صنعاء 19C امطار خفيفة

الهجرة «المناخية» في الحديدة.. الهروب من جحيم المدينة

الهجرة «المناخية» في الحديدة.. الهروب من جحيم المدينة

في صيف الحديدة، حيث تتجاوز درجات الحرارة حاجز الـ45 مئوية، تتحول الحياة اليومية إلى معاناة تدفع آلاف الأسر إلى البحث عن ملاذ مؤقت في المناطق الجبلية ذات الأجواء المعتدلة.

هذه الظاهرة، التي يصفها الأهالي بأنها "الهجرة من الجحيم"، باتت تعكس صورة حقيقية لـ"الهجرة المناخية" في بلد يفتقر إلى أبسط مقومات الخدمات الأساسية.

معاناة مضاعفة

"تعبنا من السفر والعودة كل عام... نخسر المال ونتحمل مشاق الطريق ونقاط التفتيش، بينما يعيش أطفالنا الخوف والإنهاك"، تقول أم محمد عبدالحفيظ، مجسّدة بحديثها معاناة مئات الأسر التي تضطر لمغادرة منازلها في الحديدة كل صيف، بحثًا عن بيئة أكثر إنسانية.
الأسباب لا تقتصر على الحر الشديد وحده؛ فارتفاع أسعار الكهرباء، وانقطاعها المستمر، إلى جانب الأمطار الموسمية وما تسببه من سيول ومستنقعات، كلها عوامل تُضاف إلى واقع خانق يفرض على السكان الرحيل المؤقت.

كهرباء باهظة

في مدينة فقيرة مثل الحديدة، لا تقتصر المعاناة على الحر فقط، بل تمتد إلى أزمة الكهرباء. فالتسعيرة الحكومية تصل إلى 120 ريالاً للكيلو، بينما ترتفع في القطاع التجاري إلى 160 ريالاً، وهو ما يفوق قدرة معظم الأسر. النتيجة: يكتفي السكان بتشغيل المراوح والإنارة، فيما يبقى التبريد – وسيلة النجاة من الحر – حلمًا بعيد المنال.
ومع الانقطاعات المستمرة للكهرباء، كما تصف السبعينية أم عفاف، يتحول الصيف إلى "موت بطيء"، لتغدو مغادرتها المتكررة إلى صنعاء خيارًا وحيدًا كل عام.

أثر اجتماعي عميق

الهجرة الموسمية لا تقف عند حدود المناخ، بل تمتد لتطال النسيج الأسري. تقول أم محمد: "حرمتني حرارة الصيف من حضور زواج ابنتي، وحتى حفيدتي تزوجت دون أن أكون بجانبها. الأعياد ورمضان أقضيها بعيدًا عن أسرتي منذ سنوات".
وترى المرشدة الأسرية أسماء الصلاحي أن هذا النمط من الهجرة يُحدث تباعدًا اجتماعيًا، ويُفقد الأفراد شعورهم بالاستقرار النفسي، مضيفة أن "تشتت الأسر في الأعياد والمناسبات يضعف التلاحم الاجتماعي، ويترك آثارًا نفسية طويلة المدى".

تبعات اقتصادية

الجانب الاقتصادي لا يقل وطأة. يوضح المحلل الاقتصادي نبيل الشرعبي أن تكاليف التنقل والسكن المؤقت تدفع الكثير من الأسر لبيع ممتلكات أو الاستدانة لتأمين احتياجات أساسية. ويضيف: "الهجرة الموسمية تستنزف موارد العائلات، وتؤدي أحيانًا إلى تفكك أسري وتوتر في العلاقات الاجتماعية نتيجة الغياب المتكرر عن المجتمع الأصلي".
بين الحر القاتل، وانقطاع الكهرباء، وانهيار الخدمات، يجد سكان الحديدة أنفسهم في دوامة نزوح موسمي متكرر، يرهق الجيوب، ويبعثر الأسر، ويكرّس مفهوم "الهجرة المناخية" كواقع يومي يعيشه اليمنيون في واحدة من أشد مدنهم بؤسًا ومعاناة.

الكلمات الدلالية