ضجيج، حوادث، وقلق مستمر: الدراجات النارية تسرق راحة الحديدة

في شوارع الحديدة وأزقتها، لا تكاد تمر دقيقة دون أن تخترق أذنيك أصوات محركات الدراجات النارية، بعضها بلا كاتم صوت، وبعضها يقوده مراهقون بسرعات جنونية، فقد تحولت بعد أن كانت في يومٍ ما وسيلة نقل اقتصادية تنقذ السكان من أزمة المواصلات، إلى كابوس يؤرق الأهالي ليلًا ونهارًا، بسبب الضجيج المستمر، والحوادث المتكررة وعملية النهب والسرقة.
استخدامها للسرقة
في شوارع المدن اليمنية ومنها محافظة الحديدة ،لم تعد الدراجات النارية وسيلة نقل فحسب، بل تحوّلت في كثير من الأحيان إلى أدوات للجريمة، خصوصًا في حوادث السرقة التي تستهدف المارة لاسيما النساء، حيث يتنقل اللصوص على متنها بسرعة خاطفة، يختطفون الهواتف والحقائب ، ثم يلوذون بالفرار في أزقة ضيقة يصعب تتبعهم فيها.
سوسن عبدالله، إحدى المواطنات اللواتي تعرضن لحادثة سرقة مؤلمة على يد سائق دراجة نارية، أثناء ذهابها إلى البقالة في أحد أحياء شارع الأربعين وسط مدينة الحديدة.
تروي سوسن ما حدث قائلة: "كنت أمشي وبيدي حقيبة فيها مبلغ من المال لشراء العشاء، وكانت زوجة أخي برفقتي، يسير أمامنا ابن أخي وهو يلهو بدراجته الصغيرة. مرّت بجانبنا عدة دراجات نارية، لم يخطر ببالنا أن أحدهم يترقبنا، إلى أن باغتنا فجأة وانتزع الحقيبة من يدي وفرّ بسرعة".
وتتابع: "صرخنا، ونحن نشعر بالهلع، وتجمهر الناس من حولنا، وخرج سكان الحي إلى الشارع، حاول البعض مطاردته، لكن دون جدوى. أكثر ما يؤلمني هو صراخ ابن أخي.كانت الحقيبة تحتوي على مبلغ مالي، وهاتف، بالإضافة إلى جهاز آيباد يخصه، كان يستخدمه للعب".
امام هذا الواقع المتفاقم التي بات يؤرق السكان، توضع علامات استفهام كبيرة حول انتشار هذه الظاهرة في ظل الفوضى وغياب الرقابة، وضرورة إيجاد حلول سريعة لإنهائها أو التخفيف منها على الأقل خاصة وأنها توسعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
حوادث متكررة
في تمام الساعة الثانية والنصف من ظهر يوم 24 أغسطس من العام الماضي، غادر العم عبدالعزيز سوق المقوّت الكائن وسط مديرية الحالي بمحافظة الحديدة وبينما كان يهمّ بعبور شارع شمسان، تفاجأ بسائق دراجة نارية يسير بعكس الاتجاه، وبدلاً من التوقف أو تفاديه، قام السائق بركله بقدمه في محاولة لإبعاده عن مسار الدراجة، ما أدى إلى ارتطام العم عبدالعزيز بالرصيف وإصابته بكسر في مفصل ساقه اليمنى.
تم إسعاف العم عبدالعزيز إلى مستشفى أطباء بلا حدود، كونه الأقرب إلى موقع الحادث، وبعد الفحوصات قرر الأطباء ضرورة إجراء عملية جراحية عاجلة وتركيب مفصل صناعي إلا أن سائق الدراجة النارية لم يتحمل أي تكاليف، وواجهت أسرة المصاب صعوبة في تدبير المبلغ المطلوب للعملية، والذي تجاوز 650 ألف ريال. وبحسب ما أفادت ابنته حليمة فإن الأسرة عجزت عن تغطية التكاليف بسبب أوضاعهم المادية الصعبة، ما اضطر والدها للبقاء طريح الفراش قرابة شهر كامل في انتظار جمع المبلغ.
واضافت لصحيفة النداء:" لم يستطيع ابي أن ينام مستلقيا على ظهره من شدة الالم، ظل طول الفترة جالسا متكئا على عدد من الوسادات التي رصينها خلف ظهره، كان الجو حارا ولم يكن لدينا كهرباء في المنزل سوا مروحة واحدة تعمل بالطاقة الشمسية تتوقف عندما يغيم الجو".
أصبح العم عبدالعزيز معتمدًا على مفصل صناعي، ولم يعد كما كان يتجول في أزقة حارته بخفة وخطى واثقة تحول إلى واحد من عشرات الضحايا الذين دفعوا ثمناً باهظاً لتهور بعض سائقي الدراجات النارية، ممن حوّلوا شوارع المدينة إلى مسرح لحوادث متكررة، أفقدت كثيرين أجزاءً من أجسادهم وصحتهم، وربما أحلامهم.
أبو أمير هو الآخر كان ضحية لحادث مروري أثناء توجهه إلى مكان عمله، حيث استقل دراجة نارية، لكنه في منتصف الطريق تعرض لحادث انقلاب الدراجة التي كانت تقله برفقة السائق بينما نجا السائق بخدوش بسيطة، أصيب أبو أمير بجرح في كوع رجله اليمنى استدعى خياطته، واستمرت معاناته من مضاعفات الإصابة لثلاثة أشهر متتالية.
ويقول: "لم أتمكن من الذهاب إلى المحل، وبقيت أعاني خاصة مع ارتفاع درجة الحرارة وعدم وجود تكييف هذه ليست المرة الأولى التي أتعرض فيها لحادث، فقد سبق أن وقعت في حادثين آخرين، أحدهما أثناء ذهابي إلى السوق، حين داهمتني دراجة نارية فجأة، وطرحتني أرضًا، وأصيبت إحدى كليتاي جراء ذلك".
قال الناشط المجتمعي محمد فارع إن تزايد الحوادث المرورية في الحديدة يعود بشكل رئيسي إلى إهمال وسائل السلامة من قبل غالبية سائقي الدراجات النارية، مشيرًا إلى أن "بعض الدراجات تسير دون كشافات أمامية، فيما يقود البعض الآخر بسرعات مفرطة وغير مسؤولة، ما يعرض حياتهم وحياة الآخرين للخطر".
وأضاف فارع: "من الضروري تكثيف حملات التوعية والتثقيف لهؤلاء السائقين، ليس فقط لحمايتهم، بل لحماية المارة والأسر من الأذى الذي قد يتسببون به بسبب طيشهم أو جهلهم بقواعد السلامة".
مصدر إزعاج
لم تقتصر معاناة سكان مدينة الحديدة على الحوادث المرورية التي تتسبب بها الدراجات النارية، بل تجاوزتها إلى مصدر إزعاج وقلق دائم إذ يعمد بعض سائقي هذه الدراجات إلى القيام بحركات متعمدة تصدر عنها أصوات مزعجة تشبه صوت التصادم، بهدف لفت الانتباه أو الاستعراض، دون اكتراث لما تسببه من أذى نفسي للمواطنين.
وباتت هذه الظاهرة تؤرق الأهالي، خاصة في السنوات الأخيرة، في ظل غياب الرقابة وغياب أي رادع حقيقي يحد من هذه التصرفات العبثية ويتضاعف الإزعاج خلال ساعات الليل المتأخرة، حيث يتسبب الضجيج المفاجئ بإفزاع الأطفال وكبار السن، خصوصًا أولئك الذين يلجأون إلى النوم فوق أسطح منازلهم هربًا من حرارة الغرف الخانقة في فصل الصيف.
وهو ما أكده المحامي في محافظة الحديدة منصور البدجي والذي قال :"انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة يقودها بعض سائقي الدراجات النارية الطائشين، ممن يمارسون سلوكًا همجيًا يستهدف ترويع المواطنين، حيث يتعمدون ترك أصابع ال بلاك مرتخية على مركباتهم، وتركيب شكمانات خاصة تصدر أصواتًا مدوية تشبه طلقات الرصاص.
ويضيف :"
ما يثير القلق أكثر هو تعمد هؤلاء السائقين إطلاق تلك الأصوات المفزعة قرب المارة، خاصة النساء والأطفال، بل وعند تجاوزهم للسيارات، بطريقة تجعل من يسمع الصوت يعتقد أنها محاولة اغتيال أو حادث إطلاق نار حقيقي. إنها تصرفات لا تُغتفر ولا يُمكن السكوت عنها".
ويتابع:"ومن هذا المنطلق، نطالب إدارة أمن محافظة الحديدة، والضبط المروري، بالتحرك الفوري والحاسم لضبط هؤلاء المتهورين، ومصادرة دراجاتهم، وتوقيع أقصى العقوبات بحقهم، كون ما يقومون به يُعد جريمة ترويع للمجتمع، ويهدد السلم العام ويقوّض الشعور بالأمان في المدينة".
تحرش
تتحدث عدد من الفتيات من محافظة الحديدة لصحيفة "النداء" عن تعرضهن لحالات تحرش من قِبل سائقي الدراجات النارية، مشيرات إلى أن كثيراً من هؤلاء يستغلون الأزقة والشوارع الفرعية والأحياء السكنية التي تقل فيها الحركة وتغيب عنها أعين الناس، لتنفيذ أفعالهم.
وبحسب شهادات الفتيات، فإن التحرش لا يقتصر على الألفاظ البذيئة، بل يمتد إلى تحرش جسدي، حيث يتعمد بعض السائقين ملامسة أجساد النساء أثناء مرورهم أو سحب جزء من ملابسهن، ما يضاعف من الأذى النفسي والجسدي الذي يتعرضن له.
وتؤكد بعضهن أن هذه الظاهرة ليست جديدة، بل ممتدة منذ سنوات طويلة دون وجود رادع قانوني أو مجتمعي فعال يحد من انتشارها. وتقول أخريات إن الخوف من ردود فعل أسرهن، أو من المشاكل التي قد تنشأ في حال كان المعتدي معروفًا في الحارة، يمنعهن من الإفصاح عما يتعرضن له.
مصدر دخل للمعوزين.
قال الناشط الاجتماعي والحقوقي في محافظة الحديدة، أحمد بلعوص عتيق، إن الدراجات النارية تمثل مصدر دخل أساسي للعديد من الأسر في المحافظة وفي مدن يمنية أخرى، حيث يعتمد عليها الكثيرون كمصدر رزق وحيد.
لكن عتيق أشار إلى أن هناك من يستخدم هذه الوسيلة في أنشطة تتنافى مع القيم والعادات والتقاليد، مثل التحرش، والسرقة، وأعمال البلطجة، ما يؤدي إلى تهديد السكينة العامة وإقلاق راحة السكان.
وأضاف:
"لانه لا يمكننا القول إن جميع سائقي الدراجات النارية يشكلون خطراً على المجتمع، فهناك أسر بأكملها تعتمد على دخل هذه الدراجات، لكن في الوقت نفسه، لا بد من ضبط المخالفين واتخاذ إجراءات صارمة بحق من يسيء استخدامها، سواء عبر التصرفات اللامسؤولة أو استغلالها في أعمال خارجة عن القانون".
يتفق معه محمد فارع وهو ناشط مجتمعي من الحديدة والذي يقول:" إن التصرفات التي يقوم بها بعض سائقي الدراجات النارية في المدينة لا تعكس المسؤولية، بل هي سلوكيات ناتجة عن طيش ومراهقة وغياب للوعي المجتمعي، مؤكداً أن "الكثير منهم لا يعيلون أسرًا ولا يعتمدون على الدراجة كمصدر رزق، بل يستخدمونها للتباهي، وافتعال الفوضى، وإقلاق راحة الناس".
مؤكدا: "هذه التصرفات تسيء إلى الصورة العامة لمن يستخدمون الدراجات كمهنة شريفة لإعالة أسرهم".