صنعاء 19C امطار خفيفة

قراءة في ديوان "جعبة الأوجاع" للشاعر الجمال سلطان غالب سعيد

قراءة في ديوان "جعبة الأوجاع" للشاعر الجمال سلطان غالب سعيد

لفتني الحيرة وأنا أحاول الكتابة عن ديوان الشاعر الشعبي الجمال سلطان غالب سعيد.

ومصدر الحيرة أن يقدم الديوان الناقد والقارئ الفذ الأستاذ منصور السروري، درس بعمق جل قصائد الديوان.

قراءة ناقدة حصيفة وعميقة. قرأ القصائد: العامية والفصيحة، ودرس المفردات اللغوية والتراكيب والصور الشعرية، وأتى على كثير من الجوانب الإبداعية والفنية في الديوان، ومكنته ثقافته الواسعة وتجاربه الحياتية من تقديم رؤية نقدية لا تضاهى.
قرأت الديوان بعد قراءة المقدمة، وشعرت أنه "ليس بالإمكان أبدع مما كان" مقولة الإمام محمد بن محمد الغزالي. فإضافتي جد محدودة.
يمزج الشاعر بين العامية والفصحى، والعامية أساس، شأن الكثير من دواوين وأغاني الشعر الشعبي.
وما يميز الحميني اليمني وشعر العامية بصورة أعم، وحتى مواويل عمال البحار، هو الجذر الفصيح، فالحميني اليمني ورواده أدباء كبار وقضاة وفقهاء.
الحكاك، المزاح، ابن فليته، محمد عبدالله شرف الدين، جابر زرق، والقضاة عبدالرحمن الآنسي، وابنه أحمد، والعنسي صاحب وادي الدور، والقمندان. وصولًا إلى المحضار وابن شهاب والحداد ومطهر علي الإرياني وعلي صبرة وإبراهيم صادق والسالمي وحسن الشرفي وعلي عبدالرحمن جحاف، وعشرات وعشرات.
في القصائد الفصيحة يلتزم الشاعر بالوزن والقافية حسب عروض الخليل، ويميل أكثر للبحور الصافية.
اهتم النقاد اليمنيون بالعامية اليمنية، وكانت أول وأهم رسالة دكتوراه للباحث والناقد جعفر الظفاري، ثم رسالة الدكتور عبده غانم، فرسالة الدكتور عبدالعزيز المقالح شعر العامية في اليمن.
ويعد كتاب الباحث عبدالرحمن بن محمد الرفاعي، الحلقة المفقودة في امتداد عربية الموشح الأندلسي، من أهم الدراسات، وقد درس عميقًا الجذور الأساسية لهذه التجربة، وامتدادها وأصلها اليمني.
واهتم الباحث محمد عبدالقادر بامطرف بأوزان القصيدة العامية، وصنف، فهو أول من صنف "الميزان"، في تفعيلة العامية اليمنية. وهو مبحث مهم جدًا، لم يدرس للأسف الشديد، كما يجب.
نعود إلى ديوان "جعبة الأوجاع"، فالديوان يمتح من بئر الوقائع والأحداث الحياتية.
فالشاعر سلطان بدا متأثرًا بمن سبقه: عبدالله سلام ناجي، ومحمد عبدالباري الفتيح، وبالدكتور سلطان الصريمي، وأثر الدكتور سلطان عليه كبير، خصوصًا في المراحل الأولى. وتلكم طبيعة البدايات، ثم امتلك الشاعر صوته، ومكنته تجربته الحياتية والغنية، ومعاناته في الحياة، وانغماسه في العمل الوطني، من امتلاك صوته وتجربته الشعرية الخاصة.
يشتمل الديوان على سبع وخمسين قصيدة في 120 صفحة، قطع صغير.
تغطي المقدمة الضافية ما يقرب من ربع صفحات الديوان. تتوزع القصائد بين العامية والفصحى، والنفس الإبداعي الغنائي فيها كبير، بل إن بعضها مبدعة كأغاني: الحنين إلى الفجر، انفجار الرؤى، معاول العشق، ربيع الحياة، تأتي الرياح، شمس المحبين، ريم وادي كرب، خلف الركون.
وإهداء إليها مهاتفة، والنفس الغنائي في جل قصائد الديوان، وأستغرب عدم اهتمام الشاعر والفنانين بقصائد هذا الديوان المبدعة كأغانٍ ومواويل.
لتجارب الحياة والكفاح الوطني وبؤس ومعاناة الفلاحين وشباب الثورة أثرها العميق في أشعاره الزاخرة بالمرارة والألم.
هذا زمان الظلام
لف الأمل بالسراب
ترك فلول اللئام
تشرعن الاحتراب
وفي مخابي النخاسة
يباع طهر التراب
يتقاسمين المناصب
والشعب يشكو العذاب
من قصيدة "عشق سفر الحياة" فالقصيدة عند الجمال سلطان نقد مرير للأوضاع الفاسدة، كما هي أغانٍ للحياة وموسيقى للأمل والحب.
تجربة المناضل الثوري سلطان غالب سعيد (الجمال) أودعها قصائد ديوانه "جعبة الأوجاع".
فقصائد الديوان تعبير صادق عن رحلة مناضل شارك في المظاهرات منذ منتصف القرن الماضي، ضد الاستعمار البريطاني في عدن، وشارك في المظاهرات ضد "لجنة السلام العربية"، عام 67، في صنعاء، وكان له دور في المقاومة الشعبية، وانتسب للحزب الديمقراطي الثوري والحزب الاشتراكي.

الكلمات الدلالية