صنعاء 19C امطار خفيفة

تعز.. حين تتحول الجرائم إلى مؤامرات

تكشف جريمة تصفية مديرة صندوق النظافة في تعز "افتهان المشهري" عن نهج متبع يقوم بتسطيح الواقع، في مسعى إلى تصوير كل ما يحدث في مدينة تعز التي تنزف دماءً وقيمًا، على أنه مجرد مؤامرة تُحاك ضد الجيش والأمن وقيادة السلطة المحلية. هذا هو الخطاب الذي يروج له لمواجهة تفاعل الناس وتضامنهم مع ما يهدد حياتهم، بينما يُفرض على المدينة خناق السيطرة، وتحكمها أساليب الترهيب والموت.

والأكثر إثارة للاستغراب، أن قيادات سياسية بحزب الإصلاح في تعز تتورط في مستنقع هذه التبريرات التي تضلل الرأي العام، عندما حاولت اختزال "نكبة 21 سبتمبر" الحوثية على أنها كانت مجرد فعل انتقامي لطرد الإصلاح من صنعاء، محذرةً -بطريقة تخلو من الحكمة، وتكشف عن خوفها من أي حراك شعبي يهدد نفوذها- من أن ما يحدث اليوم في تعز هو امتداد لنفس المخطط، لكن لصالح جماعات انتهازية أخرى تستهدف الحزب، والسيطرة على مدينة تعز.
لا يخفى على أحد أن معظم العصابات التي تزرع الفوضى في تعز، منذ سنوات، تعمل تحت مظلة المؤسستين العسكرية والأمنية، اللتين يهيمن عليهما حزب الإصلاح، ويتحكم بقراراتهما. كما أن تلك العصابات التي تدار بها الفوضى تخضع لإشراف قيادات إصلاحية، ولن ننسى أمثال "غزوان المخلافي" و"غدر الشرعبي" و"أكرم شعلان" وغيرهم العشرات من المطلوبين أمنيًا، وينتسبون لوحدات الجيش والأمن، وكيف كانت الحملات الأمنية تواجه بعقبات من قبل بعض القادة العسكريين عندما تتحرك تحت ضغط شعبي أو بتوجيهات عليا. وما تصريحات المسؤول الإعلامي لإدارة أمن تعز، حول إعاقة قادة عسكريين ونافذين مهام الحملة الأمنية التي تلاحق قتلة المشهري والردود عليها، لخير دليل على ذلك.
وفي هذا السياق، تبقى قضية اغتيال أسرة "الحرق" في حي "بير باشا" قبل أكثر من ثلاث سنوات، نموذجًا صارخًا للمساومات والابتزاز التي مارستها قيادات الجيش والأمن في تعز لتمييع القضية، وحتى الآن لايزال القتلة الحقيقيون طلقاء رغم بلوغ تفاصيل الجريمة إلى مجلس الأمن الدولي. ولم تكن أسرة الحرق وحدها، بل هناك العشرات من أبرياء هذه المدينة الذين أريقت دماؤهم كقرابين على مذبح بقاء هيمنة ونفوذ حزب الإصلاح، أو ربما كضريبة لعدم "حوثنة" المدينة كما يروج قادته وناشطوه، في مواجهة ردود الأفعال المناهضة لجرائم العصابات المنفلتة.
وفوق هذا، هناك من يعمل عبر شبكة واسعة من الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، على تمييع هذه الجرائم، وتحويل مسار الصراع -بأساليب دنيئة- إلى صراع مناطقى، مستهدفًا مناطق بعينها من شرعب ومخلاف وغيرها، في محاولة لشيطنة أبنائها، وهي نفس الاستراتيجية التي كان يمارسها نظام علي صالح، في شيطنة قبائل خولان وبني ضبيان، ومأرب وغيرها، وتقديم صورة نمطية عنهم بأنهم مجرمون وقتلة وقطاع طرق.

الكلمات الدلالية