عندما تتحول الثورة إلى ساحة للنيل من الهاشميين
لم تعد ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في اليمن مجرد مناسبة وطنية جامعة، بل تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى ساحة سجال وهجوم سياسي واجتماعي، خصوصاً تجاه المكون الهاشمي، رغم أن الهاشميين كانوا من أوائل المنخرطين في صفوف الحركة الوطنية، ومن أبرز قادة الثورة ضد الحكم الإمامي. وهذه المفارقة تثير تساؤلات عميقة حول معنى الثورة اليوم، وكيف يجري توظيفها في الخطاب السياسي والاجتماعي.
منذ قيام الثورة عام 1962، شارك الهاشميون في تأسيس الجمهورية وتثبيت دعائمها، وكان منهم مفكرون وضباط وسياسيون لعبوا أدواراً محورية. غير أن الخطاب السائد في بعض الأوساط اليوم يتجاهل هذه الحقيقة، ويصرّ على تصوير الهاشميين باعتبارهم خصوماً للثورة أو بقايا للنظام الملكي، وهو اختزال يتنافى مع الواقع التاريخي، ويسيء لفكرة الثورة ذاتها بوصفها مشروعاً وطنياً جامعاً.
تزداد الإشكالية خطورة عندما تتحول ذكرى سبتمبر إلى أداة للانتقام الرمزي أو للوصم الجماعي، حيث يتم توظيف المناسبة ليس للاحتفاء بالقيم التحررية والوطنية، بل لتكريس خطاب إقصائي يستهدف جزءاً من النسيج الاجتماعي. وفي مثل هذه الحالة تصبح الثورة أداة تفكيك بدلاً من كونها عامل بناء، وتفقد رمزيتها الوطنية الجامعة التي صيغت لأجلها.
لقد استفادت أسر نافذة وأحزاب سياسية معينة من الثورة، وجعلت من حضورها في السلطة والمال رهينة بقاء خطاب العداء تجاه الهاشميين، إذ باتت هذه القوى ترى أن استمرار نفوذها يعتمد على صناعة الخصومة مع الهاشميين، وتحويلهم إلى مشجب تُعلَّق عليه كل الأزمات والتوترات. وبذلك أصبحت الثورة بالنسبة لهذه القوى أداة لإدامة مصالحها أكثر من كونها مناسبة وطنية جامعة.
إن استغلال المناسبة لإذكاء الكراهية ضد الهاشميين لا يخدم الثورة ولا الجمهورية، بل يزرع بذور انقسامات أعمق في مجتمع مثقل أصلاً بالصراعات والحروب. وكثير من اليمنيين الذين يؤمنون بقيم الثورة ويحتفلون بها باتوا يشعرون بالاستياء من هذا الاستخدام السلبي، إذ يرونه انحرافاً عن روح سبتمبر ومبادئه، وتفريغاً له من مضامينه الوطنية الحقيقية.
كما أن استمرار هذا النهج يُضعف قدرة اليمنيين على استلهام سبتمبر كرمز للوحدة والتحرر، ويحول المناسبة إلى ذكرى مثقلة بالعداوات. ولعل أخطر ما في الأمر أن الأجيال الجديدة ستتلقى رسائل مشوشة، ترى في الثورة مناسبة للصراع لا للتلاقي، وفي ذلك تهديد مباشر لهوية اليمن الوطنية الجامعة.
إن تجاوز هذه الإشكالية يتطلب وعياً من النخب والمجتمع على حد سواء، بضرورة إعادة الاعتبار لثورة سبتمبر بوصفها حدثاً وطنياً جامعاً، بعيداً عن أي استهداف أو تصفية حسابات. فالثورة لا ينبغي أن تكون ملكاً لفئة ضد أخرى، بل ذاكرة وطنية مشتركة تعزز فكرة المواطنة والدولة المدنية التي تتسع لجميع اليمنيين.