ضميني يا عدن
ثماني سنوات بعيدًا عن عدن، ليست رغبة مني ولا خيارًا حرًّا، بل كانت الحرب وتداخلاتها طريقًا قسريًا إلى المنافي.
أحنّ إلى مدينتي، إلى وجهي الذي تركته على جدرانها القديمة، إلى البحر الذي كان يبادلني الأسرار كل صباح، إلى الأزقة التي حفظت وقع خطاي وطفولتي وصباي.
أشتاق إلى عدن لأنها كانت أكثر من مكان؛ كانت هوية وذاكرة وحلمًا جماعيًا انكسر على صخرة الواقع.
أموت في الاغتراب كل يوم ألف مرة. فالموت في المنافي لا يأتي دفعة واحدة، بل يتسلل إلى الروح ببطء، على شكل حنينٍ لا يُحتمل، وغربةٍ لا يمكن وصفها.
أنا كهل في العقد السابع من عمري، أنهكني الشتات، ولا أقوى على حياةٍ تتأرجح بين الانتظار والتذكّر.
متى سأعود؟ متى سأستقر؟ أسئلة معلقة بين السماء والأرض، لا يجيبها أحد، لأن الوطن نفسه صار سؤالًا بلا جواب.
كل عمري قضيته في الترحال، وأرى الأجيال التي جاءت بعدي تسير في الأثر ذاته، كأن قدر اليمنيين أن يولدوا في وطنٍ دائم التبعثر.
ما الذي حلّ بنا؟
هل أصابتنا دعوة أجدادنا: «ربنا باعد بين أسفارنا»، فصرنا شعوبًا متباعدة، وأوطانًا تتنافر بدلًا من أن تتقارب؟ أم أن الحروب المتكررة علّمتنا أن نعيش بلا استقرار، فاستأنسنا المنفى حتى حين نكون في بيوتنا؟
عدن ليست مدينة فحسب، إنها رمزٌ لكل اليمن، وصورةٌ مكثّفة للوطن الذي نحمله في القلب مهما ابتعدنا عنه.
من غادرها لم يغادر المكان، بل ترك خلفه جزءًا من نفسه.
عدن هي النصف المضيء في الذاكرة، والظلّ الباقي من زمنٍ كان اليمن فيه أقرب إلى الحياة منه إلى الفقد.
عدن، المدينة التي كانت بوابة البحر والحرية، تحوّلت إلى رمزٍ للحنين الجمعي اليمني، لأن فيها يتقاطع الماضي بالمستقبل، والذاكرة بالحلم، والفقد بالأمل.
ضميني يا عدن،
خذيني إليك من هذا الشتات الطويل،
ففي حضنك فقط أعرف من أكون،
وأدرك أن الوطن لا يُختصر في جغرافيا، بل في قلبٍ يظلّ يخفق باسمك مهما ابتعد.