للمرة الثانية…

الأولى ذلك اليوم عند الثالثة عصرًا:
إليكم نشرة أخبار الثالثة من صنعاء، إذاعة الجمهورية العربية اليمنية:
"مقتل المدعو عبدالرقيب عبد الوهاب." ويومها، ولأنه كان ملء أسماعنا في البيت والمدرسة والشارع - يومها كنت في مدرسة ناصر الابتدائية بتعز -، واسمه يداعب خيالنا، بكيت بحرقة… وزادت حُرقتي وصف الخبر للرجل بـ: "المدعو"، وكأنه نكرة!!
مرَّ والدي بجانبي متجهًا إلى خارج البيت، وكنت أخشاه كثيرًا، لكنني قلتها لعلمي من سماعه مع أصدقائه أنه يحب عبدالرقيب:
يا أبي، قتلوا عبدالرقيب.
توقف:
وأنت أيش عرفك؟
كان يدري أنني أعشق الراديو، ويوم يخطب جمال عبدالناصر أرفع الصوت إلى عنان السماء، فلا يعترض، ويحدث أصدقاءه عما أفعل، وأحس بإعجابه للفعل...
قلت:
سمعت من نشرة الأخبار.
توقف كأنما التصق بالأرض، وبعد دقائق بدت طويلة جدًا، عاد إلى داخل البيت.
لمحتهما تتدحرجان على خديه، وهو الذي لم يبكِ قبلها إلا مرة واحدة، عندما توفيت أم أخي عبدالناصر...
ظللت لأيام وأنا مقهورًا ويستبيحني الألم...
هي المرة الثانية أبكي.
فقد أبلغني نجلي حسام أنهم اغتالوا أفتِهان المشهري - شقيقها صديقه العزيز -.
صمتُّ ولم أنبس ببنت شفة، كما يُقال...
دمعتان تدحرجتا على خدي.
كتبت يومها ما أسعفتني قدرتي على كتابته:
"قهر… والله قهر."
لم أستطع قول كلمة إضافية.
الآن وأنا أتأمل في صورتها "أفتهان المشهري"، استطعت قول هذه الأحرف:
سلام على روحك… سلام عليك وقد كبرتِ على معظم الذكور.