صنعاء 19C امطار خفيفة

عصر ما بعد نوبل

تداول الكثيرون في الأيام الأخيرة، كالعادة، مسألة أدونيس وجائزة نوبل للأدب. هذا الجدل السنوي أصبح أشبه بطقسٍ ثقافي متكرر؛ يشتعل موسم نوبل في كل أكتوبر من كل عام، فيعود البعض لإعلان تمنّيهم فوز الشاعر العربي بها، بينما يرى آخرون أنها مناسبة لمهاجمته أو للتقليل من قيمته الأدبية.

بالنسبة لي، لم أعد أهتم كثيرًا بما يتعلق بنوبل منذ سنوات طويلة. لا يهمني إن حصل عليها أدونيس أم لم يحصل، لأنني أؤمن، دون أي تردد، أننا دخلنا عصرًا جديدًا؛ عصر ما بعد نوبل بعد أن فقدت الجائزة مكانتها الرمزية التي كانت تتمتع بها في القرن العشرين.
لقد تآكلت قيمة الجائزة تدريجيًا لأسباب كثيرة، أبرزها تحوّلها في بعض الأحيان إلى أداة سياسية فجة تُمنح وفق حسابات تتجاوز المعايير المعروفة للجائزة. أحيانًا تفوز شخصيات في مختلف الحقول بالكاد تقترب من مستوى المنافسة الحقيقي، بينما يُهمَّش كتّاب وعلماء ومناضلين من الصف الأول أحدثوا تحولات عميقة في مجالات نشاطهم.
هذا العام مثلاً، ذهبت الجائزة في حقل الأدب إلى الكاتب المجري لاسلو كراسنهوركاي، الحاصل سابقًا على جائزة البوكر عام 2015. مجرّد خبر، مرّ بضجيجه المعتاد ثم سيختفي. ربما أهم ما يمكن أن نفعله حيال هذا الخبر هو البحث عن كتب لاسلو أولاً ومحاولة قراءة بعضها ثانياً، وهو ما لا يحدث في كثير من الأحيان.
أعود لأتأمل معنى جائزة نوبل نفسها: ماذا لو لم يكن نجيب محفوظ قد فاز بها؟ هل كانت ستقلل من مكانته أو من جمال ما كتب؟ بالتأكيد لا. الجائزة زادت من شهرته، لكنها لم تضف شيئًا إلى عمق تجربته الأدبية. الأمر نفسه ينطبق على عشرات من الفائزين، ومئات من العظماء الذين لم ينالوها. هل خسر جيمس جويس أو تشيخوف أو كالفينو وغيرهم الكثير الكثير شيئًا بعدم فوزهم؟ هل فقد سارتر شيئًا حين رفضها قائلاً ببساطة: "لا أريد أن أتحول إلى مؤسسة"، أو تولستوي الذي كان يقول إن الجوائز الأدبية "تُفسد روح الإبداع"؟ وهل كنا سنتوقف عن الاندهاش أمام روايات غابرييل غارسيا ماركيز لو لم ينلها؟

الكلمات الدلالية