المحافظة على الموروث الصراعاتي كتراث مسكوت عنه
نغدق الحديث المشنف للأسماع، والمدغدغ للقلوب، والمحرك للنفوس، عن التراث والموروثات الثقافية والاجتماعية وغيرها، ونسرف في التعاطي حول ذلك، ونعمل على شحن عقول الناشئة عبر مناهج التربية والتعليم، وتسهم في هذا الشحن، وتحتشد كافة وسائل التنشئة، بدءًا من الأسرة والمدرسة والمسجد وبقية وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، وكل ذلك بهدف إنشاء جيل متمسك بتراثه وموروثاته وثقافته وتقاليده الاجتماعية، مما يعزز لديه حب الانتماء للأرض والوطن، فينشأ الجليل المعزز بهذه السردية المكرسة للمحافظة على الموروث، المعتز بالتقاليد، بخاصة منها، تقاليد الفخر بأمجاد الأسلاف، وبالشهامة والشجاعة والقوة والاعتداد بالشخصية، وغير ذلك مما يضخم الذات.. أو هكذا يفهم المحافظة على الموروث وحسب..
ثمة جنوح وميل نحو جوانب سلبية غير مدركة، ربما استقرت في الوجدان نتيجة فهم خاطئ، أو قراءة مبتسرة، أو تلقين مشوه للصورة المثلى، ما يجعل إنسان هذا البلد ينساق نحو سبل تفضي إلى الجانب الخطأ فقط، فتنشأ ظواهر تؤدي إلى عواقب سيئة، أحد مضاهرها الاقتتال والاحتراب المتواصل، وتيار دم بين هذه الفرق المنشأة على هذه المعطيات السابق ذكرها..
نتحدث كثيرًا عن قيم عديدة، وندعو إلى تعزيزها في النفوس، ونغفل جوانب في غاية الأهمية، تفت في العضد، وتعمل على محق التحولات الإيجابية، وتعوق السير. هذه الجوانب تتمثل بالصراعات البينية المستدامة، كما هو حاصل اليوم، والناشئة بفعل التنشئة السالبة، أحادية الجانب، التنشئة التي لا تلامس الواقع، ولا تغوص في باطنه وبمعاناته وانفعالاته وسيئاته واختلالات أدائه.
صراعاتنا، في هذا البلد، ظاهرة دائمة الترعرع، تنمو وتتكاثر وتزدهر أكثر من أي شيء آخر، وتنجر تفاعلاتها جيلًا إثر جيل.. لتغدو كأنها لازمة لا يمكن الانفكاك من مكائدها وآثارها الساحقة الماحقة..
نحن نهتم بالجانب المشرق، في نظرنا، ومن أسف أننا لا نولي الجانب المظلم في حياتنا أي اهتمام، أو دراسة أو بحث، أو تفنيد وتمحيص لأسبابه الكامنة، فقط نتحدث عما يُعتد به، وعما يشبع عواطفنا، ونرضي به العوام، والناشئة. ونترك، أو ننسى، أو نتجاهل ما ينغص الاستقرار والعيش الكريم، ويزهق الأرواح.
لا أحد يتعرض لما نتوارثه من أوبئة، ومظالم، وفواجع، وكوارث ناتجة عن ديمومة الاحتراب، والقتل والقتل الآخر، كموروث يتناقل بين الأجيال، ليس بفعل مؤامرات خارجية كما يسوّقه البعض من ذوي المصالح الآنية، ودعاة التبرير،
ولكن بما كسبته وما تكسبه أيدينا الأمارة.
وتلك هي حقيقة الصراعات الدائمة والتي لا تُبذل أي جهود لإطفاء حرائقها دائمة الاشتعال في بلداننا الموبوءة، مما يُعد محافظة على تراث آخر، مسكوت عنه..