علوي السقاف: حين تتحول الحكايات المحلية إلى أفلام تتحدث للعالم
بشغفٍ وترقّبٍ عاش المخرج الشاب علوي السقاف لحظات إعلان نتائج مهرجان بغداد السينمائي الدولي في دورته الثانية، في سبتمبر الماضي، حيث كان فيلمه الوثائقي «لن أغادرها» ينافس بين أكثر من 423 فيلماً من مختلف الدول العربية والعالمية. وبعد جولة تحكيم حافلة، صعد فيلمه إلى قائمة أفضل 13 فيلماً وثائقياً قصيراً، قبل أن يتوّجه المهرجان بـ جائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم وثائقي قصير.
لم تكن هذه أول محطة نجاح للسقاف؛ فالفيلم نفسه شارك في عشرة مهرجانات دولية، وحصد أربع جوائز في تونس ومصر وإسبانيا، فاتحاً أمام صاحبه أبواب العالمية.
البدايات من الكلمة إلى الصورة
بدأ علوي رحلته مع السينما منذ أيام الثانوية العامة، مدفوعاً بشغفه بسرد القصص البصرية. يقول لـ«النداء»:
«كنت مفتونًا بتحويل التفاصيل الصغيرة من الحياة اليومية إلى مشاهد بصرية، وحظيت بتشجيع كبير من عائلتي وأصدقائي».
ويعزو السقاف الفضل في تعلّمه أسس الإخراج إلى أستاذه المخرج أحمد يحيى بن يحيى، فيما يعتبر حضرموت بثرائها الثقافي والتاريخي منبع إلهامه الأول.
لكن الطريق لم يكن سهلاً؛ فقد واجه تحديات أبرزها غياب الدعم والإمكانيات الفنية، وندرة الورش التدريبية في الإنتاج السينمائي، إضافة إلى ضعف الوعي المجتمعي بأهمية الفن البصري.
بدأ السقاف من الكتابة، حيث صاغ وعدّل العديد من السيناريوهات، ما أكسبه مهارة بناء السرد والحبكة. ولا يزال حتى اليوم يحرص على الإشراف المباشر على كتابة السيناريو في أعماله، مؤمناً بأن «السيناريو هو النواة التي يُبنى عليها أي عمل بصري ناجح».
خبرة تتجاوز الحدود
خلال السنوات الماضية، أنجز علوي أعمالًا متعددة في مجالات الإخراج والإنتاج والتصوير والمونتاج، نفّذ من خلالها عشرات المشاريع التجارية والإعلانية، من بينها أكثر من 30 عملاً لصالح هيئة المسرح والفنون السعودية، فضلًا عن إنتاجات لقنوات الجزيرة وبلقيس وحضرموت والإرث النبوي.
هذه التجارب كوّنت لديه خبرة متكاملة في مختلف مراحل العمل البصري، غير أن دخوله مجال الأفلام الوثائقية مثّل نقلة نوعية في مسيرته، تجلّت في فيلم «لن أغادرها»، الذي حمل بصمة إنسانية وجمالية لافتة.
فيلم عن الوفاء والجذور
يروي الفيلم قصة الفلاح علي بكير من مدينة تريم – حضرموت، نموذجاً للوفاء والانتماء للأرض والهوية. ومن خلاله، يقدم السقاف درسًا في البساطة والتمسك بالجذور.
يقول لـ«النداء»:
«الإنجاز الحقيقي لأي عمل سينمائي هو نقل قصة محلية من واقع الحياة إلى جمهور عالمي. حين يتعرّف المشاهدون في دول مختلفة على ثقافة حضرموت الغنية، نكون قد حققنا هدفنا».
ويضيف أن الجوائز التي نالها الفيلم أكسبته ثقة أكبر بأن المحلية هي الطريق إلى العالمية، مستشهداً بقول نجيب محفوظ: «المحلية هي أقرب طريق إلى العالمية».
رؤية فنية ومسؤولية إنسانية
يحمل السقاف فلسفة إخراجية تقوم على أن يكون الفيلم منحازًا للإنسان وقضاياه، وأن يسلّط الضوء على القيم الروحية والاجتماعية بأسلوب بسيط وعميق في آنٍ واحد.
كما يرى أن التسويق الفني عنصر لا يقل أهمية عن الإبداع نفسه، بدءًا من المشاركة في المهرجانات، وصولاً إلى الترويج الرقمي. ويشير إلى أن الإعلام المحلي بحاجة إلى نقد فني متخصص يسهم في رفع الذائقة ودعم المواهب.
مشاريع قادمة
يعمل السقاف حاليًا على عدد من المشاريع الجديدة، بعضها في طور الكتابة وأخرى في التحضير، مؤكدًا أن نجاح «لن أغادرها» حمّله مسؤولية أكبر للحفاظ على مستوى التميز ذاته.
وفي ختام حديثه لـ«النداء»، يوجّه الشكر إلى فريق العمل، وفي مقدمتهم مبارك باخريصة (كاتب السيناريو)، وعبدالله بن شعيب (مدير التصوير)، وعبدالمنعم خرمان (التنسيق والتنفيذ)، إضافة إلى أستاذه أحمد بن يحيى الذي كان مرشده الأول في هذا المسار.