صنعاء 19C امطار خفيفة

اليمن خارج خارطة الإحصاء: جهاز مشلول وقرارات معلّقة

اليمن خارج خارطة الإحصاء: جهاز مشلول وقرارات معلّقة
الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة

منذ أكثر من عقد من الزمن، يفتقر اليمن إلى وجود إحصاءات موثقة أو مسوحات حديثة تتعلق بتعداد السكان ومؤشرات الدخل والإنفاق والاستهلاك، سواء للأسر أو الأفراد أو المؤسسات والوزارات والشركات، فضلًا عن غياب النشرات الإحصائية الدورية التي تُعد مصدرًا أساسيًا للصحفيين والباحثين وصُنّاع القرار السياسي والاقتصادي في مختلف المناطق.

ويرى الباحث بسام الوهبي أن معظم الدراسات والأبحاث الحالية تعتمد على بيانات وتقارير تعود إلى ما قبل اندلاع الحرب، ولم تعد تعبّر عن الواقع الراهن، مؤكدًا أهمية تفعيل عمل الجهاز المركزي للإحصاء بالشكل المؤسسي الصحيح.

إقصاء وتهميش

في الوقت الراهن، يعاني الجهاز المركزي للإحصاء من تدهور واضح في أدائه. ففي صنعاء، جُمّدت أنشطته وأُلحِق برئاسة الوزراء بعد أن كان تابعًا لوزارة التخطيط والتعاون الدولي التي ألغتها جماعة الحوثي. أما في عدن، التي اعلنتها الحكومة المعترف بها عاصمة مؤقتة للبلاد، فحال الجهاز ليس أفضل كثيرًا.
فمنذ صدور القرار الحكومي في 13 أغسطس 2022 بإعادة تشكيل الجهاز المركزي للإحصاء وتعيين قيادة جديدة له، توقعت الحكومة أن يلعب الجهاز دورًا محوريًا في توفير البيانات لدعم التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، إلا أن ذلك لم يتحقق، إذ لم يُنفّذ أي إحصاء فعلي حتى اليوم، واقتصر نشاط الجهاز على تنظيم دورات تدريبية ومشاركات خارجية لرئيسته دون نتائج ملموسة تسد النقص الحاد في البيانات المطلوبة.
وفي حديثه لـ«النداء»، أوضح مراد حسن بليم، وكيل الجهاز المركزي للإحصاء المساعد لقطاع الإحصاء الاجتماعي والسكان،
أن الجهاز ما يزال يفتقر إلى الكادر المؤهل، ويعتمد على موظفي مكتب الإحصاء في عدن، مما جعله، بحسب قوله، «جهازًا صوريًا يُدار فعليًا من قبل مديرة مكتب الإحصاء التي تم تكليفها برئاسته».

شلل في الأداء

يتساءل الصحفي رعد الريمي قائلًا: «أين هو عمل الجهاز؟»، مضيفًا: «لا يوجد مرجع رسمي نعتمد عليه في أعمالنا الصحفية للأسف». وهو ما يردده كثير من الصحفيين والباحثين.
من جانبه، يرى أحد موظفي الجهاز في عدن أن غياب البنية التحتية الإحصائية يمثل أحد أكبر التحديات، إلى جانب الخلافات الداخلية بين القيادات، ما أدى إلى شلل شبه تام في الأداء. ويكشف الموظف، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن «هناك محاولات لتنفيذ مسح ميزانية الأسرة 2025/2026، لكنه سيقتصر فقط على المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليًا».
ويضيف: «داخل الجهاز صراع بين قيادات محسوبة على الإصلاح والمجلس الانتقالي من جهة، وبين موظفين قدامى وحديثي التوظيف من جهة أخرى، ما خلق حالة من الانقسام والشلل الإداري».
غير أن مراد بليم  يخالف هذا الرأي، مشيرًا إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم تسليم الوكلاء مهامهم منذ صدور قرار إعادة تشكيل قيادة الجهاز، ما تسبب بفراغ إداري أفرغ المؤسسة من مضمونها. ويقول بليم: «من أبرز الصعوبات سعي رئيسة الجهاز للانفراد بكافة المهام والمسوح الإحصائية، متجاهلة توجيهات وزير التخطيط المشرف على الجهاز قانونًا، وهو ما أدى إلى تعطيل إصدار قرارات تكليف لأكثر من ثلاثين مديرًا عامًا، وبالتالي شلّ قطاعات كاملة عن العمل».
ويؤكد أن الجهاز اليوم «يُدار بشخص واحد فقط، ما أدى إلى عشوائية وتخبط ونتائج ضعيفة لا ترقى لمستوى الطموح، ومخالفة واضحة لقرارات مجلس الوزراء».
وطالب بليم، عبر «النداء»، الجهات المختصة والرقابية بالتدخل لمعالجة هذه الإشكالية التي تُعيق عمل الجهاز وتمنع تفعيله كمؤسسة وطنية.

الإحصاءات تصنع السياسات

يُحتفل هذا العام بـ اليوم العالمي للإحصاء تحت شعار الأمم المتحدة: «إحصاءات دقيقة وبيانات موثوقة تدفع التغيير وتصنع مستقبلاً أفضل للجميع». ويؤكد هذا الشعار، بحسب الأمم المتحدة، على الدور الحيوي للبيانات الموثوقة في دفع التقدم العالمي وصنع السياسات الفعالة والتخطيط الاقتصادي والتنمية المجتمعية.
فالبيانات الدقيقة تُعدّ الأساس لأي عملية إصلاح أو تنمية مستدامة، كما تُسهم في تعزيز الشفافية والاستخدام الأخلاقي للمعلومات وبناء الثقة في النظم الإحصائية.
وتدعو الأمم المتحدة إلى ضرورة إذكاء الثقافة الإحصائية داخل المجتمعات، بما يضمن إتاحة البيانات وفهمها واستخدامها من قبل الجميع، إذ إن الإحصاءات ليست مجرد أرقام، بل هي أداة لتشكيل المستقبل وصنع القرار الرشيد.

الكلمات الدلالية