الحمدي وحقيقة اغتياله

المتتبع لوقائع حادث اغتيال الرئيس إبراهيم محمد الحمدي سيصل إلى نتيجة مفادُها أن الاغتيال لم يكن حادثًا عرضيًا، أو مجرد صراع جماعات يمنية على السلطة، بقدر ما كان للخارج اليد الطولى في اغتياله، وأولهم الشقيقة السعودية.
تحكي روايات صعود الحمدي على رأس السلطة عن اتفاق تمَّ بين السعودية والأطراف القبلية في الداخل اليمني بإبعاد القاضي الإرياني، كون السعودية لم تكن على وفاق معه؛ لأنه قرَّب البعثيين والشيوعيين منه، وجعلهم يتوغلون في مراكز اتخاذ القرار.
لقد قررت السعودية، بمعية حلفائها من مشايخ قبائل حاشد وبكيل، أن تزيح القاضي الإرياني من الرئاسة، وتسلم السلطة لقيادة الجيش ممثلة بالعقيد إبراهيم محمد الحمدي، الذي أدار العامين الأخيرين من فترة رئاسة الإرياني باقتدار، حين أوكلت إليه رئاسة «لجنة الإصلاح السياسي»، مما جعل كل القوى داخل اليمن تؤيد اختياره رئيسًا لليمن.
كانت السعودية تثق ثقة مطلقة باقتراب الحمدي منها، وأنه سيسير في فلكها، وهو ما لم يحدث منذ الأيام الأولى لإعلان الحمدي عن انقلابه الأبيض ضد القاضي الإرياني.
جرت مراسيم توديع الرئيس القاضي الإرياني من مطار تعز، ليذهب إلى دمشق بموجب اتفاق مسبق مع الشيخ عبد الله الأحمر -رئيس مجلس الشورى-، والأستاذ أحمد محمد نعمان -عضو المجلس الجمهوري-، والشيخ سنان بن عبد الله أبو لحوم -محافظ لواء الحديدة في تلك الحقبة-. وكان هؤلاء قد اتفقوا مع الحمدي أن تكون قيادة الجيش والأركان للضباط من بيت أبو لحوم، الذين كانوا في عهد الإرياني قادة لثلاث وحدات عسكرية وفي قيادة لواء تعز، بالإضافة إلى تسليم رئاسة الأركان للشيخ مجاهد أبو شوارب، إلا أن الأمر لم يتم كما خُطط له؛ فقد عاد الحمدي من تعز بعد وداع القاضي الإرياني المتوجه إلى دمشق كمنفىً له، بحسب الاتفاق المومأ إليه، والمفضي إلى ما سُمِّي فيما بعد بـ «حركة 13 يونيو التصحيحية».
في ذلك المساء، أعلنت إذاعة صنعاء عن عدة قرارات تم فيها إزاحة أبو شوارب وآل أبو لحوم من القيادات العسكرية، وتعيينهم سفراء في الخارج، وتم تعيين الرائد عبد الله عبد العالم السقاف عضوًا في مجلس القيادة وقائدًا لقوات المظلات، وتعيين المقدم أحمد الغشمي رئيسًا للأركان وعضوًا في مجلس القيادة، وسُلِّمت وحدات الجيش وقيادتها لضباط جدد، كما سُلِّمت قيادة لواء تعز للرائد علي عبد الله صالح، الذي تحكي الروايات أن الحمدي كان قد أوكل إليه مهمة القضاء على تمرد قاده المقدم درهم أبو لحوم -قائد لواء تعز حينها- في المحافظة؛ فاستطاع صالح ومن معه من سلاح الدروع اقتحام مقر القيادة، والاتصال بالحمدي بعد ذلك، وتمكنهم من القضاء على ذلك التمرد خلال ساعات.
كافأ الحمدي علي عبد الله صالح بتعيينه قائدًا للواء تعز، وتحكي الروايات أن الحمدي أطلق على صالح لقب «تيس الضباط»، وأصبح مقربًا منه.
وتحكي الروايات التي لم يتم التأكد من صحتها أن العراق وفرنسا كانتا على علاقة بمقتل الحمدي، حيث وردت أخبار أن الفتاتين الفرنسيتين أرسلتهما المخابرات الفرنسية كعارضات أزياء، وأن مطار بغداد الدولي استقبلهما قبل التوجه إلى اليمن.
وهناك من يتهم فرنسا بالضلوع في مقتل الحمدي، بدليل صمت الحكومة الفرنسية عن التحقيق في مقتل الفتاتين الفرنسيتين، وعدم إصرارها على إجراء تحقيق بشأنه، حيث جاء اغتيال الفتاتين في صنعاء بالتزامن مع اغتيال الحمدي وأخيه، وهو ما جعل الكثير من المتابعين للحادثة يتكهنون ويتهمون المخابرات الفرنسية بالمشاركة والضلوع في الجريمة.
وبتقريب الحمدي أحمد الغشمي وجعله نائبًا له، وتمكين علي عبد الله صالح بتعيينه قائدًا للواء تعز، كان الحمدي يطوي -دون أن يشعر- حبل المشنقة حول عنقه.
صرح صالح قبل أيام من مقتله على يد حلفائه الحوثيين، لـ«قناة اليمن اليوم»، بأن السعودية هي من قامت باغتيال الحمدي، وأشار إلى وجود فيديو مصور لدى الملحق العسكري السعودي صالح الهديان يوثق لحظة اغتياله، وقد نفت السعودية هذه التصريحات حينها.
وصرح القاضي السياغي -رئيس لجنة التحقيق في قضية مقتل الحمدي- حين سأله الصحفيون في الفترة الأخيرة، بأن ملف اغتيال الحمدي لم يُفتح منذ إصدار القرار بتعيينه رئيسًا للجنة التحقيق، وأنه لم يتمكن هو واللجنة المكلفة بالقضية تحت إشرافه من إنجاز المهمة، وظلت القضية مقيدة ضد مجهول، ولم تُنجز مهمة محاكمة قتلة الحمدي حتى يوم الناس هذا.