إبراهيم العشماوي.. شاهدٌ عربيّ على صعود الحوثيين وتحوّلات اليمن

بين سرد الوقائع واستدعاء الذاكرة، يأخذنا الكاتب والصحفي المصري إبراهيم العشماوي - مدير تحرير «الأهرام» وأحد أبرز المتخصصين في الشأن اليمني - إلى قلب التحوّلات الأشدّ تأثيرًا في تاريخ اليمن الحديث. ينطلق من جذور الظاهرة الحوثية منذ 1979 مع الثورة الإيرانية وتشكّل نواة «الشباب المؤمن»، مرورًا بالحروب الستّ، ليكشف كيف تداخل التديّن المؤدلج مع حسابات السياسة والسلاح والتهريب، وكيف غذّت الانقسامات داخل الدولة والجيش تمدّد الجماعة من صعدة إلى عمران ثم صنعاء.
وفي قراءته لدور الخارج، يضع العشماوي في الجزء الثاني من حواره مع الزميلة رحمة حجيرة، إصبعه على مفارقةٍ مُرّة: تغاضٍ دولي وإقليمي متقطّع، وسياسات أمريكية تُلوّح بتصنيفات ثم تتراجع، واتفاق «السلم والشراكة» الذي شرعن واقع القوة بدلًا من تفكيكه.
لا يكتفي العشماوي بتشريح المشهد الأمني والسياسي، بل ينسج خريطةً اجتماعيةً وانطباعية لبلدٍ عرفه بيتًا ثانيًا: صنعاء بحدائقها وبيوتها وقمريّاتها، عدن المنفتحة وثقافتها العمالية، تعز العقل المتقد والتجارة، حضرموت وروحها الاقتصادية. يتوقف عند مكانة المرأة وتحولات العادات، ويقرأ القات كسلاحٍ ذي حدّين يعكس اختلال التنمية. وفي ميزان النخب والقوة الناعمة، يأسف لغياب دور المثقفين عن صناعة التوافق، ويستعيد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ميزانًا ضابطًا اختلّ بغيابه، فيما تمدّدت القبلية من حاضنةٍ للدولة إلى طرفٍ في الصراع.
ومن الألم تولد الدعوة: «لا حلّ لليمنيين إلا بالتنازل المتبادل والعودة إلى طاولة واحدة»؛ فالدولة لا تُبنى بغلبة طرفٍ ولا بإقصاء آخر. يثبت العشماوي، الذي بكى يوم إعلان الوحدة وكتب «في حبّ اليمن»، أن هذا البلد أكبر من جراحه: قضية فلسطين في وجدانه، وحدوده المرسّمة لطمأنة جواره، وثرواته الممكنة رافعةٌ لمستقبله إذا توقفت المدافع.
بين الشهادة والتحذير والأمل، يضع ضيف «حكايتي» خلاصة ربع قرن: اليمن يتّسع للجميع… فهل يدرك الجميع ذلك؟
"النداء" تنشر النص الكامل للحلقة بالتزامن مع عرضها المصوّر على قناة "حكايتي" في يوتيوب.

رحمة: مشاهدينا، مرحبًا بكم في حلقةٍ أخرى مع الأستاذ إبراهيم العشماوي. في الحلقة الأولى تحدّثنا عن التحوّلات السياسية والاجتماعية التي شهدتها اليمن حتى عام 2001. اليوم سنبدأ بالتحوّلات الأكثر تأثيرًا في اليمن، وهي الستّ حروب التي تمّت ضدّ الحوثيين، والمشكلات الاجتماعية. وكان حاضرًا أيضًا عندما كانت صنعاء عاصمةً ثقافية، وكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية، وكثير من الأسئلة تنتظر الإجابة من الأستاذ إبراهيم العشماوي.
فلنبدأ الآن بالحديث عن خطوات إيران باتجاه اليمن بعد إهمال دول الخليج العربي لليمن، الذي يشاركهم نفس المكوّن الجغرافي والثقافي.
إبراهيم العشماوي: اهتمام إيران باليمن بدأ منذ ثورة الخميني عام 1979، حيث أرسلت خبراء لتدريب عناصر من أسرة الحوثي وغيرها، وبمخطط سياسي مكتمل الأركان له أهداف استراتيجية كبيرة جداً، وهي تريد أن تكون اليمن شوكةً في ظهر الخليج، وأن تؤثّر وتسيطر إيران كزعيمٍ إقليمي للمنطقة بلا منازع.

رحمة: او تستخدمها ضد جارتها السعودية.
إبراهيم العشماوي: فيما بعد، نواة "الشباب المؤمن" التي تأسّست على يد حسين بدر الدين الحوثي...
رحمة (مقاطعة): كصحفيٍّ نشرتَ عن هذا الموضوع، حدّثنا منذ عام 2003، ما الذي تم؟
إبراهيم العشماوي: أنا كنت أنبّه أوّلًا في تقرير ارسلته إلى جريدة الأهرام، كنت أحذّر من الطائفية والمذهبية والعنف المذهبي...
رحمة: متى شعرتَ أن الطائفية والمذهبية بدأت تظهر؟ أم هي موجودة من قبل؟
إبراهيم العشماوي: الخلاف المذهبي موجود في كل مكان، والتيارات السياسية والمذهبية لا غبار عليها، ولكن تحوّل الشباب أو اعتناقهم للفكر المتطرّف من الزيدية، التي هي الاثنا عشرية والجعفرية التي تتحدث عن الباطنية وجواز الخروج عن الحاكم، وأن الحكم يجب أن يكون في أبناء الرسول. وهم يعتبرون أنفسهم أبناء الرسول وأحفاده، وأنهم يفرضون الخُمس على الثروات.
رحمة: والتمييز الطبقي
إبراهيم العشماوي: هذه الافكار كانت وافدة.
رحمة: أعتذر لأنني أقاطعك، ولكننا نريد أن نتسلسل بالآراء. أنت جئت إلى اليمن عام 1990، هل كنت تسمع وأنت تجلس مع الناس او تمضغ القات أو في "اللوكندات" أشخاصًا يتحدثون بطريقة فيها تمييز طبقي أو اجتماعي حتى 2003؟
إبراهيم العشماوي: التركيبة الاجتماعية في اليمن معروفة، معروف المشايخ، الموظفون، الهاشميون، هذه التركيبة لا غبار عليها، وفيها من التوقير والاحترام وعدم التصادم والتعايش.
رحمة: هي كانت موجودة بشكل غير متصادم؟
إبراهيم العشماوي: نعم، لكن توظيفها سياسيًا، ونقلها من فكرة الاستحواذ على السلطة بالقوة وبالتخطيط. مثلًا، أريد أن أقول لكِ: ما الذي كان يجعلنا نستغرب؟ وهم ينشرون شعارات "الصرخة"، ما هي الصرخة؟ اللعن والسبّ ليس من خصال المسلم عمومًا، ولكنهم تماهوا مع إيران بأن أمريكا هي الشيطان الأكبر، وأن هناك شيطانًا كبيرًا يواجهونه، وهم يقتنعون بهذه المسألة، ولكن الهدف الخفي هو الاستيلاء على السلطة وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء. الإمامية ظلّت تحكم اليمن ألف عام، وأنا التقيت مع مناضلين يمنيين كُثر، من بينهم المرحوم محمد عبدالله الفسيل وغيره، كانوا يحكون عن سجون حجة عن وويلات ما وجدوه، وصل الإمام وكلنا نعرف هذا الإمام، إلى درجة أنه كان يطلب منهم أن يصبغوا وجوههم بالقطران.

هذا العهد البائد من الرجعية والتخلّف يستحق أن يقف اليمنيون على قلب رجل واحد، وتكون لهم معركة وعي. ولهذا نجد أن أكثر ما يشغل الحوثيين هو عملية الوعي المضاد: الأطفال في المدارس، المعسكرات، غسيل الأدمغة، وهذا ما أخشاه على الجيل القادم. وبالتالي، هذه الحركة كبرت بوعيٍ غير يمني، بانتقامٍ من الجمهورية والنظام الجمهوري، والثأر من الجمهورية. وبالتالي، هم كانوا يحصلون على دعمٍ، نحن كنا نغطي عشرات السفن المحمّلة بالأسلحة الإيرانية كانت تُهرَّب إليهم. الحوثيون كقوة كانوا يعيشون بين الشقوق في الكهوف، فمن أين لهم هذه القوة؟ من حزب الله والحرس الثوري الإيراني.

رحمة: ولكن كيف سمح المجتمع الدولي والإقليمي بوصول الأسلحة للحوثيين؟
إبراهيم العشماوي: للأسف، خلال الحروب الستّ كانت هناك هدنات تحدث وتوقّف، وكانت هناك بعض دول الإقليم تتدخل، مما رفع من شأن الحوثيين وجعلهم قوةً أساسية. وللأسف الشديد، المنطقة كلها تجني ثمرة هذا التطرّف إلى الآن، بمعنى أن الحوثيين مفاهيمهم ماذا؟ نحن الآن لسنا أمام حالة ديمقراطية ولا انتخابات، ولكن أمام قائد مسيرة قرآنية ملهم، هم يقولون إنه ابن الرسول، حالة من القدسية الزائفة التي كانت عند حسن نصرالله وخلافه. اليمنيون لا يعرفون هذا الشيء، أنا دخلت صنعاء، وكان يقال "بقرار جمهوري"، الناس يتحدثون "الأخ فلان"، "الأخ الرئيس" وهو رئيس الدولة، لا يقولون "فخامة الرئيس" وقتها. وبساطة المجتمع اليمني تختلف عن هذه المسألة. إيران كانت في اللجان الثنائية للتعاون، وأنا كنت أحضر بعض هذه الاجتماعات وأغطيها، كانت إيران تعرض على القيادة في صنعاء أن تقيم مكتبة كبرى للخميني، ومعارض لأفكارهم، وأن تهتم بتنمية صعدة وحجة فقط لأن الأكثرية من الشيعة هناك. وكان الجانب اليمني يتحفّظ على هذه المسألة ولم تتم، فكان الهدف بعد تدريب هؤلاء الشباب أن يدخلوا في مناكفات. وأريد أن أقول إن هناك أطرافًا من الجيش اليمني تواطأت معهم، وكانت تبيع لهم السلاح. كان جيش اليمن ومقدّرات الدولة اليمنية تُباع.

رحمة: من تقصد بالأطراف؟ يُفترض أن الجيش طرف واحد؟
إبراهيم العشماوي: قيادات في الجيش.
رحمة: ما الفائدة التي حصلوا عليها من بيع السلاح للحوثيين؟
إبراهيم العشماوي: كانوا يبيعون السلاح لهم حتى تقوى شوكتهم، وانتقامًا من الدولة.
رحمة: يعني كانوا على خلاف مع علي عبدالله صالح وبالتالي كانوا يدعمون الحوثيين بالباطل.
إبراهيم العشماوي:و هذه المسألة كانت معروفة، انا اريد ان اقول لك انه عندما كانت تأتي صفقة سلاح للجيش، كان بعض الناس يبلّغون الحوثيين أن هذه الصفقة ستمر من المكان الفلاني، فيتم السطو عليها. من أين جاءت لهم هذه القدرات؟ هي جاءت لهم من الجيش اليمني، جزءٌ منها خيانة للأسف الشديد.
رحمة: أثناء الحروب الستّ تقصد؟ وليس بعد 2011؟
إبراهيم العشماوي: ما بين هذه الفترات جميعًا، ثم حصل ما حصل: الانتفاضات العربية...
رحمة (مقاطعة): يعني كانوا ينتقمون من علي عبدالله صالح باليمن؟
إبراهيم العشماوي: هذه كانت مشكلة، وهذا الملف كان استنزافًا لطاقة الجيش اليمني ومقدّرات الدولة اليمنية.
رحمة: والحوثي يستغلّ هذه الخلافات واستطاع من خلالها أن يبني قوّته؟
إبراهيم العشماوي: عندما نرى قوة الحوثيين عام 1991، كان لديهم نائب واحد أو اثنان في البرلمان عن طريق حزب الحق فقط، وعندما ننظر الآن، نجد أنهم يبتلعون العاصمة السياسية وعددًا كبيرًا من المحافظات المؤثرة ذات الثقل السكاني. هذه المسألة لم تأتِ عبثًا، هم خططوا، دخلوا إلى مخيمات الشباب والاعتصام عام 2011، ونصبوا الخيام، ونادوا بالحرية والديمقراطية وخلافه، ثم رسموا لأنفسهم هذا المخطط الذي جاء من صعدة إلى دماج، إلى عمران، إلى أن وصلوا إلى صنعاء. هم ينفذون هذا المخطط. للأسف، اليمن أصل العروبة، لا يمكن أن تكون ولايةً فارسية في يوم من الأيام.

رحمة: بالطبع أنا لا أدافع عنهم، ولكني أمثّل الآخر. هم عندما أتوا إلى الساحة، ذهبت قيادة اللقاء المشترك إلى صعدة والتقت بزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، وأقنعوه بالانضمام إلى الساحات، هذا يعني أن هناك ناسًا كُثُر دعموا الحوثيين أو أطراف اخرى؟
إبراهيم العشماوي: هذه هي المشكلة، أن الهدف المعلن بطبيعة الأمر أن اليمنيين يتحدثون في آفاق منفتحة، حتى يهود اليمن كان لهم حقوق، والأطراف لم تكن لهم مشكلة، والاحزاب السياسة، استغلوا هذا المناخ. وفيما بعد، كان التوسع بحسابات إقليمية، هذه المسألة تم غض الطرف عنها. وأنا هنا أريد أن أتهم أمريكا التي يلعنونها صباحًا ومساءً، أمريكا لو تلاحظين تتعامل مع الحوثيين بالتلويح بجعلهم جماعة إرهابية، ثم تسحب هذا التهديد، ثم تعيده مرة أخرى. وأنا أريد أن أقول إن السياسة الأمريكية تتعامل على أن العدو في اليمن ليس الحوثيين، وإنما تنظيم القاعدة، لأن الحوثيين من وجهة نظرهم هم البعبع الذي يخيف دول الخليج ويجعل دول الخليج تشتري السلاح من أمريكا، وهم لا يريدون أن يفرّطوا في هذه الورقة. عندما تجاوز الحوثيون بالاعتداء على السفن، هاجموهم وصدوهم، وتشعرين بأن هناك عقدًا أو اتفاقًا غير معلن بينهما.

رحمة: تأكيدًا لكلامك، اتفاق السلم والشراكة عندما جعل الحوثي في كفّة وجميع الأطراف السياسية، بما فيهم حزب الإصلاح، وهو حزب كبير ولديه أعضاء كثر في البرلمان، في كفّة أخرى، ألا يعتبر ذلك تأكيدًا لكلامك بأن هناك دعمًا حظي به الحوثيون؟
إبراهيم العشماوي: اتفاقية السلم والشراكة جاءت بعد طغيانهم في الشارع ووصولهم إلى صنعاء، بعد تخويفهم للرئيس عبدربه منصور. هم كانوا هنا في أرض الواقع. نحن الآن نطمع أن يحافظوا على حصّتهم في اتفاقية السلم والشراكة، هم الآن يريدون 90% من الحصّة، يريدون أن كل الأحزاب السياسية تنضوي 10% كهامش يعيشون حولهم فقط. ولذلك، عملوا لأنفسهم أحزابًا وفروعًا للأحزاب، أن تبقى موجودة من التحالف الوطني وما شابه، ولكن الأمور لا تُدار هكذا، وما هكذا تُورد الإبل. اليمن عرفت الديمقراطية والتنوّع والاحتواء وأن يتشارك الجميع، واليمن تتّسع للجميع. وفي النهاية، هذه الأرض المحروثة أو المليئة بالألغام المنتشرة والحروب، لا بدّ أنه في يوم من الأيام ستجلس الأطراف على طاولة المفاوضات، لماذا نؤخر ذلك؟ وينبغي أن يكون من الآن تفكير اليمنيين أن يحلّوا مشكلتهم ويتنازلوا لبعضهم. وهذا هو الحل، ولا أرى حلًّا غيره، لا أرى غير التنازل لبعضهم البعض والمرونة، لأنه في الآخر اليمن للجميع، والتفريط في مقدّراتها وإذاء اليمن في إدخالها بمغامرات غير محسوبة لا يفيد اليمنيين. اليمن شعب فقير، ويريد التنمية والبناء والعمران، وهذا يفترض أن تعيه جماعة الحوثي وتستمع صوت العقل، لأنه في النهاية الحرب ليست دائمة، والوضع الطبيعي هو السلام.

رحمة: الآن دعنا نتحدث عن التشدد الديني والمجتمع. هل سبق لك وسافرت إلى صعدة؟
إبراهيم العشماوي: في إحدى المرات، بعد إحدى الحروب الست، ولا أتذكر أي حرب، كان التجول فقط لرؤية الآثار، وكان الدمار الحاصل صعبًا جدًا.
رحمة: وهل ذهبت إلى حضرموت ومأرب؟
إبراهيم العشماوي: بالطبع، أنا زرت كل مناطق اليمن.
رحمة: قبل أن أسألك عن كل منطقة في اليمن، وما الذي يميزها، أريد أن أعرف ما أقرب مدينة يمنية إلى قلبك؟
إبراهيم العشماوي: أنا أحب اليمن بكل تفاصيلها ومحافظاتها، صنعاء الأكثر ارتباطًا بنفسي لأنها أكثر فترة أقمت بها. صنعاء مبانيها، طرقها، حديقة السبعين، صنعاء مدينة حية. عندما كان زملائي العاملون في صحف خليجية يأتون لزيارة اليمن، يقولون: عرفنا الآن سر وجودك هنا، عندما يذهبون معي إلى صنعاء القديمة والناس يتحدثون معهم ببساطة، هنا تجدين الروح اليمنية الطيبة، خصوصًا لدى المصريين. نحن لدينا فيزا مفتوحة لقلوب اليمنيين جميعًا.

رحمة: كيف شعرت أن لديكم فيزا مفتوحة لدى اليمنيين؟ ما هو الموقف الذي جعلك تشعر بذلك؟
إبراهيم العشماوي: من اللحظة الأولى، المعلمون المصريون حتى بعضهم كان يسألني أسئلة وأنا أضحك، تعرف الأستاذ عبدالحميد؟ ويقول: الأستاذ عبدالحميد المصري الذي كان يدرسني؟ وأقول له: مصر وقتها كان بها خمسون أو ستون مليونًا، كيف سأعرف عبدالحميد؟ وفي! إحدى المرات، قال لي أحدهم: هل أنت مدرس؟ قلت له: صحفي. فقال: في أي مدرسة؟ وكان مصرًّا على أنني من اللازم أن أكون في مدرسة.
رحمة: ارتبط اسم المصري بالمعلم.
إبراهيم العشماوي: الحب سببه ماذا؟ مصر أعطت لليمن دون أي مقابل، ولكن للأخوة والدعم الإنساني والتحرر. دعم الزعيم جمال عبدالناصر لقوى الثورة اليمنية كان من أجل أن يخرج اليمنيون من هذا الجحيم والظلام، ولم تكن تقايض. مصر تعتبر اليمن هي المرتكز الرئيسي لأمنها القومي، لأنه أمننا القومي يبدأ من اليمن كمصريين، وظهر ذلك في حرب 73 عندما استجابت اليمن لطلب مصر في إغلاق مضيق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية، وهذا كان واحدًا من المسائل الداعمة لمصر في حرب أكتوبر، ونحن أمننا القومي يبدأ من هناك.

رحمة: الآن نريد أن نعرف كل منطقة في اليمن، ما الذي يميزها بالنسبة لك؟ بمعنى ما هي المحافظة التي جعلتك تندهش؟
إبراهيم العشماوي: أقول لك مثلًا: الحديدة، ستجدين فيها أطيب ناس، وهم أهل تهامة، والناس الساحليون سواء في عدن أو حضرموت...

رحمة (مقاطعة): وحضرموت، ما الذي يميزها؟
إبراهيم العشماوي: حضرموت بالنسبة لي تشبه دمياط من حيث نمط وتفكير الناس، أهل حضرموت هم تجار بالفطرة، يكسبون المال بذكاء. سافرت بالطبع أكثر من مرة إلى حضرموت، ورأيت ساحل حضرموت وسمك التونة، أجود انواع سمك تونة هي التي تأتي من حضرموت، ماركة الغويزي. وشاركت هناك مع الشيخ عبدالله بقشان ومشايخ من السعودية في تأسيس شركة لصناعة الأسمدة وخلافه.

رحمة: وماذا عن عدن؟
إبراهيم العشماوي: عدن عروس اليمن الجميلة، المنفتحة، المستوعبة للجميع. عدن حينما أسير في حواريها وشوارعها أتحدث مع النساء وأضحك كما لو كنت أضحك مع أختي المصرية. البساطة والتلقائية والثقة والتعليم. عدن شهدت منذ مرحلة الخمسينيات مع وجود الاحتلال البريطاني، وكانت هناك حركة عمالية وثقافية وحزبية وسياسية جعلت الوعي في عدن مختلفًا تمامًا.
رحمة: وأول امرأة قاضية في الجزيرة العربية كانت من عدن، وأول كابتن طيارة كانت من عدن.
إبراهيم العشماوي: الدكتور محمد عبده غانم، الشاعر، أول دكتور أخذ شهادة الدكتوراه من جامعة في لبنان، وكان من رموز عدن الثقافية.

رحمة: وماذا عن تعز؟
إبراهيم العشماوي: تعز عاصمة الثقافة والتجارة، تعز بالنسبة لنا تشبه الإسكندرية، كل شيء فيها جميل وفيه التنوير والعقل المفكر والثقافة. حتى الصحفيين، أشطر الصحفيين في اليمن تجدينه من تعز، وأنا المسألة هذه كنت أجمعها وأستغرب، المناضلون، الأستاذ أحمد النعمان، مجموعات تجارية كبيرة، مجموعة هائل سعيد وخلافه، ومجموعة تجارية اخرى كبيرة جدًا، تعز لها سر خاص.

رحمة: تأثرت بالحركة العمالية والثقافية الموجودة في عدن بسبب القرب منها.
دعنا نتحدث عن العادات والتقاليد. بكل تأكيد أننا لا نختلف، بحكم أنك أتيت من أسرة فلاحة، ولكن ما هي العادات التي سحرتك وأصبحت جزءًا من حياتك واعتدت عليها في اليمن؟
إبراهيم العشماوي: ارتباط الناس ببعضهم، على سبيل المثال، يكون متعلمًا في أمريكا ولكنه لا ينسى أنه جزء من القبيلة والنسيج الاجتماعي. المرأة مثلًا في الجوف، عرفت أن مهرها غالٍ لأنها تعمل في الحقل وتجلب الماء وفي الزراعة وخلافه، لها قيمة كبيرة جدًا. تركيبة العلاقات الاجتماعية المتشابكة إلى الآن، وأنا أريد أن أقول لكِ: إن جزءًا مما يخفف تأثير المصائب على اليمنيين إلى الآن هو مواساتهم لبعضهم. تجدين مثلًا المقيم في أمريكا يساعد أخاه المقيم في القاهرة، ويرسل له المال ولأهله، ويعالجه. هذا الترابط ما زال موجودًا إلى الآن. ومن الحاجات التي انبهرت بها جدًا، انبهرت بعلاقة الناس ببعضهم، شعرت أننا في ريف المنصورة، الناس يعرفون بعضهم ويسألون عن بعضهم ويودون بعضهم. وأنا أريد أن أقول لكِ: إن الغل والحقد بعيد جدًا عن قلوب اليمنيين، أنا شعرت هكذا حتى باختلاطي بزملائي وتعاملي مع أوساط مختلفة، اليمني بسيط وقلبه نظيف.

رحمة: سأسألك سؤالًا غريبًا وعجيبًا، أنت ذهبت إلى اليمن وأنت لست متزوجًا، ألم تفكر بالزواج بيمنية؟ أو لم يوجد شيخ أقسم يمينًا كما هي عادة اليمنيين؟
إبراهيم العشماوي: أنا عندما ذهبت إلى اليمن، كان هناك فتاة في مصر متعلق بها جدًا، وعندما ذهبت إلى اليمن تزوجت، ولكن فكرة الزواج كانت مؤجلة، لأنه كان من المهم أن أثبت نفسي في المجال الصحفي. أنا لم أكن أعرف حتى تفاصيل العادات اليمنية. أعرف مدرسين مصريين تزوجوا يمنيات وعاشوا حياة هنيئة جدًا. نحن عاداتنا ليست بعيدة عن بعضنا.
رحمة: ولكن لماذا لم تتزوج يمنية؟
إبراهيم العشماوي: هو النصيب.
رحمة: في أي عام تزوجت؟
إبراهيم العشماوي: في عام 1992، وربنا رزقني بابنتي هند في 1993، وهي الآن دكتورة أسنان، وأبنائي جميعهم مواليد مستشفى الكويت.
رحمة: كم عدد أبنائك وبناتك؟
إبراهيم العشماوي: هم ثلاثة: هند، والمهندس محمد مواليد 1996، والدكتور أحمد مواليد2000. وجميعهم مواليد صنعاء، وجميعهم مرتبطون بصداقات حتى الآن، ولو ترين غرفهم مزينة باليمن، هم مرتبطون قلبًا وقالبًا مع اليمن.
رحمة: عندما قررتم العودة، هل كانوا سعداء لأنهم سيعودون لمصر، أم كانوا حزينين؟
إبراهيم العشماوي: نحن علاقتنا بمصر لم تنقطع، والحنين إلى الوطن، وكنا نقوم دائمًا بزيارة مصر في الإجازات، وأنا كنت بشكل مستمر على مودة مع إخوتي وأشقائي ووالدي ووالدتي وأقاربي.
رحمة: ولكن كان بيتك الأساسي في صنعاء، وعملك، وعندما تترك بيتك الأساسي وتعود إلى مصر، بعد هذه الفترة أبناؤك بكل تأكيد سعدوا لأنهم سيعودون إلى مصر.

إبراهيم العشماوي: كانت فرحة وحزن في نفس الوقت، كانوا سعداء لأنهم سيرون بلدهم ويلتقوا بأصدقائهم، وكذلك هم سيتركون أصدقاءهم في صنعاء، والأماكن التي عاشوا فيها، النزهة التي كانوا يقضونها في الحدائق والمتنزهات والأسواق وحديقة الحيوان، كل الطقوس هذه، باب اليمن أيضًا.
رحمة: هل مضغت القات في اليمن؟
إبراهيم العشماوي: أنا أمضغ القات إذا أنا موجود في اليمن.
رحمة: ولكن بأمانة، هل أحببت مضغ القات؟
إبراهيم العشماوي: أنا فشلت في أن أكون "مولعي" ، لأن المشكلة أن أي شيء أضعه بين أسناني أبتلعه، لدرجة أن النائب العام القاضي علي اليناعي في رمضان قال: "أنت ستمضغ القات." ذهبت إليه في البيت بعد صلاة التراويح، وكان يقول لي: "ضعه كذا"، ويحضر لي "كندا دراي"، فتكوّنت كرة صغيرة في خدي لوقت قصير، وأثناء الحديث لم تعد موجودة هذه الكرة، ثم صاحبها بعد ذلك ألم شديد في البطن لمدة يومين وصداع، وقال: "لأنك أنت أخطأت عندما بلعت القات." كنت حينما أذهب إلى الشيخ عبدالله الأحمر أو شخصيات، كانوا يقولون لي حينما يعطيك ورق القات لا تردها، وهذا قات من النوع الفاخر، فأنا كنت آخذ بعضه وأتذوقه ويكون مرًّا، وبعدها كنت أجامل وأقول له: أنا وأبنائي في البيت نمضغ القات، فأخذه وأذهب إلى صاحب البقالة بجوار منزلي وأعطيه ليحتفل بها.

رحمة: هذا يعني أنك لم تستطع التأقلم مع القات.
إبراهيم العشماوي: لأنه في الأساس القات، إذا قلنا إنه "كييف"، أنا حتى السجائر لا أدخنها.
رحمة: كيف كنت تبني علاقات اجتماعية؟
إبراهيم العشماوي: كنت أحضر الجلسات، ولا توجد لدي أي مشكلة، وأتكيف معها. أنا أريد أن أقول لك إن القات، لو تحدثنا عنه، هو سلاح ذو حدين، اليوم مليون واحد يعملون في زراعة وبيع القات، حياة ناس كُثر مرتبطة به، ولم يكن هناك أي بديل. عندما كانت هناك ندوات، والرئيس نفسه علي عبدالله صالح رحمه الله، منع القات في المصالح الحكومية، ولكن هذا من المسائل أو بالأصح المعضلات في طريق اليمنيين، ولابد أن يكون هناك بديل، مثلًا عندما نقنع المزارع أن الهكتار من البن، هكتار القات يضاعف عائده بـ26 مرة، كيف سيقبل بأن يزرع بنًّا؟
رحمة: هناك تجارب ناجحة في حراز ومن أبناء الحيمة.
إبراهيم العشماوي: إقتلاع الأشجار كانت تجربة محدودة، وهذه المسألة تحتاج استراتيجيات طويلة، والبدائل وتشريعات تساعد على هذه المسألة، وأن اليمن مشهورة بزراعة العنب والبن.

رحمة: صحيح لابد ان تكون هناك سياسات دولة. عموماً أريد أن أعرف شيئًا، بعد أن عدت أنت وزوجتك وأبناؤك إلى مصر، إلى المنصورة، وتابعت في 26 مارس 2015 أن اليمن تُقصف، هل اندلاع هذه الحرب هي التي ألهمتك في كتابة كتاب الربع قرن في حب اليمن، أم أنك كنت مسبقًا تحضر لهذه الفكرة؟
إبراهيم العشماوي: في الحقيقة، عنوان في حب اليمن أولًا، أنا أعبّر من خلال الكتاب عن حبي وعشقي لهذا البلد العربي الأصيل المتنوع الثري، وأيضًا أردت منه أن يكون رسالة حب بين اليمنيين في وقت تنتشر فيه ثقافة البغضاء والكراهية، واليمن لا تستحق إلا كل خير، بلد لديها مقومات وإنسان له حضارة. أما عن حرب 2015، فكانت صدمة كبيرة جداً بالنسبة لي، للأسف الشديد أن تتشظى هذه الدولة العريقة، وأن يتم فيها الصراع، وأن يقتل الإنسان أخاه الإنسان، وأن يتم التصارع على السلطة، وتكون هناك مسمى الحرب الأهلية في هذا البلد، كانت مأساة بالنسبة لنا، وأنا شخصيًا تلقيتها بحزن شديد جداً، وعشت حالة نفسية صعبة، لأن التطورات التي حدثت من 2011 كانت الخروج الهادئ من السلطة للرئيس علي عبدالله صالح، والمبادرة الخليجية، ثم الانتخاب بناءً على مبادرة، وتمت انتخابات كان فيها رئيس توافقي واحد، ولم يتقدم أحد لمنافسته، كان هناك حوار وطني وله مقررات، وكان الحوثيون جزءًا من هذا الحوار، كانت الأمور تسير لأن تقدم اليمن نموذجًا مختلفًا، وفجأة نجد أن صنعاء اختُطفت.

رحمة: حتى تكون الصورة واضحة، ما هو النموذج الإيجابي؟ أنت غطيت انتخابات كان فيها أكثر من مرشح للرئاسة وغيره، وشخص واحد يكون رئيسًا، نموذج فريد، هذا برأيي نموذج سيئ وارتداد في الديمقراطية في اليمن، الم يكن مؤتمر الحوار هو سبب في اختطاف صنعاء، ومشروع الأقاليم الذي لم يوازن التوزيع للثروات والديموغرافي للمحافظات اليمنية.
إبراهيم العشماوي: هذه وجهة نظر، ولكن برأيي عمر الحوار ما كان مشكلة، هو حالة صحية، ولكن كان هناك من يتحاور وهو يبيت النية ويتحرك في الميدان. ما الذي نُفّذ من مؤتمر الحوار؟ مقررات مؤتمر الحوار! وعندما نتحدث عن المبادرة الخليجية كمرجعية، أين بنود المبادرة الخليجية حاليًا من الواقع؟ والواقع الذي يجب أن نعترف به هو واقع مختلف، فالأطراف التي دخلت الحوار الوطني كانت تبيت النية لكي تعبث بمقرراته. أما حكاية رئيس توافقي واحد، فهذه كانت حالة لها ضروراتها، من حيث تفادي البلاد نوعًا من الصراع الشديد، وكان هذا إتمام عملية التحول السلمي للسلطة، وكان هذا الرئيس توافقيًا، وهو نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام، وكنا نأمل الكثير جدًا، ولكن في الممارسات التي حدثت فيما بعد، سواء الحالة الانتقالية، وتسليم مقاليد الأمور إلى أطراف معه من الأحزاب السياسية، وأن يصفوا حساباتهم مع القيادة السابقة للمؤتمر الشعبي، هذا أجّج الأوضاع، وجعل الأمور فيها نوع من الاحتقان الداخلي.

رحمة: بمعنى أنه كرئيس توافقي، من المفترض أن يدير اليمن بشكل توافقي بين الأطراف كاملة، لا يُقصي حزبًا، أن يشارك في الحوار، ولا كرئيس سابق أن يشارك في مؤتمر الحوار
إبراهيم العشماوي: هذه كانت مشكلة، ونحن نعرف أن الرئيس عبدربه منصور هادي كان قائدًا عسكريًا مهمًا جدًا في حرب 1994، وقدم للدولة خدمات، ولكن بعد أن وصل إلى كرسي السلطة كنا نشعر بأنه تتجاذبه الأطراف السياسية والحزبية وتفرض عليه قرارات معينة أدت إلى الاحتقان والانفجار، استغلت جماعة الحوثي هذا الأمر ووصلت إلى صنعاء، وكان ما كان في 2015.
رحمة: هذا يعني أن الجميع شركاء فيما حدث.
إبراهيم العشماوي: بكل تأكيد، أنا كتبت في صفحتي على الفيسبوك أني أدين الجميع، وكتبت حول هذه المسألة حتى أكون صادقًا مع نفسي، لا أدين طرفًا بعينه، ولكن أدين الجميع، جميع الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية نفسها، هي التي أوصلت اليمن إلى هذه الحالة. ألا يكفي من عام 2015، ونحن في 2025، عشر سنوات من القتال والحرب والكراهية والدمار؟ ألا يكفي ذلك؟

رحمة: أنا لدي سؤال لك كمراقب للتحولات السياسية والاجتماعية التي مرت بها اليمن. عند رحيل علي عبدالله صالح، كان لدى الناس أمل أن الوضع سيكون أفضل على المستوى الاقتصادي والحريات، وجاء اثنان من الرؤساء، والوضع ما زال أكثر تعقيدًا. هل المشكلة في التركيبة الثقافية ومنظومة اليمنيين نفسها، وبالتالي كل رئيس يأتي أسوأ من السابق، أم التدخلات الخارجية، أم كلاهما؟
إبراهيم العشماوي: دعينا نقول الاثنين، إذا جاز التعبير. أنا أريد أن أقول: عندما تكلمت عن الثقافة والمثقفين، القوة الناعمة في اليمن غائبة.
رحمة: وضّح لنا من هي القوة الناعمة بالتفصيل.
إبراهيم العشماوي: القوة الناعمة تتمثل بالمثقفين والأدباء والنخبة المدنية التي تمثل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. هؤلاء جميعًا سلّموا اليمن إلى قيادات قبلية وعسكرية وحزبية، وتنازلوا لهم، أو بالأصح أصبحوا في مكان بعيد عن التأثير. هذه هي المشكلة الرئيسية. وحينما نتكلم عن ثورات اليمن المبكرة، كان لدينا اثنان من الشعراء: الأستاذ أحمد النعمان ومحمود الزبيري، شعراء وأدباء كانوا هم يقودون. الآن أين مثقفو اليمن؟ أين الصحفيون؟ أين المجتمعات المدنية؟ نجد، وللأسف الشديد، أن كثيرًا منهم في أحضان أطراف معينة، يدافعون عنها باستماتة، ويدافعون عن مصالح آنية.
رحمة: أنت تحدثت في كتابك، أظن أن غياب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أثر على هذا التوازن.
إبراهيم العشماوي: نعم، أنا أعتقد أن وجود الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر كان نقطة توازن مهمة جدًا في النظام السياسي، في لجم جموح بعض الأحزاب أو القوى القبلية، وكان هو متفاهمًا مع الرئيس صالح في تحقيق هذا التوازن. بغياب الشيخ عبدالله الأحمر، كان هناك نوع من الفوضى، حتى في الرموز القبلية، أصبح هناك صراعات قبلية.

رحمة: أبناؤه جميعًا تمركزوا في اتجاه واحد، وهذه ليست من ثقافة اليمنيين، اليمنيون يتوزعون مع الأطراف، ولكن بعد هذه الأزمة أبناؤه جميعًا حددوا موقفًا مشتركًا.
إبراهيم العشماوي: لابد أن نعترف أن اليمن بلد القبائل، 85% من السكان قبائل، عندنا 200 قبيلة في الشمال والجنوب، وهذا هو الثقل الرئيسي. القبيلة هي نعمة ونقمة، دورها تاريخي في حماية الثورة والجمهورية، دور عظيم جدًا، ولكن في هذه الفترة غلبوا أن يكونوا أطراف الصراع السياسي، وإدارة السلاح رائجة جدًا، وهناك أطراف لا تريد للحرب أن تتوقف، لأنهم يكسبون ويكسبون ويكسبون منها، وهذه مشكلة كبيرة جدًا، وأنا لا أعلم من الذي يمكن أن يؤثر على القبائل ويخلق حالة اصطفاف وطني تجمع هذه الأطراف، بما فيهم الحوثيون.
رحمة: القبيلة هي التي فرضت المصالحة الوطنية بعد حصار السبعين. هناك سؤال آخر، وأنت كمراقب، عندما غابت الدولة ظهرت الأعراف القبلية وسيطرت وخففت من آثار الحرب السيئة، مثلًا تبادل الأسرى تم برعاية قبلية وفتح الطرقات، وكانوا قبلها لهم دور إيجابي إلى حد ما.
إبراهيم العشماوي: ونتمنى أن يكون هذا الدور برموز قبلية واعية وطنية، لها رؤية بعيدة عن الأجندات الخاصة أو الأجندات التي فيها مكاسب آنية. أنا أتمنى في الحوارات التي تمت في الأردن أو عمان أو عواصم أوروبية أن يكون وجود رموز القبائل المؤثرة حاضرًا، حتى يكون هناك صياغة لمشروع وطني توافقي، ان اليمن تتسع للجميع، و ان علينا جميعًا أن نتعامل كيمنيين، وهذه مسألة مهمة جدًا. وأيضًا على دول الإقليم أن تساعد اليمنيين بأن تتركهم وشأنهم ليقرروا مصيرهم بأنفسهم، وهذه مسألة مهمة جدًا. اليمن تحتاج إلى مشروع عمران ودعم الأشقاء بلا شك، وهذه مسألة مهمة، ولكن ليس بفرض الإملاءات، وإلا سنعتبرهم مثل إيران التي تحاول فرض شروطها وإملاءاتها على الدولة اليمنية.
رحمة: دعنا نعود إلى كتابك، ولكن قبل ذلك، القبائل موجودة بقيادة الأحزاب، وفي السلطة التنفيذية والتشريعية وأعضاء مجلس النواب في السلطة السياسية. ولكن فيما يتعلق بالكتابة، في ديسمبر 2024، قمت بطباعة كتابك، ولم تمر فترة طويلة خلال هذه الأشهر. ما هو الصدى الذي وصلك من اليمنيين؟ من الذي انتقدك ولماذا؟ ومن الذي كان سعيدًا بكتابك؟
إبراهيم العشماوي: في الحقيقة، هناك كتب قبل كانت محل انتقاد، وأحدثت ضجة كبيرة، من ضمنها الساحر والأفاعي، قصة علي عبدالله صالح. وأنا أريد أن أقول: أنا أتعامل بحب وشفافية مع الجميع، أصدقائي اليمنيون من كل المناطق والأحزاب السياسية.
رحمة: الانتقاد حول الساحر والأفاعي كان حول ماذا بالضبط؟
إبراهيم العشماوي: كانت الانتقادات حول أسلوب إدارة الدولة اليمنية في عهد الرئيس علي عبدالله صالح، اعتمد كثيرًا على النخب البالية التي تبيع وتشتري، وأيضًا ارتكب نفس الأخطاء التي ارتكبها السادات بتحالفه مع القوى الإسلامية التي قتلته في النهاية، وهذه كانت إشكالية كبيرة. على سبيل المثال، منطقة مثل الجوف ومأرب، هذه المناطق فيها ثروات نفطية وأثرية وسياحية عظيمة جدًا، ولو كان هناك معهد للنفط والبترول ومعهد للسياحة في هذه المناطق، مثلما عمل الملك حسين في الأردن، أخذ أبناء العشائر وعلّمهم في أمريكا، فظهر جيل جديد متعلم لا يحمل السلاح، بدلًا من أن نراهم وهم يقطعون الطرق ليستولوا على السيارات ومرتبات شركات النفط، وهذا ما رأيته بعيني.

رحمة: وهذا الذي أغضب الناقدين. ولكن بعد 13 عامًا على رحيل علي عبدالله صالح، هل القيادات التي أتت بعده جاءت بقيادة جديدة أم بالية؟
إبراهيم العشماوي: رحلوه من السلطة.
رحمة: الذين جاؤوا بعده، هل حكموا بنفس الطريقة أم أسوأ؟ لماذا لا يوجد تغيير؟
إبراهيم العشماوي: أنا قلت في الكتاب إني أتفهم حزن اليمنيين على تلك الفترة، على الأقل كان هناك دولة، وكانت هناك أخطاء وتقصير ونية للإصلاح أو صعوبة في الإصلاح، وكانت هناك مشاكل كبيرة جدًا. ولكن على سبيل المثال، من الأشياء التي أغضبت الناس، وفي الحقيقة أنا اعتمدت على تقارير من الأمم المتحدة تحدثت عن 60 مليار وثروة وغيرها، واتضح أنها فقط كانت للمكايدات.
رحمة: هل أنت نشرت أن هناك 60 مليارًا؟
إبراهيم العشماوي: هم الذين قالوا هكذا، أنا نشرت ما نُسب إلى التقارير الدولية. أنا أريد أن أقول لك: بعد ذلك هم الذين برّؤوه، وبرّؤوا السفير أحمد علي عبدالله صالح. وأنا أريد أن أقول إن اليمن، في الآونة التي تمر بها، تحتاج إلى نموذج مثل أحمد علي عبدالله صالح، الذي لا يعرفني ولا أعرفه، ولكن أقول إن هذا الشاب التقيته في السفارة الألمانية عام 98، وكان عضوًا في البرلمان، طباعه هادئة ورزينة، ليس متطرفًا في اتخاذ مواقف متعجلة. اليمن تحتاج إلى مثل هذه القواسم الآن.

رحمة: لكن الجميع قلقون منه، وإلا لما اتفقوا على فرض عقوبات عليه.
إبراهيم العشماوي: هم قلقون من وصوله إلى السلطة. الآن، عندما ذهب الرئيس بوش وجاء بعده ابنه، إذا كانت الديمقراطية هي الحاكمة، هو بالأساس يمني، يعود لينفذ إرادة اليمنيين أو احتياجاتهم؟ أو يقوم بدور؟ ليس مهمًا أن يتولى السلطة، ولكن الدور المطلوب أن يجمع. ونحن نلاحظ في منهجه وتصريحاته أنه لا يتطرف بالهجوم على أطراف معينة، ولديه قبول في الشارع. المؤتمر الشعبي العام بحاجة إلى من يلم شتاته، لا يصح ولا يليق بالحزب الذي أدار وقاد اليمن في التنمية وعهد وميثاق والحوار الوطني أن يكون منشطرًا بين العواصم المختلفة.
رحمة: هو لم يشارك في سفك الدماء، ولم يقف مع طرفٍ ضد طرف، ولكن هل نأتي بابن علي عبدالله صالح ليصبح رئيسًا للجمهورية؟
إبراهيم العشماوي: لم أقل أن يأتي ويصبح رئيسًا للجمهورية، أنا قلت يساهم بفعالية وبالمصداقية التي لديه في جمع كلمة اليمنيين، وهذا ليس عيبًا، ان يأتي بمشروع سلامٍ مشروع لوقف الحرب، وهذا الآن ما تحتاجه اليمن، وأنا أتمنى في الفترة القادمة أن يلعب دورًا، ويلعب كل الخيرين معه، فاليمن فيها حكماء وأبناء، لا يمكن أن يظل اليمنيون ينتظرون مائدةً يقيمها الآخرون، اليمن بلد الحكمة والإيمان.
رحمة: طالما فتحت الساحر والأفاعي، انت كم مرة قابلت علي عبدالله صالح؟
إبراهيم العشماوي: لم أقابله كثيرًا.
رحمة: حدثنا باختصار عن عدد المرات التي قابلته، وماذا كان انطباعك حوله.
إبراهيم العشماوي: كنت أحضر مؤتمراتٍ صحفية بحكم عملي كمراسلًا منذ سنة 95، لكن سنة 98 كان أول لقاءٍ مباشر، وكان في مدينة عدن، كنت وقتها مراسل اقتصادي لجريدة الحياة، البنك الدولي اختارني لأكون منسقًا لورشة عمل تجمع رؤساء تحرير الصحف اليمنية في عدن، في فندق موفنبيك، لشرح الإصلاحات الاقتصادية وضرورتها بالنسبة لليمن بعد أن حصلت اضطرابات في الشارع اليمني نتيجة رفع الأسعار وخلافه. والذي حدث أنه بعد الانتهاء من الورشة جاءت الدعوة من الرئيس إلى قصر المعاشيق بعدن، وكانت الدعوة لرؤساء التحرير، وذهبت معهم بحكم أنني منسق الورشة، وعندما دخلنا للسلام على الرئيس، وكان يصافح وينظر إليّ بنظرةٍ كلها ريبة، وكانت المسألة بالنسبة لي اول مرة مقلقة، وعندما اقتربت منه قال: "من الأخ؟"، وجاء الأستاذ عبدالقادر باجمال - رحمه الله عليه - وقال له: "هذا واحد من أبناء مصر العروبة ، من الذين يكتبون تقارير في جريدتي الحياة والأهرام إيجابية عن اليمن"، فربط على يدي وابتسم، ونظرات الريبة اختفت.
فيما بعد التقينا في جولاته الانتخابية في 2006، تحضيرًا للانتخابات الرئاسية، وكنا نذهب إلى مناطق مختلفة، تخيلي مثلًا في حجة نصبح الصباح، وقبل أن نذهب إلى القصر الجمهوري ونحن نسير نجد القبائل والمزارعين يوقفون الموكب ويعطوننا لبن الغنم والعنب، والرئيس ينزل ويتحدث معهم، ويسأل عنا: أين ذهب الصحفيون؟

في القصر الجمهوري في حجة، صباحًا، كان رئيس الجمهورية معه شخص يوزع علينا سندوتشات ملفوفة بقصدير، وكنا نستغرب ونشعر بالخجل لأنه كان بنفسه يهتم بنا. كان في الفعاليات بعد المهرجان الانتخابي وبعد كلمته يفضّل أن يقود هو السيارة، وفي منتصف الطريق يقف ويسأل الصحفيين عن رأيهم.
وكان عنده بعد نظرٍ في التطرف الديني، وكان قلقًا جدًا من دخول اليمن في هذا الصراع، وكان يميزه أنه ليس مؤدلجًا، وحتى في السياسة لاحظتُ منهجه مع إيران والعراق أثناء الحرب، كان متوازنًا مع دول الخليج، متوازنًا مع روسيا وأمريكا، كان هناك نوع من التوازن، وكان في هذه المسألة يقودها بهدوء.
حتى ونحن في قصر حجة، عندما جئنا نتصور معه ونجلس معه في جلسة مقيل ، عندما ذهبت وسلمت عليه وجلست معه، كان يحدثني عن مصر وحبه لمصر، وتقديره ودعمها لليمن. كانت جلسة طيبة جدًا في هذا التوقيت، وأنا شخصيًا أحمل له كل التقدير، وأترحم عليه.
رحمة: أستاذ إبراهيم العشماوي، كيف غطيت أخبار تفجير مسجد دار الرئاسة؟
إبراهيم العشماوي: نحن غطيناها بالمتاح وقتها من المعلومات، كان...
رحمة (مقاطعة): تلقيت الخبر وأنت تعرفه على المستوى الشخصي؟ علي عبدالله صالح وقيادة الدولة تم تفجيرهم، والساحات السلمية تحتفل!
إبراهيم العشماوي: أريد أن أقول لك إن هذه كانت مأساة كبيرة جدًا.

رحمة: هل شعرت بقلقٍ على اليمن حينها؟
إبراهيم العشماوي: بالطبع، لأن دورات الدم في اليمن مؤلمة. عندما نتحدث عن اغتيال رئيسين قبله، وعن مجزرة في 13 يناير، هذه المسألة تبعث على القلق. إصابات كثير، والرئيس نفسه، وأنا شخصيًا خسرت واحدًا من أعز الناس، الذي أحترمه، الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني، عزيز اليمن، هذه الشخصية النموذجية المحترمة الذي كان يحظى باحترامٍ وتقديرٍ كبيرين، وكان رصينًا ورجل دولة. أنا لو تكلمت عن علاقاتي برجال الدولة في اليمن والذين اختلطت بهم، أحتاج إلى الكثير. أنا كتبت فصلًا في هذا الكتاب بعنوان "شخصيات على ضفاف الرحلة"، ابتداءً من لقاءاتي بالرؤساء وكل المسؤولين ورؤساء الحكومات.
رحمة: وأنت حينها شعرت بالرعب والحزن؟ خفت على مستقبل اليمن؟ هل ظلمنا علي عبدالله صالح جميعنا؟
إبراهيم العشماوي: هناك أشياء عندما نتحدث عنها، خصوصًا عندما تتعلق بتاريخ دولة، لابد أن ننحّي جانبًا العواطف الشخصية. بمعنى: له ما له وعليه ما عليه، هو كان بسيطًا، وكان يتكلم عن أخطاء، وكان يقول لابد ان نحلق لأنفسنا قبل ان يحلقوا لنا، لكنه كان يعرف خارطة اليمن ويدير أمورها بما لديه من إمكانيات. الإمكانيات المتوفرة كانت في هذا الوقت بالنسبة لليمن كان هذا هو المتاح، لكن كان هناك تقصير، وكان من الممكن أن يكون هناك أفضل، وكان اليمن من الممكن أن تتجنب الكثير.
رحمة: ونحن طمعنا بالأفضل وكان عقاب الله لنا الأسوأ.
إبراهيم العشماوي: طبعاً شعارات الربيع العربي حتى في مصر كانت شعارات براقة، تتكلم عن العدالة الاجتماعية والحقوق، ومن منا لا يريد هذه الأشياء؟ ولكننا الآن نجني ثمار هذه الزوبعة التي حدثت. الآن تم تحييد الدول العربية، وانشغلت بنفسها وصراعاتها الداخلية، ورأينا العدو الصهيوني الآن يفعل ما يفعل ويعربد.
رحمة: حدثنا عن موقف اليمنيين من القضية الفلسطينية شمالًا وجنوبًا؟
إبراهيم العشماوي: أنا عندما ذهبت سنة 90 انبهرت بموقف القيادة والشعب اليمني، مثلًا انا وجدت حي سكني خاصًا في المدنية السكنية للضباط الفلسطينيين، ووجدت قصرًا لأبو عمار، أجريت فيه مقابلة صحفية مع ياسر عرفات، القصر الذي أهداه إياه الرئيس علي عبدالله صالح.

ووجدت شهداء كان بعض الجبهات الديمقراطية والجبهة الشعبية، نذهب ونجد شهداء يمنيين كانوا في صفوف الثورة الفلسطينية، سواء في بيروت أو فلسطين. لا أحد يزايد على موقف اليمنيين من القضية الفلسطينية كشعبٍ وتاريخ، لكن استثمارها لأغراضٍ أخرى هذه مسألة مختلفة. اليمن كشعب وكدعمٍ للقضية الفلسطينية هذه مسألة أصيلة. اليمن قدمت مبادرات كثيرة جدًا لحل القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني، سواء كان هذا دعم القيادة السياسية أو من وزارة الخارجية. اليمن كانت بلدًا لها بصمات في دعم القضية الفلسطينية.
رحمة: بعد 11 سنة تركت فيها اليمن، ألا تفكر بالعودة مجددًا إلى اليمن؟ وبصراحة؟
إبراهيم العشماوي: أتمنى، أو أحلم. صنعاء تأتي لي في المنام، أرى نفسي وأنا أتجول في شارع الزبيري، وآكل الأسماك العدنية والسلتة في شارع الزراعة، وأرى أصدقائي. هذه سنوات عمري و شبابي التي قضيتها في هذا البلد، وبالطبع أحتفظ بكل الذكريات، وأتمنى أن أعود، وأولادي يتمنون ذلك، وأتمنى أن تتوقف الحرب اللعينة، وأن يحدث السلام حتى نذهب جميعًا إلى اليمن.
رحمة: هذا يعني أنك ستذهب مباشرة إذا وصلوا إلى سلام؟ ولكن لماذا لا تفكر أن تذهب إلى عدن أو مأرب على الأقل؟
إبراهيم العشماوي: أتمنى، إذا وُجّهت لي دعوة، أن أذهب إلى عدن أو مأرب او أي مكان في اليمن، أتمنى أن أزور هذه المناطق وأجدّد عهدي بها، وأن أكتب دائمًا عن التوافق والحكمة اليمنية. سأظل أكتب عن الحكمة اليمنية حتى تتحقق هذه الحكمة على الأرض ويعمّ السلام.
رحمة: أستاذ إبراهيم، غطّينا مختلف مراحل اليمن التاريخية والسياسية والاجتماعية والإقليمية والدولية. دعنا الآن نحلم، فلنتخيل اليمن بعد خمس سنوات، كيف نتمنى أن تكون؟
إبراهيم العشماوي: الأمنية دائمًا في قلبي، هو الأمل والحلم، وأنا اريد ان أقول لك: حينما نحلم لليمن كبلدٍ عربي مهم بالرخاء والتنمية، فهو يستحق. اليمن لديها مقدرات اقتصادية رهيبة.
رحمة: دعنا نتخيل كيف سيكون النظام السياسي والاقتصادي في اليمن، دعنا نكون أكثر تفصيلًا.
إبراهيم العشماوي: أتصور أن التنازل ما بين اليمنيين سيكون عنوان المرحلة القادمة، ليس بالضرورة أن يتم اقتلاع أحدٍ من السلطة بالعنف أو بالقوة، وليس من الطبيعي أو المنطقي أن يبتلع أحدٌ كامل السلطة في بطنه ويقول: أنا الواقع أو الحاكم الفعلي. اليمن يمكن أن يتواجد فيها الجميع، كل الأطراف السياسية، بما فيهم جماعة الحوثي، وهي قوة من الأساس، لم يستبعدها أحد، وهي قوة أساسية، وهم يمنيون.
رحمة: هل نحلم أن يكونوا سلطةً مشتركةً وحكومةً مشتركةً ويبدؤون بالتنمية و في إعادة الإعمار؟
إبراهيم العشماوي: في رأيي، الجميع أنهك من هذه الحرب داخليًا وخارجيًا، حتى الأطراف التي تدعم وتقدّم المساعدات أنهكت ولديها أولويات أخرى. وفي غمرة هذا التحوّل والقلق العربي والإقليمي والسياسة الأمريكية الجديدة، الكل يتحسس رأسه. وبالتالي، على اليمنيين أن يجلسوا سويًا، ويتقاربوا، ويتنازلوا.
طيب، ما شكل هذا التنازل؟ الصيغ موجودة، ومشاريع الدستور والاستفتاء عليه. وبالتالي، هل تستحق هذه السلطة كل هذا القتل والدمار؟ يمكن أن تصل جماعة الحوثي بالطريقة الديمقراطية إلى القيادة إذا قدّمت للشعب اليمني أحلامًا وقدّمت الاستقرار. نحن الآن لدينا قضايا كثيرة جدًا شائكة، مثل الأسرى والمعتقلين والألغام وحالة الانقسام المالي والصراع الاقتصادي وحالة الجباية. اليمنيون أنهكوا من الجباية.
رحمة: ما هي رسالتك للأطراف السياسية والشارع اليمني؟
إبراهيم العشماوي: بكل مودةٍ، وكل حب، وكل قلقٍ وألمٍ على هذا البلد العربي الذي عشقته، وأعترف أنني عاشقٌ لليمن. اليمن لا تستحق ما يحدث لها، تنازلوا لبعضكم، التمسوا حكمة الأجداد، وتصريح الرسول صلى الله عليه وسلم: "الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية". جسّدوا هذا المفهوم، لن تدوم الحرب، فلا تؤخروا الجلوس على الطاولة إلى غدٍ أو بعد غد، اجلسوا الآن، من الأفضل بدلًا من أن يكون الثمن فادحًا عليكم وعلى كل الشعب اليمني. اليمن بلد جميل، وأبناؤها أجمل، وتستحق أن تعيش في سلام. هي البلد التي شهدت الديمقراطية من منابع التاريخ، "ما كنتُ قاطعةً أمرًا حتى تشهدون"، هذه ملكة سبأ، شهدت الديمقراطية، هذه البلدة الطيبة والرب الغفور، هذه البلد التي فيها الخير كله، نتمنى أن يتساعدوا ويتنازلوا.
رحمة: ونحن نتمنى أن يصغوا لك أستاذ إبراهيم العشماوي، حبك لليمن أحيا في قلوبنا حب اليمن. نشكرك على حكاياتك الجميلة عن اليمن، لعلها تحيي في قلوبنا حب اليمن.
مشاهدينا، حكاية الأستاذ إبراهيم العشماوي تعكس كم هي اليمن كبيرة وعظيمة في عيون غير اليمنيين، وما أصغر اليمن في عيون اليمنيين الذين باعوها لما هو أدنى منها. نلقاكم في حلقةٍ أخرى وضيفٍ آخر.
ينشر هذا الحوار بالتزامن مع بثه على قناة "حكايتي" على يوتيوب، إعداد وتقديم الإعلامية رحمة حجيرة. لمشاهدة الحلقة (اضغط هنا)