صنعاء 19C امطار خفيفة

النهضة تبدأ من الداخل: حين يُصبح الإنسان مشروع مجتمع

ما معنى أن ينهض المجتمع؟

هل تعني النهضة بناء مزيد من الطرق والمباني؟ أم زيادة الناتج المحلي؟ أم أن النهضة الحقيقية تبدأ من مكان أعمق بكثير... من داخل الإنسان نفسه؟
كثير من محاولات "التنمية" في العالم، ومنها في اليمن، بدأت من الخارج: مشاريع ضخمة، خطط اقتصادية، مساعدات دولية. لكنها لم تُحدث تحوّلًا جوهريًا لأنها تجاهلت العنصر الأساسي في أية نهضة: الإنسان.
ليس باعتباره مستهلكًا للنتائج، بل فاعلًا فيها، مشاركًا في صناعتها، وشريكًا في توجيهها.
إذا لم يكن التعليم وسيلة لتكوين الإنسان القادر على المشاركة بوعي ومسؤولية، فما جدواه؟
وإذا لم تتحول المعرفة التي نكتسبها إلى أفعال تُحسّن حياتنا وحياة من حولنا، فما فائدتها؟
السؤال الأهم الآن هو: ماذا بعد اكتشاف الذات؟ إلى أين يجب أن تتجه هذه الطاقات؟
الجواب باختصار: إلى المجتمع.
حين يتحرر الإنسان من الجهل والخوف، ويكتشف أنه ليس عاجزًا، بل قادر، يتغير موقفه من الحياة. لا يعود متلقيًا سلبيًا، بل يرى نفسه جزءًا من الحل، لا مجرد متأثر بالمشكلة.
في هذا التحول تبدأ النهضة الحقيقية: من الداخل، من الفرد الذي يُغيّر رؤيته لدوره، ويتحوّل من "مطالب" إلى "مُبادِر".
لدينا في اليمن أمثلة عديدة على ذلك، وإن بدت صغيرة لكنها تحمل دلالات عميقة.
هؤلاء لم ينتظروا السياسات أو التمويل أو التصريحات. فقط أدركوا أن بإمكانهم أن يفعلوا شيئًا، ففعلوا.
وربما هذا هو جوهر كل نهضة: أن يؤمن الإنسان بأنه يستطيع، ثم يربط هذا الإيمان بالعمل.
لكن هذا لن يتحقق إلا إذا تغيّرت نظرتنا لغاية التعليم والتربية.
يجب أن ننتقل من تعليم يُهيّئ الفرد لسوق العمل فقط، إلى تعليم يُهيّئه للحياة.
أن نربّي أطفالنا على السؤال لا الخوف، على المشاركة لا الانسحاب، على رؤية أنفسهم جزءًا من مجتمع يحتاج إليهم، لا عبئًا عليه.
النهضة تبدأ من الداخل، لكنها لا تنتهي هناك.
هي تبدأ بإدراك الذات، وتكبر بالتعلم، وتنضج حين يتحول هذا الإدراك إلى مشاركة مجتمعية واعية.
وهذا لا يتطلب ثروات ولا انتظار قرارات عليا، بل يتطلب فقط إنسانًا مستنيرًا يرى في نفسه مسؤولية، لا ضحية.
حين يرى الإنسان نفسه شريكًا في بناء وطنه، لا مجرد متفرج، تبدأ النهضة.
وحين يصبح التعليم مشروعًا لاكتشاف الإنسان وتمكينه، تصبح المجتمعات قادرة على النهوض رغم الفقر والصراع.
فالمستقبل لا يُصنع بالانتظار، بل بالفعل.
النهضة الحقيقية تبدأ من داخل كل فرد يؤمن أن له دورًا في التغيير.

الكلمات الدلالية