11 أكتوبر في كل عام، يوم حزين في تاريخ اليمن

في الذكرى الـ48 لاغتيال الرئيس / إبراهيم بن محمد الحمدي، يوم 11 أكتوبر 1977م، في منزل نائبه ورئيس الأركان العامة (أحمد حسين الغشمي)، بناءً على دعوة مقدَّمة له لتناول مأدبة الغداء مع بعض المسؤولين، إذ تم استقباله واصطحابه مباشرةً من بوابة المنزل إلى إحدى الغرف الجانبية في كمين نُصب له، ليجد القتلة أمامه، وكذا جثة شقيقه المقدم (عبدالله الحمدي) قائد لواء العمالقة، مسجاة في قاعة الغرفة.. فلم يُمهلوه ليسترد أنفاسه، بل أجهزوا عليه كالذئاب على فريستها، ثم نقلوا الجثتين إلى مكان آخر لتغطية آثار الجريمة بأخبار مضللة للرأي العام.
وللإحاطة علمًا، إن المقدم / عبدالله الحمدي، قائد لواء العمالقة، استُدرج وقُتل خارج المنزل، وأُحضرت جثته إلى وكر المؤامرة قبل وصول شقيقه الرئيس إبراهيم الحمدي.
حقيقة الأمر، إن اليمن في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي (13 يونيو 1974م – 11 أكتوبر 1977م)، شهد نهضة حديثة في جميع المجالات، الخارجية والداخلية، تمثلت في تحرير القرار اليمني من التبعية، وانتهاج سياسة التصحيح كأُسلوب شامل للقضاء على الفساد، والحد من سلطات المشايخ وعساكرهم في شؤون الدولة، وتشجيع التعاونيات التي أثمرت بإصلاحات في الأرياف والمدن والمحافظات، وإشراك القطاع المختلط والخاص في العملية التنموية، وتشجيع الاستثمار داخليًا وخارجيًا، واعتماد أول خطة تنموية، وزيادة الاحتياطي النقدي لليمن من العملات الصعبة في صندوق النقد الدولي، والعمل بمبدأ الكفاءة في الوظيفة العامة، والمشاركة في السلطة والثروة، والقضاء النزيه، والعدالة، والمساواة، والحرية المنضبطة، والاتفاق على قيام الوحدة اليمنية مع أخيه الرئيس (سالم ربيع علي – رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة مع الدول الأخرى تقوم على الاحترام المتبادل، وسيادة الدول على أراضيها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ناهيك عن موقف اليمن الثابت مع حق الشعب الفلسطيني في استعادة أراضيه المحتلة من العدو الإسرائيلي، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها (القدس الشرقية).. هذا غيض من فيض.
في واقع الأمر، كان الجزاء مأساويًا، تمثّل في اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي قبل سفره بساعات قليلة إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الشطر الجنوبي من الوطن) لإعلان قيام الوحدة اليمنية مع أخيه الرئيس (سالم ربيع علي).
حقًا، إن اغتيال الرئيس (إبراهيم الحمدي) يُعتبر اغتيال وطن بمؤامرة خارجية وتنفيذ داخلي.
الغريب في الأمر، إن القضاة ما فتئوا يبحثون منذ يوم 11 أكتوبر 1977م عن المزيد من المعلومات والدلائل حول منفذي الجريمة المشينة حتى يصدروا الحكم، فيا قضاة اليمن، إن "عين الشمس لا تُغطّى بغربال".
وفي هذا الصدد، استحضرت مشهدًا تاريخيًا مماثلًا قدّمه الكاتب الدرامي العبقري (ويليام شكسبير) في رائعته مأساة يوليوس قيصر، مستلهمًا من التاريخ اغتيال القائد الروماني (يوليوس قيصر) من قبل رفاقه في (الكابيتول – روما) مركز المدينة الديني والسياسي، قائلًا عبارته الشهيرة لأقرب أصدقائه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة: "حتى أنت يا بروتس!"
قَمين بالذكر، إن اغتيال الرئيس (إبراهيم الحمدي) سيظل وصمة عار على جبين منفذي الجريمة الشنعاء.
ومن هذا المنطلق، فبدلًا من أن تكون العدالة سندًا لكشف الحقيقة الماثلة أمام المجتمع لينعم جرّاءها بالأمن، والأمان، والطمأنينة، إلا أن القضاة حادوا عن جادة الحق، بذريعة أنهم لا يملكون معرفة أو أدلة بأسماء منفذي جريمة الاغتيال. والسؤال الذي يطرح نفسه: أين العدالة يا سماحة القضاة؟
وفي السياق نفسه، لم يمضِ حول واحد على الاغتيال، وإذا بالرئيس الخلف (أحمد الغشمي) يُلقي مصرعه. والسؤال الذي يطرح نفسه أيضًا: من هو القاتل؟ إن المؤشرات التي حيكت حول مقتله – حسب مراقبين – تُعتبر استخباراتية بامتياز، فالمخططون والمنفذون أجادوا التمثيل، وأحكموا الدور.
مسك الختام، يسعدني أن أستشهد ببيتين من الشعر للإمام الشافعي – رضي الله عنه – للعبرة:
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب
ونأكل بعضنا بعضًا عيانًا.