صنعاء 19C امطار خفيفة

قراءة في ذكرى يوم وفاة الزعيم جمال عبدالناصر 28 سبتمبر 1970م وإنجازاته

قراءة في ذكرى يوم وفاة الزعيم جمال عبدالناصر 28 سبتمبر 1970م وإنجازاته

أولًا: ذكرى يوم وفاة الزعيم جمال عبدالناصر طيب الله ثراه

يطيب لي بمناسبة ذكرى يوم وفاة الزعيم جمال عبدالناصر -طيب الله ثراه- أن أقدم معلومات موجزة عن دعمه للقضية الفلسطينية، والثورات العربية والإفريقية.
فبعد اجتماع الجلسة الأخيرة لمؤتمر القمة العربية في 28 سبتمبر 1970م، الذي دعا إليه للم الشمل الفلسطيني -الأردني، وإيقاف نزيف الدم بين الأشقاء، إثر معارك ضارية نشبت بين الجانبين في العاصمة الأردنية "عمان"، كان يعاني من مرض عضال، الأمر الذي زاده إرهاقًا نفسيًا وبدنيًا فوق آلامه.
وما إن اختتمت الاجتماعات في مساء ذلك اليوم، توجه إلى منزله بعد توديع أمير الكويت صباح سالم الصباح، آخر المغادرين من الوفود العربية، إلى مطار القاهرة، فوافاه الأجل، وارتقت روحه إلى بارئها عن عمر ناهز الـ52 عامًا، وهو يؤدي واجبه القومي حتى آخر رمق في حياته.
وبحزن عميق، هب رؤساء العالم ومسؤولو الدول من كل اوب وصوب في اليوم التالي لتوديعه إلى مثواه الأخير بموكب جنائزي مهيب.
وفي هذا الخطب الجلل، نعت اليمن قائد الأمتين العربية والإفريقية، الزعيم جمال عبدالناصر، مثمنة خدماته الجليلة تجاه دعم الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962م، فضلًا عن خدماته القومية الجليلة في ما يتعلق بالقضايا العربية والانتصار لثوراته في العراق والجزائر... الخ، ومساندة حركات التحرر، وإصلاح ذات البين بين الأشقاء العرب، وتعزيز العمل العربي المشترك، وتحرير الدول العربية والإفريقية من ربقة الاستعمار، والعبودية.
وفي السياق نفسه، قدمت اليمن أسمى تعازيها ومواساتها لجميع أفراد أسرته الكريمة، ولحكومة وشعب مصر العظيم، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الوحدة الإفريقية، ودول عدم الانحياز.
وبالمناسبة، أقتبس نعي الرئيس الكيني جومو نيكياتا، للزعيم عبدالناصر، بقوله: "أنا واحد من أمة كبيرة فجعت في الوالد العظيم، حين فقدت رجلها الأول، وقائدها، سنظل نذكر عبدالناصر دائمًا، إن مساندته لحركة التحرر الإفريقية لم تكل أو تتوقف، إن مأساتنا بفقدان الرجل الكبير جمال عبدالناصر، كبيرة، لقد مضى القائد البطل في سبيل أمته شهيدًا، لكنه خط الطريق..".
يقينًا، إن "الزعامة" و"العبقرية" هما موهبتان متلازمتان، ومقدرة فذة منحهما الخالق لمن سيؤدون رسالة سامية لمجتمعاتهم وأمتهم. والزعماء والعباقرة والرؤساء المخلصون قليلون في التاريخ، لا يعرفون إلا بإنجازاتهم الداخلية، والإقليمية، والدولية، وطهارة اليد من الفساد، ومايتميزون به من مثل وقيم عليا بوأتهم هذا المقام الرفيع عباقرة، وزعماء، ورؤساء وهبوا أنفسهم رخيصة في سبيل أوطانهم.
وبناء على هذه المثل والقيم، بنيت قراءتي لزعيم أمة احتل هذه المكانة التاريخية المشرفة في سجل التاريخ الذهبي.

ثانيًا: إنجازات الزعيم جمال عبدالناصر على الصعد المحلية والإقليمية والدولية

لا جرم أن عظمة مصر ومكانتها في التاريخ مستمدة من عظمة إنجازات أبنائها (أهرامات مصر): خوفو، وخفرع، ومنقرع، وتحتمس الثالث، ورمسيس الثاني، وجمال عبدالناصر.
إن مصر هي قاهرة المغول في عين جالوت، وهي الأزهر الشريف، والعلم، والمعرفة، وخط الدفاع الأول عن العالم العربي، إن العرب أقوياء بمصر وضعفاء بمصر.
مصر عبدالناصر جعلت للعرب والمسلمين والأفارقة قيمة عالية في جميع الساحات الإقليمية والدولية. وستبقى راسية بثبات الجبال رسوخًا، ومصدر فخر واعتزاز للأمة، وعالية بعلو كعب إنجازاتها الداخلية والخارجية، مهما قسا عليها الزمن، فهي لا تحتاج إلى شهادة إلا من أبنائها الكرام، ومن محبيها الكثر في العالم.
مصر عبدالناصر منقذة للعرب، والأفارقة، من الاستعمار، والتخلف، وموقعها يقبع في شغاف قلوب الشعوب العربية والإسلامية والإفريقية، والشعوب المحبة للسلام.
إن الزعيم جمال عبدالناصر يعتبر قطبًا رئيسًا من أقطاب "مؤتمر باندونغ" المنعقد في (18-24 أبريل 1955م) في إندونيسيا، إلى جانب الزعيمين "جواهر لال نهرو"، رئيس وزراء الهند، و"جوزيف بروز تيتو"، رئيس يوغسلافيا، إضافة إلى "أحمد سوكارنو" الرئيس الإندونيسي المستضيف للمؤتمر.
بعد ستة أعوام من مؤتمر باندونغ الذي حضرته 29 دولة آسيوية وإفريقية، تم تأسيس "حركة عدم الانحياز"، على أساس جغرافي أكثر اتساعًا، وقد بلغ مجموع العضوية في حركة عدم الانحياز حاليًا 120 دولة، و17 دولة كمراقب، و10 منظمات دولية، ويشكلون حاليًا أكثر من نصف أعضاء منظمة الأمم المتحدة الـ193 عضوًا.
قمين بالذكر، إن الزعيم "جمال عبدالناصر"، من المؤسسين أيضًا لـ"منظمة الوحدة الإفريقية".
وفي مؤتمر القمة الإفريقية المنعقد في أديس أبابا، يوم 25 مايو 1963م، وبحضور جميع الرؤساء الأفارقة، يتقدمهم الإمبراطور الإثيوبي "هيلاسلاسي"، رئيس الدولة المضيفة، وبناء على توصية الرئيس جمال عبدالناصر، أقر المؤتمر أن تكون أديس أبابا مقرًا لـ"منظمة الوحدة الإفريقية".
ومن هذا المنطلق، توطدت العلاقات بين الزعيم ، والإمبراطور، انعكست على العلاقات الثنائية والصداقة الشخصية بين الجانبين، نظرًا لما يربط مصر بإثيوبيا من علاقات تاريخية متجذرة في أعماق التاريخ، أساسها المشترك نهر النيل الخالد شريان الحياة الأبدي.
وقد صدر إعلان رسمي في 26 مايو 2002م، بتأسيس "الاتحاد الإفريقي"، ليحل محل "منظمة الوحدة الإفريقية". وقد زاد عدد أعضائه إلى 53 عضوًا، وأضيف إليه عضوان هما جنوب السودان، والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وأصبح حاليًا 55 عضوًا.
مصر عبدالناصر لا يعرف عنها إلا من تعلم وعاش فيها، وليس من سمع عنها وخذلها في زمن العسرة.. وستظل حاضنة ومربية أجيال لا تضل، علمتنا الكثير، ولم يرد لها البعض سوى نكران الجميل.
مصر عبدالناصر هي التحرر من ربق الاستعمار والتخلف، وتأميم قناة السويس، والإصلاح الزراعي، والانعتاق من نظام السخرة، والإقطاع، والتطرف.
مصر عبدالناصر معين فياض من الإنجازات العملاقة المتمثلة بالسد العالي، وبحيرة ناصر، والجامعات المصرية، والمسرح، والثقافة الجماهيرية، وتأسيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: المنارة الإسلامية للطلاب المسلمين الوافدين من جميع أنحاء العالم.
بناء وتشغيل مصانع حلوان للحديد والصلب، والمنسوجات القطنية، ومصانع سكر نجع حمادي، والصناعات المختلفة بأنواعها في جميع أنحاء مصر، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتصدير الفائض.
جدير بالذكر، أن الحاقدين، والحساد كثر، لكن مصر ستظل الأم الرؤوم للعرب، تزخر حنانًا، وتحتضن أبناء الأمة العربية والإفريقية والإسلامية، الذين ضاقت بهم السبل، وتقطعت بهم الدروب بسبب الحروب، والملمات، كما أنها اليد المبسوطة التي تغدق عطاياها بسخاء في مجالات كثيرة، تشمل: المنح الدراسية، والتعليم بالمجان، والمطاببة، والمساعدات الخارجية للدول العربية والإسلامية، والإفريقية... الخ.
مصر عبدالناصر هي رمز التحرر من الأيديولوجيات المتطرفة الهدامة، كما تعد بامتياز نموذجًا لتاريخ العرب الحديث، ومنارة المجد التليد.
مصر أولًا وأخيرًا ليست بحاجة إلى شهادة جاحد وناكر جميل، بل ستظل النجم الساطع في سماء العروبة، شامخة بشموخ أهلها، فلا تحتاج إلى من ينعب، أو ينعق باسمها بغلٍّ، وحقد، وكراهية.
مصر هي أم الدنيا، لا تنتكس لها راية، وإنما ستظل رايتها خفاقة، تعلو وتسمو في سماء الخلود.
إن الزعيم عبدالناصر لم يكن رئيسًا لحزب في يوم ما كما يعتقده البعض، وإنما كان قوميًا عربيًا، صنع فكرًا عظيمًا ملهمًا لأمة عربية واحدة تهتدي به من المحيط إلى الخليج، ولأمة إفريقية من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي.
يقينًا، توفي الزعيم جمال جسدًا، وظلت روحه ومبادئه ملهمة للأجيال العربية والإفريقية خاصة، ودول عدم الانحياز عامة.
رحم الله الزعيم جمال عبدالناصر، وحفظ الله اليمن والكنانة، من عوادي الدهر، ونكبات الزمن.

الكلمات الدلالية