قطرة مطر

الإهداء:
إلى من كانت بجانبي حين كتبتها،
والمطر يتساقط،
كأن كل قطرة كانت تكتب معنا.
كنا نطفو في أعالي الغيم، ننتظر لحظة الهبوط.
لم نرَ الأرض من قبل، لكننا سمعنا عنها كثيرًا.
قيل لنا إنها واسعة، مليئة بالحياة والحب،
وأننا سنكون جزءًا منها.
كنا نضحك، نتزاحم، نتراهن: من سيصل أولًا؟
كأننا أطفال في نزهة، لا نعرف ما ينتظرنا.
بدأت الغيوم تتأوه،
علامة أن وقت المخاض قد حان.
الريح تشتد، وحبات البرد تمر بجانبنا كطلقات،
نتفاداها كي لا تبعثرنا بعيدًا.
من بعيد، ظهرت الأرض:
بحر بلا نهاية، غابات تتمايل،
ويابسة تنتظرنا بصمت.
كنا نتمايل، نطلق صيحاتنا الصغيرة،
فرحين بولادتنا، كأننا خُلقنا للتو للمرح.
هبطنا على صخرة سوداء،
تبعثرنا، ثم تجمعنا من جديد،
وانزلقنا مع سيلٍ يمر أمامنا.
كنا متماسكين،
نقبض على بعضنا كما يفعل الأطفال حين يخافون من الظلام.
السيل كان جارفًا، لا يرحم،
لكننا تمسكنا ببعضنا،
كأن التماسك سبيلنا للنجاة.
ثم بدأت أصابعنا ترتخي،
كأن التعب تسلل إلينا دون أن نشعر.
السيل يتقاذفنا كأمواج بحر،
حتى أوشكنا على أن نفترق.
صعدنا على ورقة يابسة،
أنا وبعض رفقائي، بحثًا عن لحظة راحة.
كانت الورقة تتمايل تحتنا، تصدر صوتًا خافتًا،
كأنها تشتكي بصوت لا يسمعه أحد.
كنت أعلم أنها مثقوبة،
لكنني لم أقل شيئًا،
رغبة في تأجيل الجزع،
في منحهم بعض الطمأنينة، ولو كانت زائفة.
في تلك اللحظة، بدا لي أن الوهم أحنّ من الحقيقة.
بدأت الورقة بالغرق، وتلاشت معها لحظة الطمأنينة.
افترقنا، كلٌّ في طريقه،
لكنني ما زلت أذكر تلك الرحلة:
من الغيم إلى الأرض،
من الضحك إلى التبعثر،
من التماسك إلى الانفلات،
من الوهم إلى الحقيقة.
هل هذه هي الأرض التي حلمنا بها؟
لا شيء فيها يشبه ضحكاتنا القديمة،
ولا دفء الغيم الذي تركناه خلفنا.
سيولٌ جارفة،
وأرضٌ كأنها لا تحتضننا، بل تتخلص منا بهدوء.
كبرنا،
ونسينا ضحكاتنا التي كانت تتطاير بين الغيم،
ونسينا رهاناتنا الطفولية،
ونسينا أحلامنا التي كانت أكبر من الأرض نفسها.
ثم مضينا بصمت،
تاركين كل شيء خلفنا.
لكنّ الغيم ما زال هناك،
يراقبنا بصمت،
كأنه ينتظر قطرة أخرى
تحلم من جديد.