ستة أهداف وثلاثة وستون عاماً من الانتظار… أين أخفقت ثورة سبتمبر؟

في السادس والعشرين من سبتمبر 1962، توّج اليمنيون نضالهم الطويل ضد الحكم الإمامي السلالي بإعلان قيام النظام الجمهوري، بعد أن خاض الضباط الأحرار والإعلاميون والمثقفون والفلاحون وسائر فئات الشعب معركة التحرر من الجهل والظلم والاستبداد. وحدد الثوار ستة أهداف واضحة لثورتهم الفتية، غير أن مرور ثلاثة وستين عاماً يطرح سؤالاً جوهرياً لا يزال يتردّد في ذاكرة ووجدان اليمنيين: لماذا لم تتحقق أهداف ثورة سبتمبر كاملة؟ وأين يكمن الفشل؟ ومن يتحمّل مسؤولية إخفاق النظام الجمهوري في ترجمة مبادئ الثورة إلى واقع ملموس؟
تراجع وانحسار
عشية اندلاع الثورة، كُلّف المناضل سعيد الجناحي بنقل إشارة "ساعة الصفر" من مركز القيادة في صنعاء إلى الكتائب العسكرية في تعز، ونجح في المساهمة في إسقاط حكم بيت حميد الدين، بحسب ما تذكره المصادر التاريخية. غير أن الجناحي - كما تروي ابنته الدكتورة جميلة - كان مستاءً من واقع اليمن اليوم، وتقول في حديثها لـ"النداء" إن الثورة لم تحقق أهدافها لأن الأسس التي قامت عليها لم تكن سليمة أو كفيلة بمواكبة التحولات اللاحقة. وتضيف: "لا يمكن تجاهل الدور السلبي للقبيلة اليمنية التي أسهمت في انتكاسة الثورة، كما أن الأحزاب أضعفتها، وغياب العدالة في الحكم وفي الحقوق والواجبات عمّق جهل الشعب وأعاق نهوضه في مختلف المجالات".
وترى الجناحي أن هذه العوامل مجتمعة كانت من أبرز أسباب إخفاق الثورة.
لكن أحمد سنان، نجل المناضل عبدالرزاق سنان، يخالف بعض هذا الطرح، مؤكداً في حديثه لـ"النداء" أن القبيلة لعبت دوراً محورياً في نجاح الثورة، غير أن الإشكال كان في بعض الزعامات القبلية التي تعاملت مع الجمهورية باعتبارها "غنيمة" لا "وطنًا" يتشارك الجميع في بنائه، ويقدّمون من أجله الغالي والنفيس، كما فعل الشهداء وفي مقدمتهم الشيخ النقيب عبدالرزاق سنان.
أما الكاتب والناشط الحقوقي عبدالعزيز البغدادي، فيرى أن الأحزاب والحركات السياسية أدت دوراً مهماً في إعادة الاعتبار لأهداف الثورة، مستشهداً بحركة 13 يونيو 1974 التي قادها الرئيس إبراهيم الحمدي باعتبارها "تصحيحاً لمسار ثورة سبتمبر". ويقول البغدادي في مقال له:
"أهداف ثورة 26 سبتمبر قادرة على استيعاب وحدة الهدف الإنساني كمضمون للثورة التي تمس كل مواطن، والتصحيح يستلزم وحدة التوجّه لتحقيق أهداف الثورة الهادفة لإسعاد الإنسان مهما تنوعت البرامج والخطط".
من جانبه، يرى عبدالله العرمزة - حفيد المناضل السبتمبري حزام بن يحيى العرمزة - أن أهداف الثورة كانت قد تحققت، لكن الحرب التي اندلعت قبل عشر سنوات أعادت اليمنيين إلى المربع الأول. ويقول لـ"النداء": "عاد الاستبداد والاستعمار، وتراجعت مكتسبات الجمهورية، وبرزت النزعات العنصرية والطبقية، وتراجع قبول اليمنيين لبعضهم البعض. كما أُضعف الجيش، ووُئدت التجربة الديمقراطية، وغرق اليمنيون في الفقر والجوع، وأصبحت البلاد ساحة صراع لدول إقليمية ودولية، وانهار المستوى المعيشي على كافة الأصعدة".
إعادة الاعتبار للأهداف
الناشط محمد عنكمة يرى أن ثورة 26 سبتمبر تحوّلت إلى حدث لا يطبَّق منه شيء على أرض الواقع، وبالتالي لم يعد الاحتفال بها يجدي نفعاً للشعب. ويستشهد عنكمة بالأوضاع المأساوية لليمنيين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي أو في مناطق سيطرة مجلس القيادة الرئاسي، حيث لا مرتبات تصرف للموظفين ولا مصادر دخل تكفل الحد الأدنى من المعيشة.
ويؤيده في ذلك أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء الدكتور فؤاد الصلاحي، الذي يشدد على أن الاحتفاء بذكرى الثورة يجب أن يكون عبر "إعادة الاعتبار لأهدافها ومضمونها الجمهوري" من خلال أجندة وطنية تشكل خارطة طريق للقوى المدنية الديمقراطية صاحبة المشروع الوطني، وترجمة تلك الأهداف إلى إنجازات تنموية وسياسية في هذه المرحلة المفصلية من حاضر اليمن ومستقبله.
أما الكاتب محمد المقالح فيعتبر ثورة 26 سبتمبر "ثورة لاستعادة الكرامة والتحرر من العبودية السياسية"، ويرى أنها اليوم أكثر حضوراً وتأثيراً في وعي الناس من أي وقت مضى، مضيفاً:
"الأحمق هو من يضع نفسه ضد هذه الثورة لا معها".
في المقابل، يحمّل الناشط فهد النمشة جماعة الحوثي مسؤولية تعطيل أهداف الثورة بانقلابها على الدولة اليمنية في 21 سبتمبر 2014، قائلاً: "نكبة 21 سبتمبر جاءت ضد أهداف ثورة 26 سبتمبر التي كان من أبرزها التحرر من الاستبداد وإزالة الفوارق بين الطبقات".
ويضيف في حديثه لـ"النداء": "لن تتحقق أهداف الثورة إلا بعد إسقاط الانقلاب في الشمال والجنوب وتحقيق مبادئ التعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب اليمني".