صنعاء 19C امطار خفيفة

الصعود الحوثي في محور المقاومة: طموح القوة وحدود النفوذ

يقول الافتراض السائد أن التطورات التي شهدتها المنطقة منذ السابع من أكتوبر 2023 ستعيد تعريف علاقات الجماعة الحوثية ببقية الأطراف في محور المقاومة وأنها أصبحت عضواً لا غنى عنه داخل هذا المحور، وستلعب دوراً أكبر وأكثر أهمية. يبرر هذا الافتراض نفسه بكون هذه التطورات انتهت بإضعاف مكونات المحور على نحو غير مسبوق، باستثناء الجماعة التي ظهرت أكثر قدرة على الصمود وأكثر المكونات فاعلية. يقوم هذا التحول المفترض في الأدوار على الاختلال المتصور في ميزان القوى داخل المحور وحاجة بقية الأطراف للجماعة، ويحتج أصحابه بأن علاقة الحوثيين بحلفائهم تُظهِر حتى الآن استقراراً واضحاً، ولا تعاني من أي تضارب خطير في المصالح أو من تداخل مناطق النفوذ.

وعلى الرغم من بروز الحوثيين وفاعليتهم، و"تعويل" طهران وبقية الحلفاء المفترض عليهم، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أنهم سيلعبون دوراً أكثر أهمية في محور المقاومة. فثمة ما سيظل يفرض حدوداً على تحول هذا الظهور إلى نفوذ مستدام أو دور قيادي داخله. فاستيعاب تبدل الأدوار والقبول به يحتاج إلى وقت، وقبل ذلك إلى تفهم بقية مكونات المحور، وهذا لن يكون سهلاً في المدى المنظور. لا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك ما يبرر توقع مقاومة من بقية الحلفاء.
لدى الحوثيين طموحات إقليمية ودولية وهم مندفعون ويتمتعون بنزعة استقلالية، ويملكون القدرة على اتخاذ قرارات عسكرية خطيرة دون العودة إلى حلفائهم بالضرورة. ووفقا لتقارير عدة، لم تكن إيران، مثلاً، متحمسة للهجمات البحرية التي شنها الحوثيون. وهذا وذاك يطرح تحدياً على مستوى السيطرة والتحكم، ويُربك منطق الهيمنة الإيرانية، ويجعل طهران حذرة.
ثم إن اندفاع الحوثيين وصراعهم مع الولايات المتحدة وإسرائيل لا يتفق مع حاجة إيران والفصائل العراقية وحزب الله للتهدئة، بل وقد يثير مخاوفهم. وعلى الرغم من نجاحهم في تعطيل الملاحة، واستمرارهم في استهداف إسرائيل لوقت طويل، أظهرت المواجهات التي خاضها الحوثيون، منذ نوفمبر 2023، افتقارهم للقدرات العسكرية والتكنولوجية الفعالة. لقد ظلت تلك النجاحات سياسية رمزية ومعنوية أكثر منها نجاحات عسكرية عملياتية أو استراتيجية. وثمة ملاحظة في هذا السياق، فامتلاك إيران أسلحة أكثر فعالية مما لدى الحوثيين، كما ظهر في الأيام الأخيرة من حرب الـ 12 يوماً على الأقل، يكشف أنها ضنت بمثل هذه الأسلحة على الحوثيين. أليس هذا مما يفترض أن يثير حنقهم وعتابهم؟
سيظل بروز الحوثيين وطموحاتهم ونزعتهم الاستقلالية، من جهة أخرى، تدفعهم إلى إظهار التميز والتمايز عن بقية أعضاء المحور، وترفع توقعاتهم بشأن الطريقة التي يجب أن يتعامل بها الحلفاء معهم. وإذا اندمجوا في دورهم الجديد، وسعوا إلى فرض وصاية سياسية أو عملياتية على هؤلاء، فمن شأن ذلك أن يشكل عامل تنفير ويتسبب بمقاومتهم.
وحتى مع افتراض أن تلك الطموحات والارتباط الأيديولوجي والعاطفي بالحلفاء والحاجة إلى استمرار الدعم الإيراني ستجعل الحوثيين حريصين على إثبات جدارتهم وأكثر اندفاعاً نحو حلفائهم وحرصاً على الحفاظ على علاقة قوية بهم. إذ لا شك أن صراعاتهم الخارجية تجعلهم أكثر حاجة واعتماداً على إيران، خصوصاً وهم لا يمتلكون فرصاً مهمة لتنويع تحالفاتهم ومصادر تسلحهم. ومع ذلك، لا يتوقف الأمر على سلوكهم فقط، فإيران قد يكون لها رأي آخر، كما سلفت الإشارة. أما حزب الله والفصائل العراقية، وإن كانوا في حاجة لحليف قوي في مثل الظروف الصعبة التي يمرون بها ويمر المحور عموماً، قد لا يكونون متحمسين كثيراً لأن يلعب الحوثيون أدواراً أكبر داخل المحور. يتعلق الأمر بالتنافس الطبيعي بين حلفاء إيران. وطالما قدّم محور المقاومة نفسه ونُظر إليه ككتلة موحدة، إلا أن هذه التطورات كشفت عن تباينات لافتة في مواقف ومصالح مكوناته. ويتعلق أيضاً بعوامل أخرى. فإيران تحتفظ بحضور ودور قويين في ترتيب وضبط العلاقات بين حلفائها، ولذلك فعلاقة الحوثيين ببقية الأطراف قد تفتقر الى العمق المؤسسي، وتظل مرهونة بتقديرات طهران "الحذرة" بالدرجة الأولى.
ولأن القدرة على التأثير ولعب أدوار مهمة يقترنان ويتوقفان غالباً على توفر الطرف المعني على إمكانات سياسية ومالية كبيرة، فتواضع إمكانات الحوثيين ستكون إشكالية في هذا السياق، وتفرض حدوداً على فرصهم. خصوصاً وإيران مقدمة على اختبار ظروف اقتصادية صعبة نتيجة سياسة الضغط الأقصى الأمريكية وعودة العقوبات الأممية عليها بعد تفعيل "آلية الزناد". إن تنفيذ جماعات عراقية حملات تبرع لدعم الحوثيين يعطينا مؤشرا على حجم هذا الخلل. ملاحظة مهمة في هذا السياق هي أن الأوضاع الاقتصادية والمالية للحوثيين مرشحة للتدهور في ضوء تراجع حركة الاستيراد من ميناء الحديدة وبسبب العقوبات المتزايدة عليهم. أخيراً، ما يزال الموقع الجغرافي البعيد نسبياً عن بقية الأطراف، وصعوبة الانتقال من وإلى اليمن، يشكل عائقاً فنياً ولوجستياً.

الكلمات الدلالية