صنعاء 19C امطار خفيفة

اليوم البرتقالي: اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة

اليوم البرتقالي: اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة

إلى الأخوات ميرابال* ليس في الدومنيكان فقط، بل في اليمن والعالم العربي الإسلامي، البداوة والقبيلة والعيب الأسود اجتماعيًا ودينيًا وسياسيًا، وحيث العنف والتقتيل اليومي باسم الدين الفضيلة والأخلاق والشرف، و... الخ.

**
25 نوفمبر، "Orange the World" تحت هذا الشعار العالمي، احتفت مدينة دارمشتات Darmstadt، باليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، بأكثر من تظاهرة، كانت ومنها مظاهرة ضمت النساء والرجال من منظمات مجتمع مدني، وغيرهم، حملوا العديد من لافتات المطالب الحقوقية بوقف العنف ضد النساء، البعض ارتدوا الشارات البرتقالية، جابت المظاهرة الشوارع، ووصلت إلى مسرح المدينة، الذي تلون أيضًا بالبرتقالي، اصطفت عبر فنائه الكبير ومدخله والسلالم والمنعرجات بعشرات الأحذية البرتقالية، بما تحمله من دلالات لمسارات وانعطافات سيرة النساء ومعاناتهن من أحوال وأهوال العنف الجاثم عليهن في كل العالم، ضمت أيضًا العديد من المشاهد الاستعراضية الفنية، والخطابات، واستعرض فيلم سينمائي، ومناقشات... الخ، كانت كلها مكرسة للنساء في الأيام الدولية لوقف العنف، وفي حضرة أبي الفنون: المسرح، كشاهد عيان وذاكرة جمعية بكل اللغات: "لا للعنف"، "نحن النساء لمستقبل أفضل"، "جسدي حياتي"، "لا تتركن النساء وحدهن"... الخ.
لا للعنف ضد النساء
آزرت المشهد البصري المهيب، المسلة والكنيسة، والمقاهي والحديقة، والمنازل وأفنيتها ونوافذها المضاءة الحانية على أجواء المسرح البرتقالية، وكل الفاعلين ممن ينتصرون لقضية المرأة، نعم ففي خلف كل نافذة وشرفة وباب ودرجة، وسرير، ومهد، وأص زهور، ثمة وجع وأنين مسكوت عنه، هو أشد وأفتك من العنف الظاهر ووجوب المقاومة لنشدان المواطنة المتساوية والسلام، والحياة الإنسانية الكريمة.

أيها الحذاء: اغضب

كانت الأحذية المصطفة بكل أشكالها وأحجامها تحاكي لابسيها في كل الأزمان المختلفة، بجانب كل حذاء تنطق بحكايات أليمة، ممهورة بتاريخ الواقعة، كشاهد بصري على ما يحدث لنساء العالم، من عنف وتنكيل: قتل، وعنف جسدي ونفسي، وليس بآخر العنف الرقمي الذي فاق أساطير العنف السرمدية على المرأة. نعم كل حذاء مسيرة النساء، بل أبجدية "أنا موجود"، أنا إنسان، حقي في الحياة الآمنة والعيش الكريم، حقي في الحرية، حرية الرأي والفكر والمعتقد والملبس والوجه المفتوح، جسدي ملك لي، ووضع حد للعنف ضد النساء، بمن فيهن الطفلات، والعنف المسكوت عنه الأشد خطرًا، لمصكوكة العنف الأسري: "إنه شأن داخلي"، وزواج الصغيرات، والختان والعنف الجنسي والرقمي... الخ.
الأحذية البرتقالية الصامته
كرنفال الحذاء ليس الصامت فحسب، بل والمتكلم والمقاوم معًا. في ذلك اليوم المهيب من 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر، نكسر العبارة السقراطية "تكلم كي أراك"، بل يعتمد المقاومة: تحرك حتى أراك أنا المرأة، ويرانا معًا كل العالم والكون بأكمله، فالنساء في الألفية الثالثة يقتلن وينكل بهن، بما فيه العالم الأوروبي والغربي، برغم وجود الدولة والقانون ومنظومة حقوق الإنسان، إذ تذكر تقارير الأمم المتحدة، للعام 2025، "تعرضت ما يقرب من 1 من كل 3 نساء -أي ما يُقدر بـ840 مليون امرأة على مستوى العالم- لعنف الشريك أو العنف الجنسي خلال حياتهن، وهو رقم لم يتغير تقريبًا منذ عام 2000". "وفي الأشهر الـ12 الماضية وحدها، تعرضت 316 مليون امرأة -أي 11% ممن تبلغ أعمارهن 15 عامًا أو أكثر- للعنف الجسدي أو الجنسي من قبل شريك حميم". وغير حميم أيضًا، خصوصًا في ظل الفوضى ولجة الحروب والفقر... الخ.
والسؤال في مشهدية الأحذية البرتقالية الفارغة في العالم، هل هي للذكرى أم للذاكرة، أم للاثنين معًا؟ بمعنى ليس فقط ماضي النساء -حادثة الأخوات ميرابال، بل هي الذاكرة الجمعية نحو المستقبل، الحياة الإنسانية الكريمة، بمعنى استمرارية مناهضة العنف بكل أشكاله الظاهرة والمستترة، نعم، وقفة بكل أدوات أن يحيا الإنسان حقه في الوجود والحقوق والحريات الأساسية والمدنية والرفاهية.

"Femizid" -قتل النساء

في أكثر من شعار وفق المصطلح أعلاه، ولم أعرف ما هو، بجانب العديد من الأحذية، وجدت ورقة تعريفية ورقم، وتاريخ، وتحت اسم وذكر مبسط لحادثة العنف، وبصوت عال أن العنف ليس فقط في الشارع، ولكن تحت أسقف البيوت، وبحسب ما تذكره إحصائيات الأمم المتحدة للعام 2025، فإن بين كل 3 أيام تقتل امرأة على يد شريكها أو زوجها السابق.

نساء اليمن العاريات من البرتقالي

وأنا أحدق وألتقط صور الأحذية البرتقالية، تذكرت نساء اليمن الغائبات والمغيبات قسرًا، المدفونات قتلًا أو سجنًا، المدفونات ملبسًا وحركة، كل شيء في هذا الحفرة الجهنمية "يمن الأصل والفصل والحكمة والحضارة والشرف والدين والعكفة والقبيلة، وما قاله الشيخ سبر"... الخ من ألقاب التخلف والهمجية المضاعفة، كم من قبر واقعي ورمزي تدفن فيه نساء اليمن أحياء، لم تقضِ افتهان المشهري مثلًا، وانتصار الحمادي سجنًا، ومثلهما قتلًا وسجنًا بالمئات إن لم يكن بالآلاف، يقتلن بصمت وتعتيم، فيما تهلل وترقص الجموع، وتطلق الأعيرة النارية ابتهاجًا بغسل شرف العائلة/ القبيلة وآلهتها التي في السماء والكهوف والجحور، أنهن يمتن عاريات بلا لون، ولا أحذية، ولا برتقال، بصمت الموت والفجيعة، وتدوير سيرهن في يمن الإيمان والحضارة، والأرق أفئدة، واليمن لا تتجزأ عما يحدث للنساء في العالم العربي والإسلامي.
واليمن لا تختلف عن غيرها من المجتمعات الغارقة في الهمجية والتدين المتوحش والأعراف والثقافة النصية المقدسة، حيث يشرعن العنف لقتل النساء وتحجيمهن "بناقصات عقل" وعورات، والصورة الشيطانية، ويشرعن التمييز والعنصرية للمختلف، وليس بأخير "للذكر مثل حظ الأنثيين"، وفي وجود الدولة أو عدمها، كما اليمن والسودان، تحدث النوازل، وباسم الله أكبر تزهق أرواح النساء تقتيلًا جسديًا ومعنويًا، حيث يسود النظام القبلي وأعرافه الذكورية "المرجلة العنيفة والأقسى" أيضًا لتسوس الكل، مخلفة على مدار الساعة عشرات النساء المعنفات، من القتل والتعذيب والإخفاء القسري، واليمن تشكل الصورة الأبرز في هذه القضية، ومعظمهم يصفق ويحتفل، فقد أنقذوا شرف الأمة ودينها وأخلاقها، "انظروا وسائل التواصل الاجتماعي" التي تحولت إلى وحش ضارٍ يفتك بالنساء والطفلات وكل مختلف، فكل طاهش معه صفحات يقتل ويفتك بوعي وغير وعي!
احذية برتقالية لنساء من مختلف الأعمار
وكما تقول الدراسات، وآخرها تقرير الأمم المتحدة، إن "هناك 6.2% امرأة وفتاة في اليمن يتعرضن لمخاطر العنف، وهن بحاجة إلى المساعدات، فهن يواجهن الجوع وانهيار نظام الرعاية الصحية، ويشتد فتكها مع الحروب الدائرة منذ أكثر من عشر سنوات"، ويزيد انتهاكًا الحوثي والبطانات الدينية والمذهبية والشيوخ وكتائب "الزينبيات" الفاشية التي تدخل اليوم كل بيت، تضرب وتهين وتسجن، وتعذب و... الخ من أنواع العنف الجسدي والنفسي.

طواهيش المدينة

فخبرينا أيتها الأحذية، عن أعمار واسم وأحلام وخوف وفرح، وفجيعة، ونوم وقلق، وحالات إنسانية مشوبة بالخوف والترقب، تسترق لحظة فرح، وإن فرحت تخنق بالمجاعات الأخلاقية والرب ومجاعات البطن التي يشتد عواؤها، وتلتهم النساء، فكلما سادت المجاعات والحروب، ارتدت رصاصاتها إلى النساء والأطفال. وهنا يحضر الجلاد السياسي والديني والقبلي والبدوي في أشد الأزمات من حروب ومجاعات، ليرهب ويفتك.
نعم نساء اليمن عاريات من كل شيء عدا القتل، ولا شاهد على ما يحدث في ظل الحرب، فمدننا بما فيها العاصمة صنعاء "حوت كل فن" وفي الألفية الثالثة، بلا وجه، فلا مسرح، ولا سينما، ولا أغنية ولا رقصة، وجه المدينة مصفد بالمليشيات الربانية، مثل نسائه بلا وجه مفتوح وجسد مصفد بالجلباب الأسود الفاتك بالروح والجسد والحياة، إنهن يقتلن أضعافًا مضاعفة في هذا الكون.

أخيرًا

حضرت البرتقالية الذاكرة الجمعية مؤزرة بالمقاومة ومسرح المدينة والفضاء العام لوجه المدينة: حيث اللاصمت والمطالبة بالعدالة والمساواة، والمستقبل الآمن للحقوق والحريات، التسامي على كل واقع اليم والاشتغال عليه "ألا يتكرر"، كما مطلب السلام، في كل جدار وفضاء: ألا تتكرر أحداث العنف، ونحو بناء المستقبل الآمن لكل البشرية.
اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة
تقول لنا هذه المشاهد، وفي مقدمتها الأحذية، إن العنف ضد النساء هو الحاضر الأكبر في العالم، لكن هناك مقاومة، بـ"لا"، بالقانون، بالفنون، بالبرتقالية، بمعنى الحياة..

الكلمات الدلالية