صنعاء 19C امطار خفيفة

السياحة العلاجية بين المصطلح العلمي وسوء الفهم العام

اطلعتُ اليوم على مقالٍ للصحفي الكبير الأستاذ ناجي الحرازي، تناول فيه الندوة التي نظمتها سفارة الجمهورية اليمنية بالقاهرة، بعنوان «السياحة العلاجية ودورها في تعزيز العلاقات الاقتصادية». وقد أبدى استغرابه من استخدام هذا المصطلح في سياق الحديث عن معاناة المرضى اليمنيين، معتبرًا أنه لا يتناسب مع الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها أبناء اليمن في الداخل والخارج.

ومع تقديري لغيرته الوطنية واهتمامه بقضايا الناس، فإن المقال انطلق من فهم غير دقيق للمفهوم العلمي للسياحة العلاجية، إذ اختزلها في معناها الشعبي المرتبط بالفسحة والمتعة، متغافلًا عن أبعادها الإنسانية والاقتصادية التي تُعتمد عالميًا، والتي لا تتعارض مطلقًا مع معاناة المريض أو حاجته للعلاج.
السياحة العلاجية لا تعني الترفيه، بل تُشير إلى انتقال المريض من بلده إلى دولة أخرى لتلقي علاج طبي تتوافر فيه إمكانيات أو خبرات غير موجودة محليًا. وهي منظومة معترف بها في تقارير منظمة الصحة العالمية والهيئات الدولية المعنية بالصحة والسياحة، وتعكس تعاونًا منظمًا بين الدول لتيسير رحلة المريض، بدءًا من التأشيرة ووصولًا إلى الرعاية اللاحقة بعد العلاج.
إن المريض اليمني الذي يسافر إلى مصر بحثًا عن العلاج لا يخرج عن هذا الإطار، بل هو نموذج حيّ له. والفرق الجوهري أن هذه الرحلة، حين تُدار عبر منظومة رسمية واضحة، تصبح أكثر أمنًا وكرامةً وعدلًا، وتحمي المريض من فوضى الوسطاء والاستغلال التجاري.
لقد أصبحت مصر اليوم الوجهة الأولى للعلاج في العالم العربي بفضل بنيتها الطبية المتقدمة وكفاءاتها المهنية العالية وتكاليفها المعقولة، وقد فتحت أبوابها منذ سنوات أمام المرضى اليمنيين، فوجدوا فيها امتدادًا طبيعيًا لوطنهم ورعايةً إنسانية تجمع بين الطب والتكافل.
وفي هذا السياق، تأتي الندوة التي نظّمتها السفارة كمبادرة تستحق التقدير، إذ جمعت نخبة من كبار الخبراء والأطباء اليمنيين والمصريين الذين أثروا الحوار بمداخلاتهم العلمية الغنية. ويُحسب لسعادة السفير الدكتور خالد محفوظ بحاح اهتمامه المباشر بهذا القطاع الحيوي، وحرصه على أن تكون الندوة منطلقًا لحوار مؤسسي حول واقع المرضى اليمنيين في مصر، كما يُشكر فريق السفارة، وفي مقدمتهم الملحقان الطبي والإعلامي، على تنظيم فعالية بهذا المستوى من الرصانة، تعكس إدراكًا عميقًا لأهمية بناء جسور تعاون صحي وإنساني بين البلدين الشقيقين.
إن الحديث عن السياحة العلاجية في ظل الأزمات لا يُعد ترفًا، بل هو استجابة واقعية لحاجة إنسانية فرضتها الظروف ذاتها. فالخلط بين هذا المفهوم والسياحة الترفيهية يظلم الحقيقة، ويختزل فكرة نبيلة تجمع بين الطب والرحمة والتنمية المستدامة.
في الختام، تبقى السياحة العلاجية حقًا إنسانيًا منظمًا يضمن للمريض علاجًا كريمًا، وللدول تبادلًا صحيًا واقتصاديًا يخدم الإنسان قبل أي شيء آخر. والنقاش حولها يجب أن يرتقي إلى مستواه العلمي والعملي، لأن إنقاذ حياة إنسان أسمى من أي جدلٍ لغوي أو تأويلٍ اجتماعي.
أستاذ علم الدم ونقل الدم وخبير السياحة العلاجية

الكلمات الدلالية