صنعاء 19C امطار خفيفة

بين الملك عبدالله والسلطان قابوس وصدام: القربي يكشف رسائل اليمن السرية

بين الملك عبدالله والسلطان قابوس وصدام: القربي يكشف رسائل اليمن السرية

من قاعات التشريح إلى دهاليز القرار.. يعود وزير الخارجية اليمني الأسبق، الطبيب والأكاديمي والدبلوماسي الدكتور أبوبكر القربي ليروي لنا اللحظة الفاصلة التي غيّرت مسار حياته: قرار العودة من كندا عام 1979 للاستقرار في صنعاء، خوفًا على هوية أبنائه وإيمانًا بأن اليمن يحتاجه أكثر.

هناك بدأ مشروعًا علميًّا وطنيًّا: إعادة هيكلة مناهج كلية العلوم إلى نظام الساعات، تأسيس فرع المختبرات الطبية، ثم وضع اللبنات الأولى لـ كلية الطب بجامعة صنعاء، قبل أن يتدرّج إلى نائب رئيس الجامعة ويقود توسّعها إلى فروع في تعز وإب والحديدة وذمار والبيضاء وحضرموت، وسط صراعات سياسية حاول بحزم أن يُبقيها خارج الحرم الجامعي.

في هذه الحلقة نفكّ خيوط انتقاله من مدرج الجامعة إلى المؤتمر الشعبي العام عبر لجنة الحوار الوطني (1981) ثم إلى وزارة التربية والتعليم بعد الوحدة؛ قرارات حسّاسة بتوحيد المناهج وتوزيع المنح بعدالة، ومواجهة "تسييس" التعليم بلا تردد. ونمضي معه إلى العتبة الدبلوماسية: كيف صاغ قواعد التعيين والابتعاث في الخارجية على أساس الجدارة، وتعامل مع تبعات تفجير المدمّرة «كول»، ثم كيف وُلدت المبادرة الخليجية على مائدة عشاء في أبوظبي قبل أن تُصاغ نصًّا في طائرة متجهة إلى مسقط.

كما نقترب من كواليس جنيف وبييل والكويت، ومن علاقاته المباشرة مع قادة الإقليم والعالم، بين رسائل الملك عبدالله ونصح السلطان قابوس، وحتى لقاءٍ صريح مع صدام حسين. هذه سيرة قرار ومسؤولية، يرويها صاحبها للزميلة رحمة حجيرة ببرود الطبيب ودقّة الأكاديمي وبصيرة الدبلوماسي.

"النداء" تنشر النص الكامل للحلقة بالتزامن مع عرضها المصوّر على قناة "حكايتي" في يوتيوب.

رحمة: مشاهدينا، تستمر رواية الدكتور أبوبكر القربي لمذكراته. وصلنا في الحلقة السابقة إلى زيارته الأولى لصنعاء، والرحلة الطويلة التي استغرقها إلى هناك، وملاحظاته وانطباعاته. في هذه الحلقة سنتحدث عن زيارته لصنعاء واستقراره هناك.
دكتور، في عام 1979، ذهبت إلى صنعاء زيارةً أم قررت الذهاب للعيش هناك؟ ولماذا؟
القربي: في عام 1979 عدتُ للاستقرار في صنعاء، وذلك لسببين. السبب الرئيسي أنني في كندا، عندما بدأ الأولاد يكبرون، بدأت أشعر بقلق على مستقبلهم من ناحية الهوية والدين والقيم.
رحمة: كم كان ريان ونسيم يبلغان من العمر حينها؟
القربي: ريان ثمان سنوات، ونسيم خمس سنوات، ولهذا بدأت أفكر في العودة إلى بلدٍ عربيٍّ إسلامي. وفعلاً، وُجهت لي دعوات إلى الكويت للالتحاق بوزارة الصحة، وذهبت إلى الكويت، وبعدها - وفي نفس الرحلة - ذهبت إلى الإمارات والسعودية وقدّمت لي عروضٍ للعمل، ولكني لم أكن أشعر أني سأرتاح للعمل في هذه الدول بعد أن عشت في كندا. وكما تعلمين، كنتُ مهاجرًا، وقد حصلت حينها على الجنسية الكندية، ولكن قبلها كانت لي الحقوق كاملة كمواطن، ولا تشعرين في تلك الدول بأنك غريبة عنهم، فهم ينظرون إليكِ نظرة أنكِ جزء من المجتمع.
رحمة: ولكن لماذا لم تقرر الاستقرار في جنوب اليمن؟ لماذا اخترت صنعاء؟
القربي: لأن الوضع في جنوب اليمن لم يكن مريحًا، وهذا هو السبب الثاني الذي جعلني أقرر العودة إلى صنعاء. لقد جاءتني رسالة من وزير الصحة في صنعاء، ويبدو أنهم سمعوا عني في كندا وما كنت عليه، وطلب مني أن أعود لكي أسهم في تأسيس كلية الطب في صنعاء.
كلية الطب
رحمة: هل كانت كلية العلوم الصحية؟
القربي: لا كانت كلية الطب.
رحمة: هل كان هذا في عام 1980؟
القربي: أنا تلقيت الطلب في عام 1979، وجئت في نهاية 1979، وبدأت العمل في وزارة الصحة من الأول من يناير 1980 لمدة تسعة أشهر، ثم انتقلت إلى جامعة صنعاء، وأصبحتُ عميدًا لكلية العلوم، ولم تكن في ذلك الوقت قد تأسست كلية الطب. ثم عُيّنت بالإضافة إلى عمادة كلية العلوم عميدًا مؤسسًا لكلية الطب، وبدأت الإعداد لإنشاء كلية الطب وانا عميد لكلية العلوم.
رحمة: ما الذي أضفته إلى مناهج كلية الطب حينها في صنعاء؟
القربي: لم يكن هناك إضافة للمناهج، ولكن كنا لا زلنا في بداية التأسيس. وفي كلية العلوم كانت أول خطوة قمتُ بها أنني أعدت النظر في مناهج كلية العلوم كاملة، من النظام التقليدي إلى نظام الساعات المعتمدة. وبعدها، حينما بدأنا في كلية العلوم، بحثنا عن تخصصات تحتاجها اليمن، وأنشأتُ فرع المختبرات الطبية في كلية العلوم. وعندما أسسنا كلية الطب، دخلنا في نظام حلّ المشاكل، وهو نظام تدريس جديد في كلية الطب، ولكنه لم يبدأ إلا في عام 1983 عندما بدأت كلية الطب فعليًا.
رحمة: في عام 1982 أصبحتَ نائبًا لرئيس جامعة صنعاء، وبالتالي كنت تتقلد المناصب بشكل متسارع.
القربي: ودون أن أجري وراءها، لم أصل إلى أي وظيفة بطلب أو بوساطة، فهي تأتيني بإرادة الله.
رحمة: تأتي بإرادة الله، وأنت تركز بشكل أساسي على أن تطوّر نفسك في العلم والعمل الأكاديمي. إلى عام 1993 استمررتَ نائبَ رئيسٍ لجامعة صنعاء، ولكن أريد أن أعرف، عندما سمعتَ بأنه سيتم الإعلان عن الوحدة اليمنية خلال فترة معينة، ماذا كان شعورك حينها؟
القربي: حينها كنتُ نائب رئيس جامعة صنعاء، وكان ذلك في عام 1990، وكنت عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام، وبالتالي اعتبرتُ أن هذا الإنجاز يحقق أهم هدف لثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، لأن اليمن إذا حققت هذا الإنجاز ربما يدخل إلى عتبة العصر، ويهيئ لها مكانة تليق بها بين الأمم. وما يزال هذا الحلم يراودني.
جامعة صنعاء
رحمة: لم يتحقق بعد؟
القربي: تحققت الوحدة، ولكن ما كان منتظرًا بعد تحقق الوحدة لم يتحقق.
رحمة: سؤال آخر، متى قررتَ الانضمام إلى المؤتمر الشعبي العام، رغم أنه كان غريبًا كونك تهتم بالجانب الأكاديمي منذ أن كنت طالبًا، وبالطب، فلماذا اخترت المؤتمر الشعبي العام؟
القربي: أنتِ الآن تقومين بنبش ذاكرتي. كنا ونحن نؤسس لكلية الطب، قمنا بعمل حفل عشاء لفريقٍ طبي جاء من السعودية من أجل مساعدتنا في مناهج كلية الطب، وكان ذلك في بيت الدكتور عبدالرحمن الشرعي. كنا مجموعةً من الأطباء نتعشى، وفتحنا التلفزيون لمشاهدة الأخبار، وإذا بهم يعلنون عن تشكيل لجنة الحوار الوطني، وبينما كانوا يقرؤون الأسماء، ذكروا الدكتور أبوبكر القربي. ومن كانوا معي استغربوا، وقلت لهم إن لدي ابنَ عمي أبوبكر صالح القربي، أما أنا أبوبكر عبدالله القربي، وربما يقصدونه لأنه موجود في صنعاء ومعروف لديهم. في ثاني يوم قلت سأتأكد، واتصلتُ بمكتب الرئاسة وسألتهم: من المقصود بهذا؟ هل الدكتور أبوبكر القربي؟ فقالوا: أنت المقصود. وحتى اليوم لا أعلم من الذي رشحني وكيف وضعني في لجنة الحوار الوطني دون أن يستشيروني.
رحمة: وبعد ذلك، كيف تقدمتَ في المؤتمر الشعبي العام؟
القربي: بعد ذلك دخلتُ إلى لجنة الحوار الوطني، وفي تلك الفترة كانت هناك معركة تحرّك سياسي بين الصراع في المناطق الوسطى والتيار الإسلامي وغيره، وجاء هذا المؤتمر لكي يؤسس لوثيقة سياسية لحزبٍ أو تنظيمٍ سياسي يمني يحرر اليمنيين من الأيديولوجيات المستوردة، سواء كانت عربية أو إسلامية أو غيرها.
رحمة: هذا كان تقريبًا في عام 1983؟
القربي: لا، كان في عام 1981. وفي الحقيقة، في البداية ترددت: هل أعتذر أم أستمر؟ ولكن كان لا يزال وهج السياسة موجودًا، وقلت: سأحضر وأرى. وبالفعل حضرتُ أولًا، رأيت التنوع الأيديولوجي الموجود في لجنة الحوار، وفي الشخصيات المشاركة فيها.
رحمة (مقاطعة): وفي الميثاق الوطني، ألم تجد شيئًا جذبك في صياغته؟
القربي: أول ستة أشهر وأنا أشارك في مؤتمر الحوار، وربما أكثر، كنت فقط مجرد مستمع.
رحمة: ألم تُسلَّم لكم أي مسودة للميثاق الوطني؟
القربي: سُلّمت لنا، ولكني أقصد أنني عندما دخلت، كنت وكأنما أحدٌ رماني إلى المجهول. أولًا لا أعرف من هؤلاء الأشخاص، وما هي توجهاتهم ومواقفهم وخلفياتهم، فكيف أدخل في حوار، وهناك خمسون شخصية متنوعة؟ وربما كنت سأدخل إلى عالم الألغام، ففضلت أن أستمع وأعطي لنفسي فرصة لأفهم ما يجري، وكانت هذه تجربة مفيدة جدًا بالنسبة لي، وبدأت أفهم ما يجب.
رحمة: ما الذي فهمته؟
القربي: فهمت أن هناك نوايا حقيقية صادقة لكي يجتمع الناس على كلمة سواء، وأن نخرج من الصراع إلى الحوار، وأن نضع اسس للمستقبل ووثيقة وطنية للجميع. وكما تعرفين، هي أُقرت في النهاية ونزلت في استفتاء ، وكنت راضيًا عنها، لم أكن راضيًا مئة في المئة، ولكنها كانت أفضل ما يمكن في تلك الظروف.
رحمة: هل كانت تتميز قليلًا عن طريقة الحوار في جنوب اليمن في تلك الفترة؟
القربي: أي حوار تقصدين؟
رحمة: في جنوب اليمن، كانت هناك خلافات ومشادات، وكان هناك حوار وغيره، أكيد بين الجبهة القومية وجبهة التحرير بعد الاستقلال، وبعدها الحزب الاشتراكي وقياداته.
القربي: لم تكن بتلك الصورة، تلك كانت بين أطراف متصارعة، وهذه أيضًا كانت بين أطراف متصارعة، ولكنها وجدت من يقودها إلى الجلوس على طاولة واحدة.
رحمة: هذا يعني أنك لم تشعر بالندم حينما رأيت اسمك ضمن المشاركين في لجنة الحوار؟
القربي: لا، لم أندم، وبعد ذلك تطورت الفكرة عندما عُقد الاجتماع الأول للمؤتمر الشعبي العام، وتم التصويت على عضوية اللجنة الدائمة، وأنا لم أرشّح نفسي، وإذا بي أجد نفسي ضمن لجنة الفرز. قضينا في لجنة الفرز بالكلية الحربية في الروضة، ووضعونا في مبنى صغير، وكان عددنا حوالي ثمانية أو تسعة أشخاص لفرز مئات المرشحين، وحُرمنا من التلفونات والاتصال. وفي النهاية ظهرت نتيجة الفائزين، وكان على الرئيس صالح أن يختار عددًا يرشحهم ضمن اللجنة الدائمة، ووجدت نفسي من اعضاء اللجنة بقضاء الله وقدره.
الإجتماع التاسيسي المؤتمر الشعبي العام
رحمة: هل شعرت بالسعادة أم شعرت بأن ذلك أمر فُرض عليك ويحتاج إلى تفكير؟
القربي: في الحقيقة، لم أشعر بسعادة ولا بزعل، قبلت الترشيح، وشعرت بأن هذا الميثاق يؤلّف بين قلوب اليمنيين، وأنه ربما يكون بداية لنظام سياسي جديد في اليمن.
رحمة: ما هي خلاصة تجربتك في المؤتمر الشعبي العام حتى عام 1990؟
القربي: أعتقد أن المؤتمر الشعبي في ذلك الوقت حقق ما يمكن أن نسميه الشراكة في الحكم، إذ كانت الحكومة مشكلة من تيارات سياسية متعددة، وكانت تمثل نوعًا من الائتلاف، وهذه النقطة الأولى. أما النقطة الثانية، فالصراعات التي كانت في المناطق الوسطى انتهت، والنقطة الثالثة أن الحوارات التي كان يرعاها المؤتمر مع الإخوان في المحافظات الجنوبية بدأت تؤسس للوحدة اليمنية. وأكثر من هذا كله، أعتقد أنه تحقق مستوى من التنمية في اليمن خلال تلك الفترة.
رحمة: يبدو أن تحقيق الوحدة اليمنية لم يكن قرارًا مفاجئًا ولم يكن جزافًا، فقد كان هناك وزيري وحدة، واتفاق القاهرة وطرابلس والكويت، وجامعة الدول العربية، بمعنى أنه تم دراسة الموضوع بشكل موسّع وكبير، أليس كذلك؟
القربي: لم تكن الوحدة قرارًا عشوائيًا، وكانت هناك أسس موجودة، ولكن ربما الأسلوب الذي تم به اتخاذ القرار هو ما أثار تساؤلات الناس، وأن علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض انفردا باتخاذ القرار. ورغم أن هناك روايات كثيرة تقول عكس ذلك، أنا سمعت لأشخاص من اللجنة المركزية أن الموضوع نوقش وأُقر، والبعض الآخر يقول إنه لم يُناقش. هناك أجزاء من التاريخ، للأسف الشديد، هناك من يريد تشويهها من بعض الأطراف التي تريد الإساءة إلى إنجاز الوحدة.
علي صالح وعلي سالم البيض
رحمة: أنت يا دكتور، كجسر بين صنعاء وعدن، تعرف جيدًا أن في عدن كان هناك حماس للوحدة اليمنية ربما يفوق حماس صنعاء، هل هذا صحيح؟
القربي: أعتقد أن هذا واضح، ولو رأيتِ المشاهد التي تلت الوحدة، وخروج المواطنين حتى بمجرد نزول الرئيس صالح في ذلك الوقت إلى عدن لهذا الهدف، لعرفتِ حجم الفرحة.
رحمة: وكان يقول إنه سيتم تحقيق الوحدة، يعني ستتم. وكذلك الرئيس علي سالم البيض، تتذكر خطابه فيما يتعلق بالوحدة. الغريب أن الكل كان متحمسًا - كقيادات، كشعب، كتحضير للوحدة - لكن أين يكمن الخطأ الذي جعل الوحدة تتأثر فيما بعد؟
القربي: هذا السؤال، الإجابة عليه صعبة في الحقيقة، ولكن من المؤكد أن التقاسم الذي حدث بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي بعد قيام الوحدة خلق جوًا غير راضٍ عمّا تم. وبدلًا من أن يحمّلوا الخطأ على من لم يعالجه، حمّلوه على الوحدة، بمعنى أن ممارسات التعيينات والمناصب، وكل ما كان يحدث من استيلاء على الأراضي وغيرها، كل هذه الأشياء خلقت إشكالية.
رحمة: بمعنى أن جميعها مرتبطة بالمصالح والمعارك الاقتصادية. سننتقل إلى عام 1994، ولكن أعتقد قبل الحديث عنه، لابد أن نتحدث عن دورك في جامعة صنعاء، الكليات التي قمت باستحداثها، والفروع الجديدة التي فُتحت في المحافظات الأخرى. حدثنا قليلًا عن هذا الموضوع.
القربي: قد يختلف الآخرون حول هذا الجانب، ولكن بالنسبة لي يجب أن أوضح أولًا أنني أعتز بأنني طبيب، ومهنتي الطب. وثانيًا عملي في التربية، سواء في وزارة التربية عندما كنت وزيرًا لها، أو في جامعة صنعاء على مدى 11 عامًا. وبعد ذلك الجانب السياسي، الذي دخلته ليس كخبير في السياسة أو كسياسي، وإنما استخدمت فيه قدراتي للتعامل مع الأحداث والتطورات وقراءة التاريخ. عندما دخلت الجامعة، كانت هناك كليات كلها إنسانية فقط، سواء الحقوق أو الآداب أو التجارة والاقتصاد أو التربية، ولم تكن هناك كليات علمية. خلال فترة عملي أنا والدكتور عبدالعزيز المقالح - رحمه الله - وعملت معه 11 عامًا.
د. عبدالعزيز المقالح
رحمة: هل علاقتك مع الدكتور عبدالعزيز المقالح هي من سهّلت لك مسألة فتح فروع للجامعات وتوسيع العمل الأكاديمي في اليمن؟ نريد معلومات أكثر.
القربي: كنتُ والدكتور عبدالعزيز المقالح يُضرَب بنا المثل، وكان الرئيس صالح حينها يتمنى من الرؤساء والوزراء ونوابهم أن يكونوا بنفس الروح التي نعمل بها أنا والدكتور المقالح. وقد كان الدكتور المقالح لا يهتم بالجوانب الإدارية والمالية، وكان همّه الرئيسي كلية الآداب التي هو أحد أعضائها، لكنه كان يهتم بأن تسير الأمور بالطريقة الصحيحة في الجامعة. وهو وثق بي وبقدرتي على هذا العمل، ولهذا عندما تعيّن رئيسًا للجامعة، كنت أنا أقوم بعمل نائب رئيس الجامعة ورئيس الجامعة في نفس الوقت، بعد سفر الدكتور محمد مطهر وغياب الدكتور عبدالواحد الزنداني. وعندما جاء المقالح رئيسًا للجامعة، وفي أول لقاء معي - رحمه الله - قلت له: "أنا بتعيينك انتهى دوري، وعليك أن تختار من تريد نائبًا لك، وسأتولى عملي"، وكنت حينها مسؤولًا عن كلية العلوم وكلية الطب. فقال لي: "استمر بعملك كنائب"، وبعد ذلك قُبل تعييني نائبًا لرئيس الجامعة. وهنا حدث شيء غريب، وهو تأخر قرار التعيين، واستغربت عن سبب تأخر القرار، وقلت: إذا كان هناك تأخير، فمن الواضح أن هناك من يعرقل هذا القرار، وأنا لست حريصًا على المنصب. بعد ذلك استفسرنا عن الأمور، ووجدنا أن القرار تعرقل عند وزير التربية حينها الدكتور أحمد الأصبحي - رحمه الله - والسبب كان إجرائيًا، لأنه كان على الدكتور عبدالعزيز أن يبعث الرسالة إلى وزير التربية ليرفعها إلى الرئيس. فاتصلت بالدكتور أحمد الأصبحي، وقلت له: "هل هناك أي اعتراض؟" قال: "لا". وبعد ذلك صدر القرار، واستمر عملي أنا والدكتور عبدالعزيز المقالح نعمل حتى عُيّنت وزيرًا للتربية، وواجهنا الكثير من الصعوبات.
الدكتور أحمد الأصبحي
رحمة: عندما كنت نائبًا لرئيس الجامعة، كيف جاء قرار توسيع العمل الجامعي حينها؟
القربي: أولًا، كان الاهتمام الأول بالكليات العلمية: الهندسة، الطب، والزراعة. وأعتقد أنها كانت من أهم الإنجازات في عهد الدكتور عبدالعزيز المقالح وعهدي في جامعة صنعاء. ولكن، إضافة إلى ذلك، ونتيجة لتزايد أعداد الطلاب في جامعة صنعاء حتى وصلت في مرحلة من المراحل إلى حوالي 60 ألف طالب، وما صاحبه من معاناة للطلبة الذين كانوا يأتون من تعز والحديدة وكافة أنحاء الجمهورية، حتى من المحافظات الجنوبية. وكانت هناك معاناة لهم في السكن والانتقال والحياة، فبدأنا نفكر في إقامة فروع لجامعة صنعاء قبل أن تكون جامعات. بدأنا في تعز، وإب، وذمار، والحديدة، والبيضاء، وبعد الوحدة في حضرموت. وهذا التوسع في الفروع أدى بعد ذلك إلى إنشاء الجامعات القائمة اليوم في اليمن.
رحمة: من المؤكد أن هناك ضغوطات واجهتها وأنت تحاول توسيع العمل الأكاديمي، فما أبرزها؟
القربي: أبرز الإشكاليات كانت أولًا توفير الكادر الأكاديمي، والميزانيات الضرورية لفتح هذه الكليات، ولكن كان الداعم الرئيسي لنا في هذا الجانب هو رئيس الجمهورية، الرئيس صالح، الذي كان عندما نواجه أي صعوبات نتواصل معه، وكان يتحدث إلى وزير المالية ويوجه بتوفير احتياجات الجامعات.
رحمة: هل يعني أن الرئيس صالح كان بشكل شخصي يتابع احتياجات الجامعة؟
القربي: كان دائمًا مهتمًا بالجامعة، ويزورها في كثير من المرات للتعرف على ما يجري فيها، وكان يعلم أن الطالب والجامعة هما من يمكن أن يخلقا الإشكاليات، وهذا ما حدث فيما بعد.
رحمة: فيما يتعلق بالتحديات، هناك قصة بأنكم تعرضتم لتهديدات من القبائل ومسلحين بسبب إحدى الأراضي التي قررت أن تضيفها إلى إحدى الجامعات أو الكليات؟
القربي: عندما تُنشأ أيُّ فرعٍ للجامعة، أنت تحتاج إلى الأراضي، وبالتالي كنا نتعامل مع مصلحة أراضي الدولة والمعنيين فيها، وننزل إلى المحافظات، ونقوم بحجز هذه الأراضي. ولكن في بعض الحالات كانت تأتي تهديدات، وكنا نراها بأنها تهديدات لا تأتي إلا من باب الحصول على تعويضات أو شيء من هذا القبيل، لكن لم تصل إلى تهديدات مباشرة. والتحدي الكبير الذي كان في هذه القضية هو الحفاظ على هذه الأراضي، لأنه من دون تسويرها والحفاظ عليها كانت تتعرض للانتهاكات، وهذه هي التي كانت تخلق مشاكل.
رحمة: طالما أن الرئيس صالح كان مهتمًّا بالجامعة، فذلك أمر مهم للغاية. ويبدو أن التحدي الأكبر الذي واجهتِه في عام 1994 كان كيفية الحفاظ على الاستقلال الأكاديمي في ظل أجواء الحرب الأهلية. أليس كذلك؟
القربي: في الحقيقة، الوحدة وانتهاج الديمقراطية حولت جامعة صنعاء إلى ساحةٍ للصراع السياسي بين مختلف التيارات، سواء كانوا يساريين أو إسلاميين أو من المؤتمر الشعبي العام. وكنت أنا في ذلك الوقت عضوًا في اللجنة الدائمة، ورئيس فرع المؤتمر في الجامعة، وبالتالي كانت الأطراف الأخرى تنظر إليّ وكأنني أنحاز إلى المؤتمر الشعبي العام. رغم أنني - في الحقيقة، وأعترف - أن هناك كان الدكتور عبدالعزيز المقالح، وكنا ندرك أننا جميعًا علينا أن نجنب الجامعة هذه الصراعات. ووجَّهت رسالة إلى عدد من قيادات الأحزاب، وقلت لهم: رجاءً، جنّبوا الجامعة الصراع السياسي. كل الشباب الذين لديهم طموح سياسي يمارسوه خارج الجامعة، من خلال الحزب الذي ينتمي اليه، ولكن نقل الصراعات إلى داخل الجامعة له خطران: الخطر الأول تأثيره السلبي على الجامعة، والأخطر منه أن الشباب في الجامعة لا يستطيعون أن يفرّقوا بين مسؤوليتهم كطلاب ومسؤوليتهم كسياسيين. وللأسف، تعرضتُ للكثير من المشاكل، من ضمنها محاولة للاعتداء عليَّ في جامعة صنعاء.
رحمة: حدثنا عن محاولة الاعتداء التي تعرضت لها.
القربي: كان هناك مجموعة من الطلاب تظاهروا خارج الجامعة حول خلافات طلابية، ورددوا هتافات بإبعادي من رئاسة الجامعة، وعندما خرجتُ حاولوا الاعتداء عليَّ وعلى سيارتي. وكنت أعرف أن الطلاب ضحايا للتحريض. وبعدها، عندما شُكِّلت لجنة وتم التحقيق، أُدين كثير من الطلاب، بعضهم تعرضوا للفصل، وآخرون لعقوبات من دخول الامتحانات أو شيء من هذا القبيل. وأنا رفضتُ ذلك، وقلت إن هؤلاء ضحايا وليسوا سبب المشكلة.
رحمة: وهل تم فصل الطلاب؟
القربي: لا، لم يتم ذلك، أنا طلبت بإلغاء جميع تلك العقوبات.
رحمة: بعد ذلك عُيّنتَ وزيرًا للتربية والتعليم، فهل نعتبر تعيينك وزيرًا للتربية جزءًا من سلسلة تصاعدك في العمل الأكاديمي، أم مرحلة سياسية أخرى؟
القربي: قبل تعييني وزيرًا للتربية والتعليم، ذهبتُ إلى الرئيس علي عبدالله صالح - رحمه الله - وقلت له: لي 11 سنة نائبًا لرئيس جامعة صنعاء، وأعتقد أنني استنفدت كل قدراتي فيها، فأرجو منك أن تعيّنني وتُخلّصني من جامعة صنعاء. قال لي: انتظر. وبعدها جاءت الانتخابات الأولى بعد الوحدة، وعُيّنت وزيرًا للتربية والتعليم.
علي صالح
رحمة: كيف تلقيت الخبر؟ وهل فرحتَ وشعرتَ أنه مكافأة لكل جهودك في العمل الأكاديمي وشغفك بطلب العلم في كل فروع الطب، من مختبر إلى وظائف الجسم إلى الباطنية؟
القربي: قضية تعييني وزيرًا للتربية والتعليم سبقها خلاف شديد بين الأحزاب الثلاثة التي كانت تشكل الحكومة، لأن كلاً من الاشتراكي والإصلاح والمؤتمر كانوا يريدون وزارة التربية والتعليم، وبالذات الإصلاح. ويبدو - كما فهمت من الرئيس علي عبدالله صالح - أنه كان يعلم أنني كنت الطبيب الشخصي للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، فقال له: سآتيك بشخص تعرفه تمامًا. ويمكن أن هذا هو الذي رجّح تعييني وزيرًا للتربية والتعليم.
رحمة: ما أبرز الصعوبات التي واجهتها، خصوصًا خلال فترة الخلافات بين المؤتمر والإصلاح والاشتراكي؟
القربي: في التربية والتعليم، التحديات كانت كبيرة جدًّا، وفترتي فيها كانت قصيرة، تحديدًا سنة وعدة أشهر، على عكس جامعة صنعاء التي قضيت فيها 11 عامًا. ولكن التحدي الأول بالنسبة لي كان أنني جئت في فترة امتحانات الثانوية، وحدث حينها خلل في الامتحانات في الشمال والجنوب نتيجة الصراعات السياسية بين الأحزاب. ونتيجة لهذه الصراعات كانت النتائج متفاوتة كثيرًا بين المحافظات الشمالية والجنوبية، وكان لذلك تأثير ليس فقط على النتائج، ولكن أيضًا على توزيع المنح الدراسية إلى الخارج. فلو تم الاعتماد على أعلى النسب للطلاب، لذهبت أغلب المنح إلى عدن والمحافظات الجنوبية لأسباب معروفة. لذلك اتخذت القرار بتوزيع المنح الدراسية في الخارج على المحافظات وفقًا لعدد الطلاب الذين دخلوا الثانوية، بحيث إن كل محافظة تتلقى حصتها من المنح، لأن القضية ليست الاعتماد فقط على نتائج الاختبارات. ولا يمكن أن تُقارني مأرب أو الجوف بصنعاء وعدن والحديدة وتعز، ومعنى هذا أن أولئك سيُحرمون. فقمت بهذه العملية وثبتت.
المشكلة الثانية كانت توحيد المناهج بين المحافظات الشمالية والجنوبية، وهذا كان تحديًا، لكنه تيسّر، لأنه بينما كان السياسيون منشغلين بالصراع السياسي في ذلك الوقت، استطعنا - بالتعاون مع المشرفين ووكلاء وزارة التربية في ذلك الوقت - أن نوحّد المناهج في الشمال والجنوب.
رحمة: ما أبرز التحديات أو النقاط التي كانت في المنهجين وشكّلت لكم تحديًا كبيرًا؟
القربي: بعضها قضايا تتعلق بالجانب الإسلامي، وبعضها بالجوانب التاريخية لتاريخ اليمن. وتم النظر في بعض الأشياء التي شُحنت فيها المناهج بالمحافظتين لتعميق مفاهيم خاطئة، وللأسف الشديد اقول واستطعنا أن نتجاوزها في الحقيقة.
رحمة: وزارة التربية والتعليم، وأثناء عملك فيها، هل كنت راضيًا عنها؟
القربي: أعتقد أنني استطعت خلال تلك الفترة القصيرة أن أحقق أشياء ربما كانت صعبة. المعاهد العلمية مثلاً، وكان هناك خلاف شديد حولها، وكانت هذه المعاهد عندها نظام تأهيل المدرسين، وكانت كلية التربية تخرج المدرسين. وواحد من القرارات كان إلغاء تأهيل المدرسين في المعاهد العلمية، والخطوة الثانية كانت إلغاء المخصصات لطلاب كلية التربية في الجامعات، لأننا كنا نصرف لهم مرتبات شهرية من البداية لكي نحفزهم لدراسة التربية. ولما زاد عدد خريجي التربية عن الحاجة، أصبحنا ندفع مرتبات لا مبرر لها، وكان الهدف توفير هذه الأموال التي كنا ندفعها للطلاب كحوافز لتحسين المختبرات ووسائل التعليم وغيرها.
رحمة: دكتور، هذه القرارات أكيد جعلتك عرضة للهجوم من قبل منتسبي حزب الإصلاح، فكيف كانت علاقتك بهم خلال تلك الفترة؟
القربي: في تلك الفترة، كان المسؤول عن تيار الإخوان المسلمين أو الإصلاح في الجامعة الدكتور عبده القباطي، الذي أصبح بعدي وزيرًا للتربية. وكنا، عندما تشتد الأزمة بيننا وبينهم، يُكلَّف حمود الذارحي - رحمه الله - لكي يجلس معي لنرى كيف يمكننا حل هذه المشاكل. بعد ذلك أتذكر أن الذارحي، بعد تعيين عبده القباطي، واختلافه مع أصحابه كما تذكرين، قدّم استقالته، وقال لي: لقد كنتَ معنا أفضل من صاحبنا.
حمود الذارحي
رحمة: لأنك كنت دائمًا تبحث عن حلول وسطى مع الأشخاص الذين تختلف معهم، واستطعت أن تمتص غضب الإصلاح فيما يتعلق بقرار المعاهد العلمية.
في عام 1997 كان قرار انضمامك إلى المجلس الاستشاري وحتى 2001، كيف تقيم هذه الفترة؟
القربي: كانت تجربة. أول ما عُيّنت في المجلس الاستشاري كان هناك لجنة الحريات والديمقراطية يرأسها الدكتور عبدالعزيز السقاف، وهو من الشخصيات المشهود لها بالجرأة وطرح القضايا الحساسة التي تُزعج الذين لا يفهمون. وعندما تعيّنت، جاء وقال: أريدك أن تشاركنا في اللجنة وأن تكون المقرر لها. قلت له: التعاون معك صعب يا عبدالعزيز. قال: معك لن يكون صعبًا. وحاول معي عدة مرات، وفي النهاية قبلت، واشتركنا معًا، وركزنا في تلك الفترة على نشاط منظمات المجتمع المدني. عقدنا مؤتمرات لها، وحاولنا أن نؤسس كيف لهذه المنظمات أن تسير في السياق الوطني، وأن تلتزم بمبادئ الشفافية والخدمات التي تريد أن تحققها للمواطنة اليمنية، سواء سياسية أو اجتماعية أو خدمية، وألّا تكون أداة لقوى خارجية. لأن التجربة أثبتت في دول كثيرة أن هذه المنظمات تصبح أدوات لدول تقدم المعونات، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. وعقدنا هذه المؤتمرات، وكانت نتيجتها صدور قانون للمنظمات في اليمن، وعدِّل هذا القانون فيما بعد.
عبدالعزيز السقاف
ولكن أذكر أن في مرة من المرات اتصل بنا أعضاء مجلس النواب من محافظة تعز، وبلغونا بأن أحد الشباب اتُّهم في جريمة وأُخذ للنيابة للتحقيق معه، وأنه يتعرض للتعذيب. وأصرَّ عبدالعزيز على النزول إلى الحديدة لنحقق في الموضوع. قلت له إنه لا توجد لدينا أوليات للموضوع، لكننا نزلنا إلى الحديدة وذهبنا إلى السجن الذي يوجد فيه الشخص، وكان الضباط والمسؤولون عن السجن في حالة رعب من نزولنا، ولم نخرج من السجن إلا وقد أخرجنا المسجون. وعندما خرجنا قلت لعبدالعزيز: هل نحن نريد قانونًا أم نريد "هنجمة"؟ قلت له إن ما عملناه لا يؤسس لدولة، هذا يؤسس لفوضى. قال: دعنا نمشيها هذه المرة.
رحمة: تحدثنا عن دراستك وعملك في مجال الطب والعمل الأكاديمي والحزبي في المؤتمر الشعبي العام، وجامعة صنعاء، ووزارة التربية والتعليم. كل هذه تتشابه مع بعضها البعض، ولكن وزير خارجية! هذا شيء جديد لا ينسجم مع البقية إلا بأسلوب حياتك. فكيف جاءت فكرة أن تكون وزيرًا للخارجية في أبريل 2001؟ ومن الذي جاء بفكرة أن تكون وزيرًا للخارجية للرئيس علي عبدالله صالح؟
القربي: لا أستطيع أن أقول إن السبب فلان أو علان، ولكنني كنت في المؤتمر الشعبي العام رئيس الدائرة السياسية في تلك الفترة، وبالتالي كنت أتعامل مع السفراء والأحزاب السياسية ومختلف الأطراف في إطار التنسيق للانتخابات وغيرها من الأمور، وربما هذه إحدى الأسباب التي جعلت الرئيس صالح ينظر إليّ من هذا المنطلق. وقد يكون تعييني أمينًا عامًا مساعدًا للدائرة السياسية، التي كان يرأسها وقتها يحيى المتوكل - وكانت علاقتي به علاقة ثقة وعمل منهجي - وربما هو أيضًا من أعطى للزعيم رأيه في الموضوع أو غيره.
النقطة الثالثة - وأنا أعتقد أنها الأهم - أن علي عبدالله صالح عرفني على مدى سنوات طويلة منذ أن عُيّنت نائبًا لرئيس الجامعة، وكان أحيانًا يتصل بي ويطلب مني أن أرشّح من دكاترة الجامعة من يمكن أن يكون وزيرًا في الوزارة التي تُشكّل. وكنت أقدم له أسماء، فينظر إليها، ثم يتصل بي ويقول: فلان، ما رأيك به؟ أقول: ممتاز. يقول: هل نزيه؟ فأقول: لن تعرف أنه نزيه إلا بعد تعيينه. وأعتقد أن علاقتي به في اللجنة الدائمة كوّنت فكرة عني انه يمكن أن أقوم بذلك. وهو يعرف أنني إذا تعيّنت، يمكن أن يُقيلني في أسبوع أو أسبوعين إذا لم أقم بالعمل كما ينبغي، لكنه أبقاني لمدة 13 سنة.
رحمة: 13 عامًا! كان هذا تحديًا كبيرًا، فأنت تعلم أن من المفترض أن يكون موظفو وزارة الخارجية أو السفراء من أبناء الخارجية، لأن لها قواعدها ومنهجيتها، ولكن يأتي وزير تربية وتعليم ويصبح وزيرًا للخارجية وهو طبيب! هذا تحدٍّ، وأكيد هناك مفاجآت واجهتها في عملك كوزير للخارجية.
القربي: أعتقد أن الأغلبية كانوا يعتقدون أنني لن أبقى أكثر من ستة أشهر كوزير للخارجية.
رحمة: ولكنك استمريت حتى أعوام 2003، 2006، 2007، و2011، كيف حافظت على موقعك كوزيرٍ للخارجية خلال 13 سنة؟
القربي: يجب أن نشير هنا إلى أنه مع كل تعديلٍ وزاري كان هناك من يُشيع بأنني سأُبعَد عن وزارة الخارجية، وكان هناك أيضًا من يقدّم أسماءً وترشيحاتٍ إلى الرئيس صالح حينها لتغييري، ولكن يبدو أن الرئيس صالح كان مصرًّا على بقائي، ولا أدري ما هو السبب، هل هو الأداء أم أنه فقط من باب المماحكة.
رحمة: لماذا مماحكة؟
القربي: لأنه لا يريد أن يُفرَض عليه أحد بتعيين بديل. لكن أعتقد أن السبب الرئيسي لاستمراري هو أن الرئيس علي عبدالله صالح كان يعرف أنني ليس لدي أجندة خاصة، وأنني أنطلق في مواقفي حتى عندما أختلف معه في بعض النقاط، فقط لأنني أرى مصلحة اليمن والشعب. وحتى عندما يحدث هذا الخلاف ويصرّ على موقفه، يعود بعد ذلك ويتراجع ويقول: نعمل برأيك.
رحمة: ربما ائتمنك على بعض الملفات الكبيرة، مثل تفجير المدمّرة الأمريكية يو إس كول في عام 2000، فكيف تعاطيت مع هذا الملف؟
القربي: حادثة كول وقعت قبل أن أكون وزيرًا للخارجية، ولكنني تعاملتُ مع تبعاتها، لأنه بعد الحادثة - كما تعرفين - كانت هناك مشاكل بيننا وبين الجانب الأمريكي حول التحقيقات: أين تكون، وكيف تتم. كانوا هم يريدون أن يكونوا شركاء رئيسيين في التحقيق مع المتهمين بعملية التفجير، وكان الموقف اليمني أن هؤلاء مواطنون يمنيون، والمسؤول عن التحقيق هي الحكومة اليمنية والأجهزة الأمنية اليمنية. وفي النهاية سُمح للأمريكان بالحضور أثناء التحقيقات، وإذا كان لهم سؤال أو استفسار، يُقدَّم من خلال الجانب اليمني للتحقيق.

المدمرة الامريكيه كول

رحمة: في الحلقة السابقة، وأنت تتحدث عن العمل المنهجي والقوانين كأساسٍ لقواعد وشروط ومعايير وزارة الخارجية، كيف وضعت هذه الأسس أثناء فترة عملك كوزير؟
القربي: طبعًا، أنا عندما عُيّنت وزيرًا للخارجية، كان عليّ أولاً أن أُطمئن الناس بأنني لم آتِ لكي أنفّذ أوامر فقط، وإنما لكي أُعالج وضع الخارجية، وأضع رؤيةً لكيفية تسيير الأمور في وزارة الخارجية. وكان بابي مفتوحًا أمام موظفي الوزارة، وكان العشرات يأتون ويعرضون عليّ مظالمهم، وهناك من ينتقد، وهناك من يقدّم النصح. ونتيجةً لهذه اللقاءات تكوّنت عندي حصيلة عمّا يجب التفكير في إصلاحه داخل وزارة الخارجية.
مثلًا، كانت هناك مشكلة في ملف الموظفين الذين انضمّوا إلى وزارة الخارجية في مرحلة الوحدة، لأن وزارة الخارجية في المحافظات الجنوبية انضمّ إليها كثير من الموظفين كدبلوماسيين دون أن يستوفوا الشروط المطلوبة في نظام وزارة الخارجية الذي نعمل به، وتعرضوا للظلم ربما لأنهم حصلوا على وظائف يُنظر إليها على أنهم لا يستحقونها، وهناك آخرون حُرموا من بعض المستحقات.
النقطة الثانية هي مشكلة الترقية في وزارة الخارجية، والثالثة قضية التعيينات في الخارج وكيف تتم، بالإضافة إلى قضية تأهيل كادر الوزارة. كل هذه التحديات كان يجب أن تُصاغ لها أسسٌ للمعالجة، لا أن تكون عشوائية أو خاضعة لمزاج الوزير أو الوكلاء وغيرهم. ولهذا وضعتُ أسسًا للابتعاث والتعيينات، ولأول مرة في وزارة الخارجية لم تخضع التعيينات للمسؤولين في الوزارة أو لعلاقاتهم، بل كانت الوظائف تُعلن، وتُفتح أبواب التنافس عليها.
وكنا نصرّ على أن يكون هناك إعلان يشمل كل مناطق الجمهورية اليمنية، وكنا ندفع تكاليف بعض المتقدمين من المحافظات الجنوبية ليأتوا إلى صنعاء لخوض الامتحانات. وأعتقد أن الفترة التي عُيّنتُ فيها وزيرًا للخارجية، وعُيّن خلالها ما يقرب من 100 إلى 110 دبلوماسيين، تمثّل اليوم أفضل دفعة التحقت بوزارة الخارجية من حيث القدرات والمؤهلات، ومن حيث الاعتزاز بأنهم لم يُوظَّفوا بوساطةٍ أو محاباةٍ أو محاصصة، وإنما بقدراتهم.
رحمة: بحسب خبرتك ومتابعتك للتعيينات الأخيرة منذ 2011 في وزارة الخارجية، هل ما زال هناك التزام بالشروط والمعايير التي ساهمت أنت في وضعها بوزارة الخارجية؟
القربي: أعتقد أنها نُسِفت، للأسف الشديد، نتيجة المحاصصة والأوضاع السياسية الآن، فكلما توزعت القوى المتنافسة على المناصب وتوزيع المصالح، كلما انهارت الأُسس.
رحمة: ما هي أبرز المعايير التي تشعر أنها نُسِفت بالفعل؟
القربي: أعتقد قضية التعيينات في الوزارة، والتعيينات في السفارات لكادر الدبلوماسية.
رحمة: دكتور أبوبكر، كنتَ دائمًا تظهر في وقت الأزمات كصاحب حلول وسطى، أو كرجل المفاوضات. ما هي التحديات التي حمَّلتها احتجاجات 2011 لهذا الدور الذي كنتَ دائمًا ما تقوم به؟
القربي: 2011 كان أكثر ما أشعرني بالألم والإحباط هو أن حركة التغيير في تلك الفترة، التي انطلق فيها الشباب إلى الساحات، قد تحولت إلى معركة على السلطة وليست للتغيير. وهناك فرق بين ما يريده الشباب من تغيير لمعالجة الاختلالات في الإدارة والحكم والثروة، وبين الصراع على السلطة لكي تأتي سلطة أسوأ من التي سبقتها، وهذا ما حدث، والكل يعترف اليوم، وحتى من شباب الساحات يتندمون على نتائج حركتهم التي أرادوا بها تحسين أوضاع اليمن، فوصَل اليمن إلى ما وصَل إليه.
ثورة 11فبراير
رحمة: وبالتالي جاءت المبادرة الخليجية، وكنتَ منخرطًا في التفاوض حولها. احكِ لنا كيف بدأت فكرة المبادرة الخليجية.
القربي: كثير من القضايا التي فيها نجاح، الكل يريد أن يأخذ حصته منها، وعندما يكون هناك فشل يبحثون عن أحدٍ ليُلبسوه قميص الفشل.
المبادرة الخليجية طُرحت أول ما طُرحت من قِبلي، وذلك عندما كنت أشارك في اجتماع وزراء الخارجية في مجلس التعاون الخليجي. وكان الاجتماع محصورًا مع الوزراء الستة وأنا شخصيًا فقط، وكنت بدأت أشارك في اجتماعات مجلس الوزراء لمجلس التعاون الخليجي في جلسة خاصة باليمن، وليست اجتماعاتهم الرسمية.
وفي هذا الاجتماع، أعطيتهم ملخّصًا لما دار في اليمن والتطورات التي آلت إليها الأوضاع. وفي ذلك الاجتماع الذي عُقد في أبريل 2011 بأبوظبي، وأثناء الاجتماع، قدّمت لهم التقرير، وكانت فكرة المبادرة في بالي، لكنني لم أطرحها في الجلسة، لأنها كانت مفتوحة وإعلامية، ولو طرحتها لَنزلت إلى سوق الإعلام وتم إفشالها.
وجدت فرصة على طاولة العشاء وطرحت الفكرة، وقلت لهم: بما أنكم يا إخواننا في دول الخليج، وأنتم الأقرب لنا، لماذا لا تقومون بمبادرة لحل الأزمة في اليمن؟ فكانت هناك وجهتا نظر: وجهة نظر تقول - ولا أريد أن أذكر الأسماء - إن علي عبدالله صالح لن يقبل، ووجهة نظر ثانية تقول: إذا قبل علي عبدالله صالح، فنحن جاهزون. فقلت لهم: إذا أنتم من هذا المنطلق جاهزون، فإن علي عبدالله صالح سيقبل، وسأطرحها عليه وأرى رأيه.
انتهينا من العشاء وصعدت إلى غرفتي، واتصلت مباشرة بالرئيس علي عبدالله صالح، وقلت له: هناك فكرة مبادرة من مجلس التعاون حول حل الأزمة في اليمن، ويريدون أن يعرفوا إن كنتَ موافقًا أن يقوم مجلس التعاون الخليجي بهذا الدور أم لا. فكان أول رد له: من الذي طرح الفكرة؟ قلت له: أنا الذي طرحتها وأنا المتبني لها. قال: لماذا لم تخبرني قبل أن تسافر بهذه الفكرة؟ قلت له: جاءت طارئة، وقلنا نرمي حجرًا في المياه الراكدة لعلها تُحرِّك شيئًا.
وظللنا نتحدث، وفي النهاية قلت له: إن المبادرة ستأتي إليك وستقرأها، وترى ما فيها من إيجابي أو سلبي، وتُعدِّل فيها أو ترفضها، القرار بيدك. فقال: أخبرهم بأني موافق. وفي اللحظة نفسها تركت الهاتف واتصلت بالأمير سعود الفيصل، وبالصدفة كان يصعد إلى الطائرة عائدًا إلى الرياض، فقلت له: إن الزعيم وافق على الفكرة. فقال: ونحن سندعو إلى اجتماع الأسبوع القادم لمناقشة المبادرة.
سعود الفيصل
وكان التاريخ ثلاثة أو أربعة أبريل. وقبل الموعد بيوم، اتصل بي يوسف بن علوي، وقال إننا مدعوون إلى اجتماع ونريدك أن تأتي إلى مسقط لنتداول معك الرأي حول المبادرة.
أخبرت الرئيس فقال: توجَّه. وفي الطائرة الخاصة كان معي الوزير السابق والسفير خالد اليماني، وسفير مسقط في اليمن عبدالله بادي. كنا نتحدث عن المبادرة وبلورنا الأفكار، وقلت لهم: بدل أن نذهب ونتحدث كلامًا عامًا، علينا أن نُعد صيغة مكتوبة. فكتبناها ونحن في الطائرة على ارتفاع 30 ألف قدم.خالد اليماني
وصلنا إلى مسقط وتناولنا العشاء مع الوزير، فقال: ما هي الآراء التي معكم؟ قلنا: معنا هذه الصيغة، وسلّمناها له، فقال: بداية طيبة. وفي اليوم التالي ذهب وزراء الخارجية لإعداد المبادرة. وعندما دار النقاش حول الموضوع، تحدث كل واحد وقال: لدينا مشروع إذا أردتم الاطلاع عليه. فقرأوه، وقالوا: نشكّل لجنة لتعديلها وإضافة ما يلزم. وهكذا بدأت المبادرة الخليجية.
رحمة: ما هي أكبر التحديات التي واجهتها من قبل الرئيس صالح، ومن قبل الأشقاء، وأنت تفاوض من أجل بنود المبادرة؟
القربي: المفاوضات فيما بعد أخذت شكلًا متوسعًا، لأنها سُلّمت لجانب المؤتمر ولجانب اللقاء المشترك، وكان لكلٍ منهم آراء. ودُعي بعدها لاجتماع، فدعوا أولًا مجموعة المشترك وناقشوا معهم آراءهم حول الموضوع، ثم دعوا المؤتمر الشعبي العام. وذهبنا إلى الإمارات، وكان من ضمن الوفد رئيس الوفد الدكتور عبد الكريم الإرياني، وعلي الأنسي، وآخرون من السياسيين المعنيين باللجنة العامة والوزراء.
بعد أن ألقى الدكتور عبدالكريم كلمته ووجهة نظره في المبادرة - وكان ذلك في حفل عشاء - كان لنا قاعة خاصة بنا، أنا والدكتور عبدالكريم والوزراء، وبدأوا يسترسلوا معنا حول احتماليات نجاح المبادرة. وقدمت أنا والدكتور عبدالكريم بعض الأفكار، لكن الفكرة الرئيسة - التي أعتقد أنها مهمة - هي قضية الحصانة.
وفي الحقيقة، من تبنّى موضوع الحصانة وتحمّس له هم دول مجلس التعاون الخليجي، لأنهم كانوا يعتقدون أنه بدون إعطاء ضمانة لعلي عبد الله صالح لن تنجح المبادرة. ولكن علي عبدالله صالح - كما تذكرين - أصرّ على أن الحصانة ليست له، وإنما لكل من عمل معه، لأنه ليس هو المسؤول عن كل ما جرى خلال المرحلة.
رحمة: هل كان الرئيس علي عبدالله صالح جاهزًا لتسليم السلطة أو موافقًا على تسليمها عندما تواصلت معه؟
القربي: أعتقد أنه عندما تحدثت معه من أبوظبي لم يكن على علم بالتفاصيل، ولكن عندما جاء أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني برسالة إلى الرئيس صالح وسلّمه إياها وقرأها الرئيس، قال: «هذه أفكار طيبة وسندرسها». فقال له الزياني: «أريد منك ردًّا الآن». فقال الرئيس: «سيأتيكم الرد»، وشعرت أن الزياني متحمس أن يعود بردٍّ مباشر. فتدخلت في الموضوع وقلت له إن الرد سيأتي، لأن القرار ليس بيد الرئيس وحده، فلدينا حكومة وحزب هو الذي سيقرر أيضًا مع الرئيس.
عبد اللطيف الزياني
رحمة: ما يتعلق بمؤتمر الحوار، ذكرت بأنه تم اختطاف مخرجات مؤتمر الحوار، هل يمكن أن تطلعنا على تجربتك في مؤتمر الحوار، ولماذا قلت بأنه تم اختطاف المخرجات؟
القربي: لم أقل "اختطاف"، ولكن كانت كلمة أخرى، ولم يتم الالتزام بمخرجات الحوار الوطني. مثلًا، أنا كنت في لجنة بناء الدولة، وكانت هناك قضية أساسية هي شكل الدولة: هل النظام برلماني أم رئاسي؟
وعندما بدأنا في هذه اللجنة وتداولنا الأمر حول البرلمان والرئاسة، كان الرئيس هادي في تلك المرحلة متحمسًا للنظام البرلماني، وهو على حق في ذلك، لأنه كان يعتقد أنه سيخلصنا من نظام التوريث والصراعات... إلخ.
ولكن بعد أن استلم الرئاسة وشعر بصلاحيات الرئيس، غيّر رأيه، واعتقد أن النظام الرئاسي هو الأفضل.
وعندما صوّتْنا في اللجنة على هذا المشروع، 70٪ صوّتوا مع النظام البرلماني. وكانت اللائحة تنص على أنه إذا لم يحصل القرار على 90٪ يُرفع إلى لجنة التوثيق في مؤتمر الحوار الوطني، على أساس أنها تحاول أن تأتي إلى اللجنة وتناقش معهم وتحاول إقناعهم بالتعديل أو غيره. ولكن هذا لم يحدث، ونزلت التوصيات وكأننا وافقنا على النظام الرئاسي.
وبعض الفرق الأخرى تحدثت عن أنهم واجهوا نفس القضية في مواضيع أخرى. وكانت المعالجة لهذه الأمور أن المتحفظين سيتحدثون عند إعداد التقرير النهائي، ولكن حدث في ذلك اليوم - ولسوء الحظ - وفاة الدكتور أحمد شرف الدين، وفسّر بعضهم ذلك بأنه محاولة لإفشال مؤتمر الحوار الوطني، وقالوا: يجب أن نمرّر المشروع دون أي نقاش. وهذا ما حدث، إذ لم تُناقش التوصيات النهائية، وصُوّت عليها عاطفيًّا نتيجة ما حدث.
الدكتور احمد شرف الدين
رحمة: هل ساهمت مخرجات الحوار الوطني بشكلٍ أو بآخر في اندلاع الحرب لاحقًا، تحديدًا فيما يتعلق بالأقاليم التي رفضها أنصار الله الحوثيون والمؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح؟
القربي: الأقاليم كانت قضية شائكة، للأسف الشديد، بسبب مفاهيم خاطئة حولها. أولًا: أن البعض كان يعتقد أن النظام الفيدرالي سيؤدي إلى الانفصال، وأن كل إقليم سيقرر الانفصال عن الدولة. وهؤلاء لا ينظرون إلى الدول التي يوجد فيها نظام فيدرالي، والتي هو ركن من أركان قوتها، لا ضعفها أو تمزقها، طالما أن هناك دستورًا وتشريعاتٍ وقوانينَ وقضاءً.
ثانيًا: الإشكالية الأخرى كانت الحساسية المناطقية حول الأقاليم ونزعات الانفصال.
رحمة: دكتور، هل بذلت جهدًا في ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، خصوصًا وأن اليمن جزء من المحيط الجغرافي والثقافي لدول الخليج العربي؟
القربي: سأخبرك بصدق: عندما وصلت إلى وزارة الخارجية انضمت اليمن إلى خمسة من المجالس الخليجية.
رحمة(مقاطعة): التعليم، والصحة، والشؤون الاجتماعية، والتربية، والرياضة؟
القربي (متابعًا): واعتُبرت هذه بدايةً لفتح الباب لليمن، لكن المطلوب كان المزيد من التفاعل. وكنت أركز خلال فترة رئاستي وحواري معهم على قضايا العمالة اليمنية في مجلس التعاون، لأنني كنت أنظر إلى العمالة اليمنية - وكما جُرّب بعد الطفرة النفطية في السعودية - فإن اليمنيين الذين كانوا يذهبون للعمل، والتحويلات المالية التي كانت تأتي إلى اليمن، كان لها مردود اقتصادي على التنمية والاقتصاد في البلاد.
وبالتالي، كنت أحاول أن أقنع الإخوة في دول مجلس التعاون الخليجي بأن يكون لليمن حصة من العمالة في دولهم، لأنه عندما قامت حرب العراق على الكويت ورُحّلت العمالة اليمنية - قيل إنه فُرض عليهم - لكن البعض قرر الخروج بنفسه. للأسف، مُنعت العمالة اليمنية من الذهاب إلى بعض الدول، وكان لذلك كما ادّعوا مبرّران: الأول: أن العمالة اليمنية غير مؤهلة، بينما السوق الخليجي يحتاج إلى عمالة مؤهلة. وقد قدمنا لهم من منظمة العمل الدولية تقريرًا يُظهر أن حوالي 70٪ من العمالة الأجنبية في دول الخليج غير مؤهلة.
والسبب الثاني الذي طرحوه: أنه حدثت إشكالات من بعض اليمنيين الذين يُرحَّلون من دولة خليجية ثم يعودون إليها بجواز جديد واسم جديد، قبل إدخال نظام بصمة العين واكتشاف الأمر.
قلنا لهم إن معالجة هذه المسألة صعبة، وكلما نطور سبل إصدار الجوازات والتدقيق في هذه الأمور، يمكن أن تساعدونا فيها.
وطلبنا مشاركتهم في عملية إصدار الجوازات التي يُقدَّم بها اليمنيون للعمل في مجلس التعاون الخليجي، وقد كان هناك شبه موافقة، ولكن جاءت الأحداث وعرقلت الموضوع.
رحمة: الإعلان الدستوري في 2014 كانت ملامح الحرب قد بدأت تتضح، هل لعبت دورًا أو فتحت قناة للتواصل ما بين الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس صالح ودول التحالف والمعارضين على الضفة الأخرى؟
القربي: الحوار الذي كنت أشارك فيه في هذه المرحلة، بعد دخول أنصار الله إلى صنعاء، هو المرحلة التي تمت فيها المفاوضات في موفنبيك، لأنه - كما تتذكرين - كنا أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام وأنصار الله.
وكانت هناك محاولات في ذلك الوقت للتنسيق بين مواقف المؤتمر والإصلاح وأنصار الله، على أساس أن هذه هي التيارات الرئيسة الفاعلة، وبقية الأحزاب ستكون مرتبطة بإحدى هذه التيارات الثلاثة.
واستمررنا في هذا العمل، وكانت هناك محاولة لبلورة الأفكار لمعالجة ما يتعلق بقضية تشكيل مجلس رئاسي وتشكيل حكومة، لكن للأسف الشديد، كان دائمًا إما أنصار الله أو الإصلاح في النهاية يتغيبون عن النقاشات، وكانت اللقاءات تتم في مقرات خارج مقر الموفنبيك بيننا نحن الأطراف الثلاثة.
رحمة: هذا يعني أن ذلك ساهم في تعقيد الأمور ووصولها إلى الحرب. خلال فترة الحرب، ما الدور الذي لعبته قبل أن تشارك في مؤتمر جنيف الأول والثاني؟
القربي: بعد أن بدأت الحرب، كان الهمّ الرئيسي كيف نستطيع تجنيب المؤتمر المشاكل، لأننا كنا ندرك أن الخوف هو على المؤتمر، سواء من المشترك أو من أنصار الله. ولهذا كان هدفنا في المقام الأول تجنيب اليمن أن يكون المستهدف في هذا الصراع.
رحمة: ولهذا السبب سعوا إلى تفريخه، صحيح؟ لأن كل شيء تفرّغ، وانقسمت الفضائيات إلى قسمين، وكذلك المجتمع المدني، أما المؤتمر الشعبي العام فقُسِّم إلى ثلاثة أقسام: صنعاء، وعدن، وخارج البلاد. فكيف تنظر إلى محاولة تفريخ المؤتمر الشعبي العام؟
القربي: أعتقد أن قيادة المؤتمر أو قيادة اي حزب، يعانون من نفس المشكلة. الذين ربطوا أنفسهم بالتحالف يجدون أنفسهم مقيّدين بما يريده التحالف، والذين هم في صنعاء مُرغمون على التعامل مع أنصار الله، ليس فقط من ناحية أنهم أصحاب السلطة، وإنما هناك جوانب قد يتفقون حولها في أجواء الصراع الذي تعيشه المنطقة. والجانب الثالث والمهم: حاجة الناس فرضت عليهم القبول بالارتباط حتى وإن كانوا غير مقتنعين.
وبالنسبة للمؤتمريين أينما كانوا - وعلى ما أعتقد، وهو ما أؤكد عليه من خلال اتصالاتي ومعرفتي - فجميعهم ملتزمون بالميثاق الوطني وثوابت المؤتمر الشعبي العام، التي هي الأساس بالنسبة لنا كمؤتمريين. هذا الوضع الذي نعيشه، متى ما وُجد المناخ الصحيح للعمل السياسي، سينتهي ويعود المؤتمر موحدًا كما كان.
رحمة: هل تتوقع خلال فترة قريبة أن يلتئم المؤتمر الشعبي العام ويتفقوا على أجندة واحدة؟
القربي: طبعًا، في إطار حل شامل للصراع.
رحمة: دعنا الآن ننتقل إلى مرحلة السلام. شاركت في مؤتمر جنيف ومحادثات الكويت، هل هناك خلاصة لمشاركتك أو لما تم في هذه اللقاءات يمكن أن يستفيد منها الأطراف اليمنية الآن للعودة إلى طاولة السلام من جديد؟
القربي: لو تتذكرين - وأنت من أشرتِ إلى ذلك - أن أول مفاوضات تمت في جنيف كانت غير مباشرة، ثم اجتماعات مباشرة في بييل في سويسرا، وبعدها في الكويت.
ثلاث مراحل: المرحلة الأولى كانت بين الشرعية وبين أنصار الله والمؤتمر الشعبي ومن معهم، وكانت غير مباشرة، فكان المبعوث ما بيننا وبينهم.
وفي نهاية الأمر، الشرعية - في الحقيقة - تعنتت في ذلك الوقت، وكان المبعوث الأممي على وشك إعلان فشل المفاوضات. وجاءني الأخ محمد أبو لحوم وقال: «المبعوث الآن سيقوم بعمل مؤتمر صحفي ويعلن فشل المفاوضات، يجب علينا أن نذهب إليه ونقنعه بعدم ذلك».
وبالفعل ذهبنا إليه وأخبرناه بأن إعلان الفشل كارثة، وقلنا له: «قل إن التوافق لم يتحقق بعد، ولكن سيتم الاتفاق على عقد لقاء قادم». وهدأنا الأمور بهذه الطريقة، وعُقد الاجتماع الثاني في بييل، وأخذونا إلى منطقة نائية، وكان الوقت شتاء، ووضعونا في هوتيل خاص بالرياضيين الذين يذهبون للتنافس في الثلوج، وكانت الغرف صغيرة وسرير واحد، وبقينا هناك أسبوعين للتفاوض.
وبدأنا نتحدث مباشرة، وكانت مفيدة، لأننا بدأنا نتحدث مع بعضنا، وكانت قيادة الفريق أكثر مرونة من جنيف الأولى.
رحمة: بجنيف واحد واثنين، ومحادثات الكويت، ثم استوكهولم، كانت هناك مشاورات في الرياض عام 2022، ولم يشارك فيها أنصار الله، لكن تزامن إعلان الهدنة مع نهاية المشاورات. فهل هناك علاقة بين المشاورات والهدنة؟ وهل تعتبر هذه خلاصة أو تراكمًا للمشاورات السابقة التي تمت، أم أنها اتخذت منحًى آخر؟
القربي: أنا أعتقد أن اتفاق الهدنة في 2022 كان الهدف منه قضية وقف الحرب لمدة شهرين، وبعد ذلك جُددت لمرتين. وكان الهدف منها وقف إطلاق النار وفتح الممرات والطرقات والجوانب الإنسانية والأسرى.
وفي المرة الثالثة لم تُجدَّد، فأصبحت وكأنها قائمة الآن: لا حالة حرب ولا سلام.
رحمة: ولكن كانت هناك محادثات مباشرة بين السعوديين والحوثيين.
القربي: هذه نتجت عنها خارطة الطريق، وجاءت فيما بعد، قبل سنتين.
رحمة: هل كانت هذه الأكثر تأثيرًا؟
القربي: الآن الأساس هي المبادرة الخليجية للحل السلمي للصراع في اليمن.
رحمة: المحادثات السعودية مع الحوثيين بدأت من عام 2022 بشكل مباشر في أكتوبر، هل أثّرت بشكل كبير على مسار السلام في اليمن؟
القربي: بالطبع، لأنهم وصلوا في النهاية إلى مشروعهم، المبادرة وخارطة الطريق للحل السياسي في اليمن، الذي واجه معارضة من الأمريكيين، لأنهم كانوا يعتقدون أن هذا الحل ستنفرد به السعودية، وهي تريد أن يظل تحت السيطرة من قبل مجلس الأمن. ولهذا كان الإصرار أن الحل يجب أن يمر عبر مجلس الأمن. وكما تذكرين، في ذلك الوقت كانت هناك أزمة سياسية بين أمريكا والمملكة العربية السعودية. وقد تغيّر الوضع الآن، ومع التطورات الأخيرة كأنهم أعطوا الضوء الأخضر للمبعوث بأن يبدأ من جديد، وأن السعودية هي التي ستدير هذا الجانب.
رحمة: هل تعتقد أن إدارة السعودية للملف مباشرة، خاصةً وأنك بشكل أو بآخر كنت جزءًا من الصراع في حينها، ستساهم في حلحلة الأوضاع قليلًا والاتجاه مباشرة نحو تحقيق السلام على الأرض؟
القربي: كان أنصار الله معترضين دائمًا على أن تقوم السعودية بدور الوسيط لأنها طرف في الصراع، وأن المفاوضات يجب أن تكون مع السعودية وليس مع الشرعية. الآن تغيّر هذا الموقف، وإذا تغيّر الموقف فهذا يعني أنهم فتحوا للسعودية الباب لتحريك الملف، لكن إذا ظلوا متمسكين برفض السعودية أن تكون الوسيط فالأمور ستتعقّد.
رحمة: وماذا عن الوساطة العُمانية التي كانت تعمل على جبهتين، الأولى ما بين اليمن والسعودية، والثانية ما بين السعودية وإيران؟ هل تعتقد أن الوساطة العُمانية نجحت بشكل كبير في الملفين؟
القربي: العُمانيون يبذلون جهدًا كبيرًا في هذا الجانب، ولكني أعتقد أنهم يواجهون صعوبات، لأن أنصار الله أحيانًا لا يستجيبون للنصائح التي تُقدَّم لهم، كما أن الإيرانيين ربما في بعض الأمور يعلنون مواقف ويعملون ضدها.
Signal 7
رحمة: لكن هل تعتقد أنه من الممكن أن يسمعوا من السعودية إذا لم يسمعوا من عُمان؟ وأقصد هنا الحوثيين.
القربي: أعتقد أنه من الممكن، في حال قدّمت لهم السعودية التنازلات التي يريدونها.
رحمة: هناك تنازل أكبر من زيارة السفير السعودي آل جابر، وقضائه أسبوعًا هناك، والصور التي رأيناها؟
القربي: طبعًا، هذه مجرد ظاهرة إعلامية، لكن الأشخاص عندما يدخلون في التفاصيل - كما تعرفين - هناك يظهر الشيطان، وطالما أنهم لم يدخلوا في التفاصيل فلا يمكن أن تتنبئي بالنتيجة.
رحمة: هل تشعر بتفاؤل مع ظهور المبعوث الأممي هانس من جديد واستئناف عملية السلام، وتوقّعك من أن تمسك السعودية بالملف؟
هانس مبعوث الامين العام للامم المتحدة
القربي: المبعوث هانس لا يزال يواجه الكثير من الصعوبات. كما تعلمين، قبل أسابيع كان في مدينة عدن من أجل الالتقاء بالشرعية والرئيس رشاد، ويبدو أن رشاد لم يلتقه، وكلف وزير الخارجية بالالتقاء به، ومعنى هذا أن الشرعية آخذة موقفًا منه. لا توجد لديّ تفاصيل حول الموضوع، ولكن يبدو أنه يواجه صعوبات، وهذه الصعوبات لن تُذلّل إلا من قبل التحالف والأمريكان.
رحمة: وماذا عن مسلسل الإخفاقات، كما وصفته أنت في منشوراتك، التي ظهرت من قبل مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة؟
القربي: المبعوثون كما تعرفين، في النهاية إما أن يكونوا مجرد موظفين أو أن يكونوا حاملين لقضية. وإذا كان مجرد موظف، فسيعمل بما يُطلب منه. أما إذا كان حاملًا لقضية، فمعنى هذا أنه يجب أن يدافع عن القضية والحق المطلوب لأصحاب الحق فيها. هذا الجانب - للأسف الشديد - لم نشاهده من قبل المبعوثين، وربما الوحيد الذي أظهر جزءًا من هذا الموقف هو إسماعيل ولد الشيخ. والسبب - من وجهة نظري - وأنا لا أدّعي أنني على صواب في هذا الموقف، أن إسماعيل ولد الشيخ عمل في اليمن ثلاث سنوات في برنامج التنمية في الأمم المتحدة، وعايش الناس ورأى ما يجري في اليمن وراء المبعوث الأممي وقتها جمال بن عمر، وعرف الأخطاء. ولهذا جاء بحماس حقيقي ليسهم في حل القضية اليمنية، وربما لأنه أيضًا لديه الشعور العروبي في الوقت نفسه.
اسماعيل ولد شيخ وجمال بن عمر
رحمة: في الوقت الحالي، أنت تمارس ضغوطًا دبلوماسية غير رسمية في اتجاه السلام والمصالحة. في عهد علي عبدالله صالح مُنحت فرصة لم تكن سهلة، ثلاثة عشر عامًا، وكنتم تختلفوا وتتفقوا، بينما في عهد الرئيس هادي والرئيس العليمي لم تحظَ بأي فرصة مناسبة كما يبدو. فهل يمكن أن نعمل مقارنة حول علاقتك بالرؤساء الثلاثة؟
القربي: أولًا، دعيني أوضح أنني لا أمارس ضغوطًا، ولا لديّ القدرة على ممارستها. أنا فقط أعبّر عن رأيي وعن موقفي. الذي يهمني أن يعرف الناس موقفي مما يجري، وأنصحهم أن يتنبّهوا من المزالق التي تقود اليمن إلى المزيد من الدمار والانقسامات والتشتت. همّي الآن هو كيف يمكننا كيمنيين أن نعيد النظر في مواقفنا، لكي ننقذ أنفسنا وشعوبنا ومستقبل أبنائنا. أمّا الضغوط، فلا توجد هناك إمكانية للضغط على أحد.
رحمة: قيّم علاقتك بالرئيس علي عبدالله صالح.
القربي: علي عبدالله صالح، أعتقد أنه لا حاجة أن أقول شيئًا كثيرًا عنه، لأني عملت معه ثلاث عشرة سنة، وهذا كافٍ ليكون دليلًا على أن العلاقة كانت، والحمد لله، ممتازة. وكما قلتِ، كانت آرائي تتعارض مع آرائه دائمًا؛ فبعضها كان يقبل بها، وبعضها كان يصرّ على رأيه. ولكن في النهاية، الرئيس هو المسؤول عن السياسة الخارجية، ووزير الخارجية هو الأداة لتنفيذ هذه السياسة. علينا نحن أن نقدّم الرأي وننصح بما نراه أصحّ، وفي النهاية القرار بيده. ولهذا الناس لا يدركون أنه أحيانًا عندما يحدث خطأ من وزير الخارجية، فإن السبب ليس وزير الخارجية، وإنما صاحب القرار النهائي فيها، إلا إذا كان وزير الخارجية قد ارتكب خطأ، مثل حالتي أنا عندما جئت بالمبادرة الخليجية، فيمكن أن يُقال إنه هو الذي جاء بها وسبّب المشاكل.
رحمة: لأنها كانت طارئة كما سبق وأن أخبرتنا. هل يمكن أن تعمل تقييمًا لفترة الدبلوماسية في عهد الرئيس هادي؟
القربي: الرئيس هادي، أنا أعتقد أولًا - وللتاريخ - أنني بدأت باختيار ممثلي المؤتمر الشعبي العام في حكومة باسندوة. ذهبت إليه وقلت له: هل يمكن أن تعفيني من وزارة الخارجية، ويمكنك أن تختار لي مكانًا آخر، ولكن ليس وزارة الخارجية، بحكم العلاقة السابقة مع علي عبدالله صالح، فقد تعتقد أن هذه العلاقة قد تثير لديك الشكوك. كنت واضحًا معه في هذا الجانب، فقال: أنتم ورّطتمونا بالرئاسة، والآن تريدون التخلي عني! فقبلت. والحقيقة أن علي عبدالله صالح بعد تعييني وزيرًا للخارجية، اتصل بي مرة من المرات، وطلب مني أن أنقل رسالة إلى السفير الأمريكي، فقلت له: أنا الآن وزير خارجية عبدربه منصور هادي، وأنت لديك سكرتارية يمكن أن تتواصل مع السفير الأمريكي. فقال: أنت على حق. ولم يشعر أنني خذلته، ولكني كنت صريحًا معه، لأنني أعرف تبعات هذه الازدواجية في الولاء. هادي - للأسف الشديد - موقفه مني، رغم أنني كنت أعمل معه بكل إخلاص، إلا أن بعض الخلافات المتعلقة بوجهة نظر مني حدثت، وأعتقد أنه ربما في النهاية وجد أنه من الأفضل أن يغيّرني.
رحمة: أنت كوزير للخارجية لمدة ثلاثة عشر عامًا في أيام الرئيس علي عبدالله صالح، لا بد أنك حملت رسائل متعددة، وكان لديك حقيبة فيها أسرار خاصة مع رؤساء مختلفين. من هم أبرز الرؤساء الذين التقيت بهم، وأهم الملفات التي ناقشتها معهم؟
القربي: أولهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، لأنني نقلت له الكثير من الرسائل المتعلقة بالوضع في اليمن، وقضايا مكافحة الإرهاب، والصراع مع الحوثيين، وأيضًا القضايا المتعلقة بدعم اليمن في المبادرة الخليجية وغيرها. الرئيس الثاني السلطان قابوس، لأنه كان موضع ثقة الرئيس صالح، وكان ينقل له بعض القضايا المتعلقة بمقرّرات الأمن، خاصة مع الحوثيين وإيران.
الملك عبدالله وقابوس بن سعيد
رحمة: وصدام حسين؟
القربي: صدام حسين، كانت زيارتي له قبل الحرب بسبعة أو ثمانية أشهر، وكان الهدف منها نصحه في كيفية تجنّب العراق التدخل العسكري الأمريكي، حفاظًا على إنجازاته في العراق، وأن يتعاون مع طلبات الأمريكيين والأمم المتحدة المتعلقة بالملف النووي. وصدام حسين، لقائي به كان مرة واحدة، وبعد أن سمعت ردّه على طلب الرئيس، الذي أكّد فيه أن هذه المعركة هي معركة كرامة الأمة، ويجب أن نضحّي من أجلها بكل شيء، الحقيقة أني خرجت - في الحقيقة - عن كوني وزير خارجية أحمل رسالة، وقلت له: هل يمكن أن أتحدث معك كمواطن عربي؟ فقال: تفضل. قلت له: أنا كمواطن عربي لا أريد أن تتدمّر العراق، الكرامة قضية مهمة جدًا، ولكن حماية الكرامة هي حماية للأرض والوطن. فنظر إليّ وقال: قضية الكرامة هي الأساس، وبلّغ أخي علي عبدالله صالح أن يحافظ على الوحدة.
صدام حسين
رحمة: بحكم خبرتك الطويلة فيما يتعلق بالمحادثات والسلام والمصالحة بعد الحرب الأخيرة، هل تشعر بأن السلام أصبح قاب قوسين أو أدنى؟ بمعنى، هل من الممكن وخلال عام أن نرى الأطراف اليمنية جميعها تجلس على طاولة واحدة؟
القربي: الأمريكان يقولون إن هذا سؤال المليون دولار. نحن لا نريد المليون دولار، ولكننا نريد الأمل في أن ندرك كيمنيين أن مستقبل اليمن، إذا تركنا الآخرين يقرّرونه، فلا مستقبل لليمن. مستقبل اليمن سنصنعه نحن، إذا استطعنا أن نرى كيف نقبل ببعضنا البعض. اليمن ثروة ببشرها، بثرواتها، بتاريخها، وبتجاربها. حتى هذه التجربة التي نمر بها، ورغم كل ما نراه من دمار، لا يزال اليمني يعتز بأنه يمني. ولهذا، أنا أعتقد أن السؤال الرئيس بالنسبة لنا جميعًا اليوم هو أن نفكر في اليمن، وأن نترك المصالح الشخصية، الحزبية، والمناطقية، وألّا نجعل الجانب المذهبي يسيطر على تفكيرنا. {لكم دينكم ولي دين}، وكل واحد له معتقده، لكن لا نحول هذا إلى آلية للدمار والصراع.
رحمة: دكتور أبوبكر القربي، الطبيب البارع، الأكاديمي المهني، الدبلوماسي المحنّك، اليوم نهلنا من ذاكرتك الكثير من المعلومات، واستمعنا إلى أسرار نسمعها لأول مرة. باسمي وباسم طاقم برنامج حكاياتي، شكرًا لك.
مشاهدينا، سافرنا مع الدكتور أبو بكر القربي في رحلة طويلة ومتنوعة، من عدن إلى صنعاء، إلى لندن، إلى ليفربول، إلى إدنبرة، إلى شيكاغو، إلى كندا، وقضايا مختلفة: السلام، والمصالحة، والطب، والدبلوماسية، والأكاديمية. نتمنى أن نكون قد استطعنا أن نستخرج من الدكتور أبو بكر القربي بعض المعلومات الحديثة والنادرة والمناسبة. نلقاكم في حلقة قادمة وضيف آخر.
ينشر هذا الحوار بالتزامن مع بثه على قناة "حكايتي" على يوتيوب، إعداد وتقديم الإعلامية رحمة حجيرة. لمشاهدة الحلقة (اضغط هنا)

الكلمات الدلالية