التعليم الذي يُطلق الطاقات ويزرع الثقة
لماذا يخرج كثير من طلابنا من المدارس وهم يفتقرون للثقة بأنفسهم؟
لماذا يشعر الشاب/ة، بعد سنوات من التعليم، أنه غير مؤهل للحياة؟
هل المشكلة في قدراته، أم في نوع التعليم الذي تلقّاه؟
الحقيقة التي باتت واضحة في تجارب كثيرة، داخل اليمن وخارجه، أن التعليم لا ينجح إذا كان هدفه فقط هو حفظ المعلومة وتكرارها. التعليم الناجح هو ما يُحرّر الإنسان من الخوف، من الجمود، ويفتح أمامه أبواب التفكير والإبداع والعمل.
لكن واقع التعليم في اليمن اليوم، في كثير من جوانبه، يعاني من اختزال للهدف.
تحوّل التعليم إلى سباق للحصول على درجات، إلى صراع من أجل تجاوز الامتحان، لا من أجل فهم الحياة.
وغابت فيه المساحات التي تتيح للطالب أن يُعبّر عن رأيه، أن يُخطئ ويتعلم، أن يبادر ويجرب، أن يُنصت ويُسهم.
هذا النوع من التعليم -الذي يُكرّس التلقين بدل الفهم، ويكافئ الحفظ على حساب الإبداع- لا يصنع إنسانًا مبدعًا، بل يقيّده دون أن يدري.
يقضي الطالب أعوامًا في صفوف المدرسة والجامعة، لكنه لا يُسأل قط: "ما رأيك؟ ماذا ترى؟ ما اقتراحك؟"، بل فقط: "ما الجواب الصحيح؟".
هكذا يُنتَج جيل يُجيد التكرار، لكنه يتردد في المبادرة. يُجيد الشكوى، لكنه لا يرى نفسه جزءًا من الحل.
وهذا ما يجعل كثيرًا من الطاقات الشابة في اليمن تبدو كأنها مكبّلة، رغم ما تحمله من إمكانيات.
في المقابل، التعليم الحقيقي، كما أثبتت تجارب تربوية عديدة، هو الذي يُعلّم الطالب أن يكون فاعلًا في بيئته، لا متلقيًا سلبيًا.
هو الذي يُشجّعه على أن يسأل الأسئلة الصعبة، ويبحث عن إجابات من واقعه، ويُدرك أن المعرفة ليست محفوظة في كتاب، بل تُبنى بالتفاعل مع الناس والمجتمع والحياة.
لدينا في اليمن مبادرات شبابية وتعليمية صغيرة أثبتت هذا المعنى. برامج خارج المنهج تُنمّي مهارات الحياة والتفكير، وتشرك الطلاب في أنشطة تطوعية، وتربط بين ما يتعلمونه وما يعيشونه.
لكن التغيير الحقيقي يحتاج إلى ما هو أبعد من المبادرات الفردية. نحتاج إلى أن نُعيد تعريف التعليم في وعينا الجمعي:
أن نراه كأداة لإطلاق الطاقات وزرع الثقة.
أن نُقدّر التفكير النقدي بقدر ما نُقدّر الامتحان.
أن نمنح المعلم مساحة ليكون مُلهِمًا، لا مجرد منفّذ لمنهج مفروض.
إذا أردنا أن نطلق طاقات الإنسان اليمني، فعلينا أن نراجع نوع التعليم الذي نقدّمه له.
فالتعليم إما أن يكون قيدًا جديدًا نضعه في عنقه، أو مفتاحًا نضعه في يده.
والفرق بين الاثنين، يبدأ بنظرتنا نحن إلى معنى التعليم.