي الفهم القاصر أو المجتزأ للحقائق والوقائع السياسية التاريخية، ولن أدخل في تفاصيل هذه الأخطاء، ولن أتوسع في عرضها ومناقشتها، فقط أشير لمامًا لبعضها، فهو حين يتحدث عن الجبهتين القومية والتحرير، لا يورد اسميهما صحيحًا، كما هي في المصادر التاريخية، وكما أحب أصحابها إطلاق هذه الأسماء والتسميات عليها ، ففي سياق حديثه عن الجبهة القومية، بعد إيرادها بالعربي والإنجليزي، يورد التسمية التالية الناقصة: "الجبهة القومية للتحرير"، بعد تحريفه للتسمية، وبعد حذفه أو إسقاطه لاسم "اليمن"، من التسمية، وهو أحد أبرز وأهم أوجه الاختلاف الجوهرية بين التسميتين، حيث التسمية الحقيقة والتاريخية تقرأ هكذا: "الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل".
وهو حين يذكر أسماء قيادتها: يذكر فقط، القادة من أبناء الجنوب اليمني، في صورة الأسماء التالية: قحطان الشعبي، فيصل عبداللطيف الشعبي، سالم ربيع علي، محمد علي هيثم، دون ذكر مؤسسين بارزين من أبناء شمال اليمن، هم من رموز "حركة القوميين العرب"، اليمنية، منذ الخمسينيات، وعلى رأسهم سلطان أحمد عمر، يحيى عبدالرحمن الإرياني، عبدالحافظ قائد، وغيرهم، وإن لم يحضروا اجتماع دار السعادة في إعلان تأسيس الجبهة القومية في صنعاء، للخصوصية السياسية الوطنية اليمنية الجنوبية، ذلك أن حركة القوميين العرب، كانت وماتزال حتى ذلك الحين حركة سياسية تنظيمية واحدة للشمال والجنوب، ولم يبرز الانفصال أو الاستقلال التنظيمي لكل منهما، إلا في مرحلة لاحقة، واستمر سلطان أحمد عمر، قائدًا تنظيميًا في قلب قيادة الجبهة القومية فترة الكفاح المسلح، حتى قبيل الاستقلال الوطني، كما كان عبدالباري قاسم، وعبدالفتاح إسماعيل، هما -وغيرهما- من القيادات المؤسسة للعمل الفدائي في المدينة، عدن، بشهادة الاستعمار البريطاني، الذي كان ينزل ويعلق صور عبدالفتاح إسماعيل كإرهابي مطلوب للاعتقال، على الجدران في الشوارع، وكنا ونحن صغار في المراهقة السياسية الأولى، نشاهد صورة "الإرهابي"/ الفدائي عبدالفتاح، في مناطق عدن المختلفة، فضلًا عن أسماء فدائية ومؤسسة للعمل الفدائي، وتجرعت مرارة التعذيب حد الموت في السجون، إلى جانب رفاقهم الآخرين من أبناء عدن والمحميات جنوب اليمن، ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر، عبدالعزيز عبدالولي، محمد سعيد عبدالله محسن الشرجبي، راشد محمد ثابت. فأين ذهبت الوحدوية الطافحة في المقال السياسي الذي يقفز على أسماء بارزة في السردية الوطنية التاريخية المؤسسة للجبهة القومية، علمًا أن أول من أسس حركة القوميين العرب في جنوب البلاد، وفي شمالها، هما فيصل عبداللطيف الشعبي، وسلطان أحمد عمر، وبعدهما، علي أحمد السلامي، فيصل اختص بالتنظيم في عدن والجنوب، وسلطان عمر، في الشمال، وهو ما تقوله المصادر التاريخية العربية والاستشراقية.
وحين يتحدث الأستاذ جحاف عن "منظمة تحرير الجنوب المحتل"، يطلق عليها تسمية من عنده، لا أعرف من أين استلها واستقاها: "جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل"!
حتى يقول إنها "كانت تمثل الاتجاه المعتدل والوجه الرسمي للحركة الوطنية الجنوبية في المحافل الدولية"، في محاولة ضمنية ومبطنة لتصوير الجبهة القومية بأنها متطرفة، ولا تمثل الحركة الوطنية، وهذا شأنه الخاص، وحكمه الأيديولوجي/ السياسي، اللاتاريخي، ضدًا على الواقع، وفي تناقض مع المصار التاريخية، لأن الاعتراض هنا فقط على خطأ تسميته المذكورة، فهي لم تسمَّ في البداية بـ"جبهة"، بل "منظمة"، كما أنه لم يرد في نص تسميتها التاريخية التي اعتمدتها لنفسها، مسمى "جنوب اليمن المحتل"، بل "منظمة تحرير الجنوب المحتل"، بدون كلمة وتعبير اليمني، وجميع جوانب القصور السالفة آتية من خطأ الاعتماد على "ثقافة المعلومات" "الفيسبوكية" والـ"ويكيبيديا" وغيرها.
إنها جناية النقل الميكانيكي مما توفره وسائط التواصل الاجتماعي، كيفما اتفق.
علمًا أن إيراد اسم محمد علي البيشي، باعتباره من أبرز قادتها، إلى جانب عبدالقوي مكاوي، وعبدالله الأصنج، خطأ في وضع مكان الاسم وخطأ في الاسم ذاته. نحن نعرف أن محمد علي البيشي كان من قيادات الجبهة القومية من أبناء الضالع، وهو الذي كان ضمن الوفد المفاوض للجبهة القومية إلى جنيف حول الاستقلال. لم أقرأ في جميع المصادر عن هكذا اسم أنه من قيادات منظمة تحرير الجنوب المحتل، في التأسيس الأول، ولا في الأسماء خلال وبعد الدمج تحت تسمية "جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل"!
وهذه من جملة المعلومات الخطأ المستقاة من "الذكاء الاصطناعي"، أو من "ويكيبيديا" أو غيرهما من وسائط التواصل الاجتماعي.
ومن جملة المعلومات والأفكار الملتبسة والمشوشة، والمبتسرة والناقصة المعنى السياسي والتاريخي، قوله التالي: انسحاب بريطانيا في 30 نوفمبر 1967م، وإعلان استقلال وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية (التي صارت لاحقًا جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية)، وكل ذلك صحيح من حيث الشكل السياسي العام.
على أن غير الصحيح كتوثيق تاريخي -وهو ما سيتكرر في مقالته- قوله إن انسحاب بريطانيا كان في 30 نوفمبر 1967م، وهو هنا يخلط بين يوم خروج آخر جندي بريطاني من الجنوب المحتل، وبين يوم إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م.
من واجب من يتصدى لمهمة بحثية، ولو في صورة مقالة عابرة كهذه التي نناقشها، وتحديدًا أن مقالته -جحاف- سياسية هجومية لا علاقة لها بالبحث السياسي، أو التاريخي، وليست نقدية، فعلى الأقل يشير إلى الوقائع التاريخية والسياسية الثابتة كما هي دون زيادة ولا نقصان، والسؤال لماذا تجنب، كما يتجنب كثيرًا ومتعمدًا في مقالته، ذكر اسم الجبهة القومية، في أكثر من موضع من الكتابة يستدعي ذلك، كضرورة كتابية تاريخية، فهو على سبيل المثال، لم يشر إلى الدور المركزي للجبهة القومية في إخراج بريطانيا القهري من جنوب البلاد، دون إنكار أدوار الآخرين في ذلك، ويتحدث في السياق وكأنه انسحاب بريطاني طوعي أو انسحاب عبر التفاوض، أي التفاوض كمقدمة وأساس، وليس نتيجة فرضها الكفاح المسلح على المستعمر البريطاني، عبر حرب تحرير شعبية وطنية كبدت الاستعمار خسائر فادحة في الأرواح جعلت تكلفة بقائه في البلاد، أعلى من خروجه مطرودًا ومهزومًا، حتى كان قرار الاستعمار بالتفاوض مع الجبهة القومية للخروج، وهو ما لم يذكره لسببين؛ أولًا، كراهته لذكر اسم ودور الجبهة القومية، إلا بالسلب، وبالذم والقدح، كما يدل على ذلك محتوى مقالته، على الأقل باعتبارها رائدة وقائدة الكفاح المسلح، وبطلة حرب التحرير، التي أدارتها بجدارة واقتدار حتى الأخير، مع جميع القوى السياسية الوطنية والتحررية في البلاد، بمن فيهم الشعب الذي كان جزءًا لا يتجزأ من المقاومة الوطنية ضد الاستعمار، والحاضنة الاجتماعية التي حمت ظهر الجبهة القومية.

الاستقلال الذي أُنجز عبر مفاوضات

وهنا من المهم التمييز وعدم الخلط بين حالتين ومفهومين للتفاوض الأول، هو التفاوض الذي اعتمده الأستاذ عبدالله الأصنج، والسلاطين والأمراء والمشايخ، كوسيلة للتفاهم الودي في الحوار مع الاستعمار لتحديد موعد خروجه عبر التفاوض، وكانت "المؤتمرات الدستورية اللندتية" عنوانها السياسي البارز، والتي فشلت بسبب تعنت الاستعمار وعدم استجابته للحد الأدنى من المطالب السياسية لجماعة التفاوض.
المفهوم الثاني للتفاوض، هو الذي جاء تلبية ونتيجة للمقاومة الشعبية والوطنية المسلحة، الذي أكدت عليه الجبهة القومية منذ البداية، وكان من نتيجته إنجاز الاستقلال الوطني الكامل والناجز في 30 نوفمبر 1967م.
ففي كل مقالته المعلوماتية المبتسرة التي لا علاقة لها بالتاريخ السياسي ولا بالفكر التاريخي، ستلاحظون بوضوح تجنبه ذكر اسم الجبهة القومية، بل حرصه الشديد على عدم ذكر أية إيجابية للجبهة القومية، حتى بعض الإنجازات أو الإيجابيات، حسب تعبيره، يذكرها في سياق عمومي، وكأن من أنجزها لا اسم ولا صفة له، ولا يتسع المقام لإيراد ما يدل على ذلك، ولكني سأورد كما سبق أن أشرت إلى ما يدل على البعض من ذلك من مقالته.
وفي هذا السياق، أورد لكم وأبسط أمامكم فقرة كاملة، مرتبكة مشوشة في الرؤية وفي الفكر وفي الصياغة وفي تراكيب مفردات الكلام، فهو يكتب التالي، ولكم الحكم:
"على المدى البعيد نتيجة الثورة الأم 26 سبتمبر 63م -هكذا ورد الرقم في النص- التي أنتجت ثورة 14 أكتوبر 63م، وبعد مراس طويل، وبعد سقوط الاشتراكية الظالمة عالميًا يتحقق الحلم الأكبر لكل اليمنيين، وأحد الأحداث العظيمة عربيًا وإسلاميًا وعالميًا الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م. وقامت دولة الوحدة بدستور يسمح بالتعددية الحزبية وتحرر شطرنا الجنوبي من قيود الماركسية التي وأدت الحريات، وأممت الممتلكات وأعاقت التنمية، وذبحت الاقتصاد حين جرمت القطاع الخاص، وغادر جنوبنا الحبيب سجن العزلة والانغلاق عن العالم"!
على اضطراب وارتباك النص الذي أوردناه في الأسطر الخمسة التي عرضناها، ندرك حجم التشوش والاضطراب الذهني والفكري، وغياب منهج ومنطق العقل السوي في التفكير وفي البحث، بل وفي الكتابة العادية التي تربط بين الأفكار والمعاني، والأحداث والوقائع، وهو ما لم نجده ونطالعه في الفقرة المقتبسة السالفة، وهي أمامكم، فما معنى هذه البداية للفقرة التي يقول فيها: "على المدى البعيد نتيجة الثورة الأم 26 سبتمبر التي أنتجت ثورة 14 أكتوبر 1963م"، وكأن ثورة سبتمبر مصنع آلي لإنتاج ثورات، وهي من أنتجت -حسب تعبيره الصريح- ثورة 14 أكتوبر.
حتى قوله في السياق نفسه، وفي انتقاله المفاجئ من فكرة إلى أخرى، ومن تاريخ إلى تاريخ آخر، دون رابط، ودون مقدمات، حيث نجده يكتب "بعد مراس طويل، وبعد سقوط الاشتراكية الظالمة عالميًا". كيف لنا أن نفهم ونقرأ ونستوعب ما هي الفكرة التي يريد إيضاحها وقولها في كل هذه الفقرة المرتبكة والمشوشة، فهو في أقل من سطرين فقط، نجده يمارس عملية انتقالات بين مراحل زمنية تاريخية طويلة ومختلفة السياقات والدلالات في التاريخ، من ثورة 26 سبتمبر التي أنتجت -كما يرى- ثورة 14 أكتوبر، حتى سقوط الاشتراكية الظالمة عالميًا. واضح أننا أمام منطق تفكير مرتبك ومشوش لا ندري معه ما الذي يريد الكاتب أن يصل إليه بالضبط! طبعًا غير الذم والقذع وتسفيه الآخر.
في الأسطر الخمسة التي أوردناها ستلاحظون أن الكاتب يقدم أفكارًا ومعلومات وأحداثًا متتابعة في سياق كتابته، دونما رابط يجمعها ويوحدها في السياق الذي تم فيه إيرادها، أحداث متضاربة، يقفز من فكرة إلى أخرى، ومن مرحلة تاريخية لأخرى، دونما مبرر يوضح ويستدعي ذلك، ما يجعل القارئ والمتابع في حيرة من أمره، ما هو الذي يريد بالضبط الوصول إليه، غير القدح والذم والتسفيه!
حقًا، إننا أمام مجرد تداعيات قولية ذاتية ليس من رؤية ولا منطق يوحد في ما بينهما، يدل على حالة اضطراب ذهني، وارتباك فكري وسياسي في بنية تفكيره الذاتي الخاص.
سأعرض عليكم -كذلك- اقتباس فقرة كاملة تدل على ذلك التشوش والارتباك في الرؤية، والذي ينعكس في الصياغة المفككة -وهي كاثرة في المقالة- من حيث تراكيب الجملة/ الجمل، وهو ما يتبدى في هيئة وصورة عرضه للفكرة التي يريد إيصالها، إذ سيجد المتلقي نفسه محتارًا كيف يستقبلها ويفهمها.
وهي تبدأ بقوله: "ينمو ويتطور ليصبح ثورة شعب انطوى فيها الشمال والجنوب وانصهر فيها كل الشعب اليمني جزء في مقدمة الصفوف وجزء حاضن داعم منتج لكل من وما في تلك الصفوف كل ذلك أفضى إلى تزايد الضربات وتدهور الوضع البريطاني في عدن"!
عرضت الفقرة كاملة كما في مقالته، وهي كما تطالعون بدون نقاط، وبدون فواصل، كما هو الحال في كل مقالته، مما يضاعف من الارتباك أكثر. تحس معها وأنت تقرأ النص كأنك أمام كلمات متقاطعة، أو أمام كتابه تحتاج بالفعل إلى إعادة صياغة لتستقيم على حال له معنى يساعد القارئ على فهم ما يريده الكاتب.
علمًا أن مقالته كاملة بدون نقاط وقف، وبدون فواصل تعود بنا إلى الكتابة ما قبل "التنقيط"، في صورة إضافات أبو الأسود الدؤلي!
فكيف لنا أن نفهم قوله/ كتابته: "ينمو ويتطور -من هو الذي ينمو ويتطور؟- ليصبح ثورة شعب انطوى فيها الشمال والجنوب وانصهر فيها كل الشعب اليمني جزء في مقدمة الصفوف وجزء حاضن داعم منتج لكل من وما في تلك الصفوف كل ذلك -كما يكتب- أفضى إلى تزايد الضربات وتدهور الوضع البريطاني في عدن".
عفوًا لتكرار إيراد ما تم اقتباسه من مادة الأستاذ جحاف، لأنها فعلًا عصية على القراءة وعلى الفهم.
وتحت بند الإيجابيات: يكتب الأستاذ جحاف، التالي: "تحرير الجنوب اليمني بعد احتلال 128 سنة ومغادرة آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 1967م"، وهو غير صحيح، تاريخيًا -كما سبقت الإشارة- فآخر جندي بريطاني غادر ورحل من عدن كان يوم 28 نوفمبر 1967م، لأن إعلان الاستقلال كان يوم 30 نوفمبر، ولا يعقل أن يكون يوم خروج آخر جندي بريطاني، هو ذاته يوم الاستقلال 30 نوفمبر 1967م!
تم يكتب في السياق ذاته: "توحيد الكيانات الصغيرة (السلطنات والمشيخات) في دولة واحدة"، وهو صحيح. على أنه لم يقل لنا من أنجز وحقق ذلك التوحيد، في دولة وطنية واحدة، وكأنه يخشى أو لا يريد أن ينسب ذلك الإنجاز للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل!
في اقتباس آخر يكتب الأستاذ جحاف التالي: "في ظل دولة الوحدة انطلق العملاق اليمني الجديد ليحقق حجم كبير من المنجزات الكبرى في كل المجالات وحظي جنوبنا العظيم بالنصيب الأكبر لتعويض الكثير مما فاته إبان الاشتراكية وتدفق الغاز من صافر ليغطي كل اليمن جنوبًا وشمالًا وإن تم تهميش شمال الشمال وتقليل حصته من المشاريع التنموية وتهميشه أرض وإنسان -حتى يقفز في نفس السطر، للقول- وللوهابية والإخوان دور محوري في ذلك وصار حضور اليمن وإسهامها أعلى وأكبر وأعظم في حفظ السلام والاستقرار إقليميًا وعالميًا، وصار أكثر تأثيرًا بتراثه الحضاري (...) واتسع الوعاء الاستثماري لرأس المال الوطني والعالمي وزاد حضور الشركات الكبرى العالمية للاستثمار..".
وفي الحقيقة والواقع لم ينطلق العملاق اليمني ليحقق الحجم الكبير من المنجزات في كل المجالات، كما أشار الأستاذ جحاف، ففي أغسطس 1990م، ذهب علي عبدالله صالح منفردًا في تأييد صدام حسين في غزوه واحتلاله للكويت، وهي خطيئة وطنية وقومية كبرى، وأخرج من خلال مجاميعه -قطيعه- في الداخل العشرات من المظاهرات المؤيدة لاحتلال الكويت تحت شعار "بالكيماوي يا صدام"! والكويت هي الدولة العربية الخليجية التي قدمت مساعدات للثورة اليمنية شمالًا وجنوبًا من بعد قيام الثورتين مباشرة، وهي التي دعمت ومولت العديد من المشاريع التنموية الإنسانية في اليمن دون تفريق بين شمال وجنوب، وهي من مولت ماليًا وعمرانيًا، بما فيها مرتبات أساتذة جامعة صنعاء، والمئات من المشاريع التعليمية والصحية (مستشفى الكويت، مدارس الكويت، طرق الكويت)، وغيرها من المساعدات التي شملت دولتي الجنوب والشمال، دون تمييز سياسي، وبدون أي شروط سياسية، ناهيك عن موقف الكويت القومي الداعم للقضية الفلسطينية في تاريخنا المعاصر، وحتى اليوم.
لقد أيد علي عبدالله صالح سياسيًا وشخصيًا، وبدون قرار سياسي من مجلس الرئاسة، عدوانًا على دولة عربية مستقلة، في مناقضة صارخة للقوانين الدولية، تأييد كان حصيلته عودة أكثر من مليون مهاجر يمني من السعودية وحدها، ودولة الوحدة لم تستقر بعد على أرض سياسية ووطنية ثابتة، ناهيك عمن تم إعادتهم من دول الخليج الأخرى، وضع اليمن سياسيًا على المستوى الوطني اليمني، وعلى المستوى العربي والدولي، في موقف حرج حيث شكلت عودة المهاجرين حرمان خزينة الدولة من مئات الملايين من الدولارات، ومن العمالة شبه المستقرة، التي كانت تحول من أموال المهاجرين اليمنيين في الخليج، وبدلًا من كون المهاجرين مصدرًا من مصادر التنمية، تحولوا إلى عبء اقتصادي ومالي، وبدلًا من أن ينطلق العملاق الذي أشار إليه الأستاذ جحاف، فإنه انتكس، وبخاصة بعد تصاعد التوترات السياسية في قلب رئاسة دولة الوحدة، حتى وصولنا إلى حرب 1994م.
وإلى الحلقة الرابعة والأخيرة.

الكلمات الدلالية