المدينة، لا تعرف بالزينبيات: من "الترجول" إلى البازوكا(2)
كيف تحولت لعبة طفولتنا الضحوكة، "وافاطمة وافاطم إيديك طويل تلاطم"، إلى مسخ زينبي عنيف، يلطمن ويدمين بنزق واستشراس مرهون بالله وعيال الله: "القرآن الناطق" وآل بيته.
لطمة (1)
بالعودة إلى 2011، لم نكن نستغرب من المجاميع الثورية للحوثيين/ات وهم يقفون إلى جانب المعنفين في الساحة وضد العسكر وأدلجة الثورة وأسلمتها... الخ. وكم خرجنا في مسيرات ضد ذلك العنف بعنوان "الحسم الثوري"، سلمية الثورة، لا للهيمنة، وثورتنا ثورة شباب، ومدنية الثورة، وتصعيدها... الخ من "اللخاج الثوري" شربناه باسم المدنية وعدم أدلجة الثورة! كنا نحن النساء، مثل الطبل نُقرع من ثوار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وثوار "الحسم الثوري" -أضحك وأنا أكتب المقالة من المطبخ- متأملة الصور بالأفواه الملصقة، وعليها شعارات: "لا للقمع، ولا للتخوين، ونرفض جر الثورة إلى صراع مسلح"، للأسف بعضهن الآن من عصائب الحق الزينبيات الهادويات إلى الحق الأعظم!

لطمة (2)
من الثورة انتصرت، إلى الثورة مستمرة!
عندما صدر أمر الترفيع الثوري على البسطة الثورية للربيع اليمني، رفع شقاة الربيع الثوري (الإصلاح والسلفيين والمشترك) شقاديفهم السلمية! فقد انتصرت الثورة بإسقاط النظام، وزحفها نحو القصر الجمهوري، متوجة بجُمع الهذيانات الدامية المؤثثة بأجساد الشباب، من يطلق عليهم "الشهداء"، جُمع سوداء، كـ"الغضب والرحيل، ومنصورون بإذن الله، والوعد الصادق والكرامة، واصبروا وصابروا، والمجلس الانتقالي"... الخ من الهلس الثوري الإخواني المحلي والدولي، وليس بآخر "جمعة الدولة المدنية"، ومن يلقي الخطبة؟ الداعية "المدني" عبدالله صعتر"مفكودة مش من قليل"!
تلك المخدرات الثورية التي أراقوها لنا وعلى غيرنا، وذهب ضحيتها المئات والآلاف من الشباب، وتبعاتها من حروب الإخوة الأعداء على اليمن مازالت سائلة حتى اللحظة.

أما عيال الله "هيهات منا الذلة"، فلم يرفعوا شقاديفهم من الخيام الثورية والمجاهدين، بالرغم من أن بعضهم من المنادين بالحسم الثوري! فصابروا ورابطوا بالذمول الثوري أبو تمر وزبيب "الوعد الصادق"، نعم ظلوا يرشون نفس البخاخ المخدر "الثورة مستمرة"، و"الله أكبر قادمون"، و"عين على القرآن وعين على الأحداث"، مازلت أضحك وأنا أرى الأيقونات الثورية للقرآنات أبو صرخة ولعنة، تفتعل بعض الأحداث اللطمية/ المظلمة، وتولد بزحير إلهي: صواريخ سكود من الزينبيات، مواصلات سربلتهن بلبس التقية، ونحن نترحم عليهن من فظاظة التخت الثوري الإصلا-سلفي!
وانتهى الأمر بسقوط صنعاء المدوي، واليمن بسيف الجهل والذات الإلهية، وكشف الغول الحوثي المفخخ وثورته المستمرة في 21 سبتمبر 2014، وجهه المتوحش، ولم يعد بحاجة إلى رقية التقية، بعد أن شعر بفائض قوته، وأطل بوجه النازية والفاشية البدائية: "يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله"، ومازال يفترس البلاد والعباد بدمغة "ملالي طهران" والهوية الإيمانية للأمي القرآني عبدالملك الحوثي، آخر الأنبياء المطهرين، الذي عمر اليمن بالمقابر، وجعلها مقبرة كبيرة لا حدود لها، تزينها صور أطفال ما دون العاشرة، معمدة ببصقة السيد الإلهي: "شهيد الهوية الإيمانية/ السيد الأطهر/ قرين القرآن".
هل أواصل الضحك يا سادة يا كرام؟
لطمة(3)
في أغسطس 2015، أثناء واقعة الاعتداء على بعض الإصلاحيين من ضمنهم الزميلة أمة السلام الحاج، ومجموعة من الزميلات والزملاء من ضمنهم الدكتور عبدالرزاق الأشول، خرجتُ في ذلك اليوم -لأكسر جدار العزلة- كالعادة كانت معي كاميرتي- لأتضامن معهم عند "شرطة الجديري" مقر اعتقالهم، وما إن وصلت إلى البوابة، لأرى فيالق "الثورة القرآنية المستمرة"، و"شباب الصمود"، "التصعيد الثوري"، و"المعتصمون الجرحى 2012"... الخ من الفرق الحوثية، وزميلات وزملاء كثيرين.

كان يعم المكان تفتيش وأهبة، لم أطلق أية صورة أمام الفيلق الثوري.
كانت عيون الزميلات "المُزينبات" تلعب مثل الزَّراقيف والفتاتير من تحت النقاب، وبأمر صارم صدر من قبل زينبية جامدة، أخذت الكاميرا ليحتفظوا بها في المكتب، وأذعنت لذلك قسرًا!
كن كتائب تلتحف شرشف "التقية"، ولم نكن نعرف أنهن زينبيات! كن يتجولن في غرف قسم الشرطة وفنائه، وانتهى الاعتصام، ولم أبارح بوابة القسم في انتظار إعادة كاميرتي، لكن الزينبية الثورية لم تأتِ!
كان في ذاكرة كاميرتي صور ابن جيراننا في عيد ميلاده، ظللت أنتظر الإفراج عن كاميراتي، ولم تأتِ! كنتُ عندما أسأل إحدى المشرفات، تجاوبني: سعليش شوية وبانجيبها، إنها الساعة العاشرة ليلًا وأنا أنتظر، ولم يفرج عنها.
غادرن جحافل الزينبيات -الطاهرات -الأشاوس، وبقيت أنا وبعض الزملاء/ات المتضامنين مع كاميرتي، ننتظر في الشارع.
كان "الزيانب" الذكور من عسكر وآخرين، يبتسمون بأعذار: شوية وبانحضرها لك، والله المسؤولة غلقت الدولاب، المشرف راح يتعشى، سرح يصلي... الخ، لنغادر الساعة 12 منتصف الليل، بلا كاميرا. كان شارع الزراعة موحشًا تعوي الكلاب والمليشيات القرآنية الضالة هنا وهناك "زؤوبة"، وبلا كاميرا، كانت كاميرتي الذهنية تشتغل وأنا أقارن بين الزينبيات والفواطم 2011، 2015، سيناريو مفزع، وأقول في نفسي، "خينه ترؤوان"، وخير اللهم اجعله خير!
في اليوم التالي جلبت إحدى الزميلات الكاميرا إلى شقتي، بعد أن محيت كل صور عيد ميلاد طفل الجيران!
هل أزيد من السرد بيتًا؟
لطمة(4)
كان ذلك، عند ذهابنا لزيارة رئيس الحكومة آنذاك، خالد بحاح، أثناء إقامته الجبرية، 2015، فرأينا مجاميع الزينبيات بـ"طاقية الإخفاء التقووية" مُقسمات كوماندوزات صغيرة، يتولين المهام (اللوجستية -ههه) من تفتيش وغيره من الأسئلة، ووجدناهن أيضًا معنا في اللقاء، لم نكن نعرف أنهن زينبيات! ولا أنسى أثناء تشييع عبدالكريم الخيواني، وجدناهن مبثوثات يفتشننا بنزق، فـ"ابن البدر الدين في الأعماق غالي"! وليس بآخر، التجمعات والجلسات الحميمية، في الأعراس والمناسبات الاجتماعية والدينية، والفعاليات الاحتجاجية وغيرها.

**
مرة أخرى سأحدثكم عن الفواطم الصديقات ولواطمهن، في مسيرات "لا لعسكرة الجامعة"، والجرحى، وووو
وأنا أشاهد الزينبيات وقد خلعن التراجيل وأحرقنها في "ثورة سيدي الإلهية"، أرى بوازيكهن واستعراضاتهن الهمجية السوداء بشراشف الفضيلة الإيمانية للقبو الحوثي الأشد ظلامية، أتأمل مئات الصور في أحداث مختلفة، وثقتها آنذاك، فبعضهن والكثيرات ممن كن في الساحات والمظاهرات الاحتجاجية، مديرات مدارس، رئيسات منظمات مدنية للسلام وحقوق الإنسان، أساتذة جامعات، دكتورات وبروفيسورات، وأديبات شاعرات وروائيات، عضوات في مؤتمر الحوار الوطني والحقوق والحريات، وبناء الدولة، والعدالة الانتقالية... الخ، فنانات، ناشطات على وسائل التواصل الاجتماعي، طبيبات، صحفيات، وو... الخ.
يوميًا وأنا في ألمانيا، أتحول إلى صورة كاريكاتيرية وأنا أقلب ألبومات الصور، ما بين: تأمل، استغراب، ألم، دموع، آهات، وأسئلة مفتوحة بلا إجابة، وضحك القهقهات، وما أكثرها، التي لا أجد لها إجابة أيضًا! ولا أجد من يترجم الحالة سوى مثل جدتي "قلبي دود وعكابر سود" أمام هول ما يجري!
لقد نال الترجول مثلما نال البلاد والعباد، أكثر من احتلال، غزاة لم يشبعوا من تمزيق الترجول وشنترته وشرب ألوانه، وتحويله إلى سواد جحيمي بختم "الهوية الإيمانية لعلم الهدى" للجثث القبورية المطهرة من لطميات المضربات للسيد القرآني "الزينبيات وأخواتها"، ولدهشتي، في هذه الحرب القذرة وشيوع الزينبيات وتفشيهن الذي وصل لأكثر من 4000 زينبية، أي: مليشيا، مدرعة من سواد هن صورة تلك الزينبية التي انتشرت وبيدها عصا غليظة تمشي كالعسكري البلطجي، أو صورهن يحملن الأسلحة والبوازيك، ويقدن الأطقم العسكرية، ويزعقن بشعارات فاشية، لا أجد فرقًا بينهم، وبين رابطة النساء النازيات، ورابطة الفتيات الألمانية، في الحرب العالمية الثانية، سوى بالشرشف والمغمق، فالإرهاب واحد.
نعم، السيد القرآني ومليشياته من البلاهيت الغابية القاتية المخدرة بالأفيون الإلهي في جحر كهوف "مران"، هم من يتسيدون الحياة بجوعهم الإلهي الذي لا يشبعه مرادم جهنم وبيوتها، فهم، كـ"أعمى لقى ودعة"، اسمها "يمن الإيمان والحكمة والرب الغفور". مازلت أضحك، أقهقه، وأنا أقرأ لشاعرة زينبية يصفق لها الأقحاح:
التصعيـد بالتصـعيد
نعصد الدنيا عصيد
ندمر ونسحق ونبيد
أمنية الترجول!
ماذا لو اشتغلتم بالترجول ولبستموه وتحنيتم بحناء نقش الجنة الدنيا؟ لا شك ستكونون دعاة سلام، ولن تضغط أصابعكم المحنّاة على أي زناد. ستصبحون أوادم من نقش وحناء ومشاقر وعصافير وخبز وطين ولِبن ونورة وقمرية. ومن يمتهن مثل هذه المهن لا يعرف سوى الحب للجميع ومحبة أوسع من مُلك فان، ومرجلة مشحونة بطاقات العنف وإبادة الآخر المختلف إن من يرتديها هن وهم آلهات من حب، ينتصرون للحياة خير وأبقى.
ترجول نساء بلادي يحيي ولا يميت، يزرع، ينمي، يكبر، مثله مثل ضرعها الملي بحليب الحياة.
وإلا كيف تشوفووووا؟