جريمة جديدة أبطالها جنود شرطة الشمايتين بتعز
عبدالرحمن النجاشي
لم تفق تعز بعد من صدمة فضيحة حي السلخانة حتى باغتتها جريمة جديدة أكثر قسوة، لتؤكد أن الانهيار لم يعد أخلاقياً فحسب بل أمنياً أيضاً. ففي مدينة التربة التابعة لمديرية الشمايتين، سقط الشاب عبدالرحمن عبدالحكيم النجاشي - حديث التخرج من كلية الحقوق - مضرجاً بدمه أمام منزله، برصاص جنود من شرطة الشمايتين، في مشهد يلخص مأساة مدينة تُقتل فيها العدالة بيد من يفترض أنهم حراسها.
رصاصٌ رسمي
وقعت الجريمة عصر الخميس، حين توجهت حملة أمنية تابعة لشرطة الشمايتين إلى منزل القاضي عبدالحكيم النجاشي، رئيس محكمة رأس العارة في محافظة لحج، بناءً على توجيهات من القاضي ثابت همدان في محكمة الحُجرية.
الخلاف كما تقول مصادر محلية كان حول أنبوب مياه حاول همدان مده إلى مبنى المحكمة القديم الذي يقيم فيه، مروراً بأرض القاضي النجاشي، ليتطور الأمر سريعاً إلى مواجهة، بعد أن استقوى همدان بأفراد الأمن دون أي مسوغ قانوني أو أوامر قضائية.
كان عبد الرحمن، المحامي الشاب، أول من حاول الاعتراض على هذا الإجراء غير القانوني، فكانت رصاصات الأمن أسرع من أي حوار.
تُظهر مقاطع مصوّرة التقطها الضحية بهاتفه لحظة الاعتداء عليه من قبل الجنود، ثم إطلاق النار عليه أمام أسرته التي صرخت دون جدوى، فيما مُنع إسعافه وترك ينزف حتى فارق الحياة قبل وصوله إلى المستشفى.
مبررات واهية
عقب الجريمة، سارع بعض النافذين إلى تبرير الحادثة بزعم أن الضحية “واجه الحملة الأمنية وأطلق النار عليها”، لكن الفيديو الذي التقطه بنفسه نسف كل تلك المزاعم، مؤكداً أنه كان أعزل تماماً.
أثارت الجريمة غضباً واسعاً في أوساط المدينة، خصوصاً أنها جاءت بعد ساعات فقط من تظاهرة حاشدة طالبت بالعدالة في قضية اغتيال افتهان المشهري، ومحاسبة المطلوبين أمنياً الذين لا يزالون يتمتعون بحماية من قيادات في أجهزة الأمن.
سلسلة انفلاتات
لم يكن مقتل عبد الرحمن النجاشي حادثاً منفصلاً عن المشهد العام، بل حلقة جديدة في سلسلة انفلاتٍ متصاعدٍ جعل من تعز مدينةً تدار بالعنف والفوضى.
قبل أيام فقط، هزت الرأي العام قضية شبكة الابتزاز في حي السلخانة، التي تورط فيها جنود وشخصيات محسوبة على الأجهزة الأمنية، استخدمت مواقعها الرسمية كغطاء لجرائم أخلاقية من ابتزازٍ وتهديدٍ واستغلال.
القاسم المشترك بين الجريمتين أن الزيّ الرسمي تحوّل إلى رخصةٍ للانتهاك، وأن سلطة السلاح تتغلب في كل مرة على صوت القانون.
الأمن هو الخطر
ما يجري في تعز لم يعد مجرد خلل في مؤسسة أمنية، بل انهيار في فلسفة الدولة نفسها. فمن شرطة الشمايتين إلى قسم الثورة، تتكرر ذات الصورة: سلاح الدولة يُستخدم لترهيب المواطنين، والعدالة تُقنّن بالوساطة والانتماء الحزبي، بينما يدفع الأبرياء ثمن هذه الفوضى.
المدينة التي كانت تُعرف بـ"عاصمة الوعي" باتت اليوم نموذجاً صارخاً للعبث، حيث تتحول الشعارات الدينية والأخلاقية إلى أقنعة تخفي تحتها سلطةً غارقة في الفساد والعنف.
عدالة غائبة
بين قضية المشهري، وفضيحة السلخانة، وجريمة النجاشي، تبدو تعز كمدينة فقدت ثقتها بكل ما هو رسمي؛ من الشرطة إلى القضاء.
القتلة يحملون بطاقات أمنية، والمجرمون يملكون أختاماً حكومية، والضحايا يُشيَّعون كل أسبوع بلا مساءلة.
إنها مدينة تُدار بالختم الرسمي فعلاً، لكن ليس لإحقاق الحق، بل لتشريع الباطل وإخفاء الجريمة.