ثورة أكتوبر
هلت علينا اليوم الثلاثاء ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر.
هذه الثورة التي كان آباؤنا وأجدادنا أكثر فرحًا بها، فهم يرون أنها الخلاص من ذلك الاحتلال البغيض.
اثنان وستون عامًا انقضت من عمر هذه الثورة.
هذه العقود الطويلة من الزمن مرت علينا بمرارة، ولم نستفد منها شيئًا.
فحتى من ادعوا أنهم ثوار هذه الثورة، وكانوا زعماء البلاد في ما بعد، كانوا للأسف الشديد أدوات بأيدي الآخرين، فمرت كل مراحل حكمهم نكبات ومؤامرات في ما بينهم البين، ولم ينتبهوا لهذا الشعب الذي يكتوي بخيباتهم المتواصلة، فما إن نخرج من منزلق خطير حتى يعيدونا لما هو أسوأ منه.
خطوات تصحيحية تزهق فيها أرواح، ويروح ضحيتها بعض رفقاهم ممن لم يتوافقوا معهم في النهج والتوجه السياسي.
مؤامرات تلو مؤامرات، ولعلنا هنا نذكر مجزرة الثالث عشر من يناير 86م، تلك المجزرة التي تركت التبعات والآلام الكثيرة، وخسرنا فيها كوادر وكفاءات لا تقدر بثمن.
كل من ينظر لحالنا منذ أول يوم للتحرير الذي أوهمونا به، وحتى هذه اللحظة، سيعرف هذا الناظر أن كل هذه السنين لم تكن ذات فائدة للشعب، بل إنها سنوات تأخرنا للخلف، والمفترض أن نتقدم حتى خطوات بسيطة للأمام.
دول كثيرة من حولنا نالت استقلالها بعدنا بفترات، وها هي كما نرى نهضت بسواعد أبنائها وزعمائها المخلصين، على خلاف ما لدينا من زعماء.
لا يأخذكم النظر لبعيد، انظروا لدول الجوار التي على مقربة منا، كيف كانت من قبل، وكيف أصبحت الآن.
لا أحد يحدثنا عن ثرواتهم النفطية، ويقول إنهم يمتلكون النفط والغاز، وهذا ما يجعلهم هكذا في نعيم العيش، وفي تقدم ورقي متواصل.
كل هذا الكلام مردود عليه، فنحن حتى من دون نفط وغاز لدينا موارد كثيرة، وأولها الموارد البشرية من رؤوس الأموال التي تم طردها ولم يتم الاستعانة بها للمشاركة الفعالة في تطوير البلد.
مع أن لدينا خيرات كثيرة بحرية لا يضاهينا أحد في ثرواتنا البحرية، وموانئ تعتبر من أفضل الموانئ، ومنها ميناء عدن.
مناطق أثرية في كل مكان من البلاد. بل إن بلدنا يتكئ على حضارات موغلة في القدم، حضارات ذكرت في التوراة والإنجيل وفي القرآن الكريم.
نتحسر لحد البكاء ونحن هكذا وكأننا وجدنا لنذوق أصناف العذاب، وليس لنا نصيب من الراحة.
في كل منطقة من مناطقنا الكل يتحدث بألم شديد على تردي الخدمات، خصوصًا الخدمات الضرورية لإبقائنا على قيد الحياة، الكهرباء، المياه، الصحة، الطرقات، التعليم... كل هذه الخدمات مازال البحث عنها متواصلًا، والناس من حولنا قد نسوا وتناسوا الحديث عنها، ونحن في عذاب وجحيم لا يطاق معها.
إن كان التحرير بهذا العذاب، فهو غير مرحب به، وهو غير مرغوب.
فمرحبًا بالمحتل الذي سيقدم الخدمات، وسيطور البلد، وليس تشدقًا ووعودًا كاذبة وكلامًا فضفاضًا لا يسمن ولا يغني من جوع.
كثيرًا ما نرى تفاخر البعض بأننا الأوائل في أشياء كثيرة؛ الرياضة والفن والسينما والمسرح والتلفزيون، وكل ما يتفاخر به هؤلاء البعض، هو في الأصل قدمه ذلك المحتل الذي يقولون إنهم طردوه، ويا ليت لم يطردوه إلى أن يكمل باقي أعماله.
مع أنه -أي المحتل- قدم الكثير، ولم يحسنوا التعامل مع ما قدمه بالمحافظة عليه، بل إنه تم تدمير كل ما تركه، ولم يبقَ إلا تغني البعض بأنهم الأوائل، والبقية من بعدهم، ومن بعدهم تخطاهم، ولم يترك لهم إلا ذلك التغني الهزيل.