في رحاب الخامدين
لم أجد ما أنصح به نفسي وأغمركم بلطفي سوى أن أحكي ما ينتاب مشاعري.
لعلكم قد زهقتم، أو على الأقل بعضكم، كما زهقت أجيال سادت ثم بادت، من السجلات الممهورة والمنشورة، والكشوفات المشهورة، كما الكتب المقروءة، والأسفار العامرة والمتخمة والمطهمة بأسماء العظام الخالدين من الرجال الميامين، المعاصرين منهم، والمخضرمين، والذين تحفل بصورهم، ومآثرهم، المتاحف المنيفة بأجنحتها الفخيمة، وتتغنى بمجدهم المؤثل وسائل وأجهزة الإعلام الرسمية، وشبه الرسمية.
وسأحكي لكم القصة القصيرة بتفاصيلها غير المثيرة.
أجد في نفسي الأمارة بهذا الزخ شيئًا من الريبة والشك، ومبدأ الشك، هنا، بطبيعته حاضر.
مرجع هذا الشك أن الكثرة الكاثرة من الـ"خالدين" إياهم، وفي حقيقة أمرهم، لا ينتسبون إلى أصل، أقصد أصل الخلود، ولا ينتمون إلى فصل، وأقصد فصل الجنود، جنود الأمة الذين ذادوا، أو يذودون عن حياضها.
هؤلاء الـ"بلا أصل"، كيف تسللوا، بحسب الريب الذي يداخل النفس الأمارة، كيف وجدناهم يشغلون ما بين السطور، ويكمنون في التفاصيل، يتربعون ناصية السجلات التي ما انفكت تملى على مسامعنا ليل نهار، فتغرقنا بالديون المعدومة، لأننا نشتري شهامتهم وشغفهم وحبهم للحياة، ونغدق في ملاطفتهم، والفخر بأمجادهم على الحساب المكشوف، فنغدو مدينين لهم بحب خرافي لا ندري أوله من آخره.
نحن اللابثين على الرصيف الواقفين شتاء وصيف، ضمن طوابير الانتظار مذ فاضت بنا أوجاع الخوابي والجرار، وشربنا ماء الخلجان والبحار، المقيدين على الحساب.
نجتر تباريح وآهات المعاناة الناتجة بفعل مآسي السادة كبرائنا، والولاة.
نحن اللابثين في الزوايا المنسية على الهوامش المحشية، وفي أطراف ومجاهل الحافات، نتجادل في الخرافات. ضحايا التقاسم بين الإخوة الأعداء والمحاصصات.
نحن الأولى منتوفي الأرياش، مهيضي الجناح.
ونحن الموقعين أسفل في كل وقت وحين، والمدونة أسماؤهم، والمحفوظة مكانتهم في سجلات
"الخامدين"..