صنعاء 19C امطار خفيفة

التعيينات.. الشرارة التي فجّرت صنعاء وقد تعصف بعدن اليوم

الشعوب تنسى سريعاً، لكن الذاكرة السياسية لليمن مليئة بالدروس التي ماتزال صالحة لليوم، وأبرزها أزمة قرارات التعيين التي تفجرت بعد اتفاق السلم والشراكة في 21 سبتمبر 2014، والتي كانت الشرارة الأولى لانهيار العملية السياسية ودخول اليمن في أتون حرب شاملة، لازالت مستمرة ويتطاير شررها حتى اليوم..

بعد سيطرة جماعة الحوثيين على صنعاء عام 2014، وُقّع اتفاق السلم والشراكة برعاية أممية، لتسوية الأزمة بين الحوثيين من جهة، والسلطة والمكونات السياسية من جهة ثانية، ونص الاتفاق على إشراك الحوثيين في الحكومة وأجهزة الدولة.
الحوثيون قدّموا قائمة واسعة تضم ما يقارب 120–160 اسما من قياداتهم وكوادرهم لتعيينهم في مؤسسات الدولة كنواب وزراء ووكلاء وزارات ووكلاء محافظات ورؤساء هيئات ومؤسسات، إضافة إلى ترقيات لعدد كبير من الضباط العسكريين المحسوبين عليهم..
هذه التعيينات لم تكن مجرد أسماء، بل كانت تعني تمكين مؤسسي للحوثيين داخل جهاز الدولة، وهو مارفضته او تحفظت عليه القوى التقليدية (المؤتمر والإصلاح وغيرهم) حيث قاومت تلك التعيينات بقوة، معتبرة أنها عملية "ابتلاع ممنهج" لمؤسسات الدولة.
الرئيس عبدربه منصور هادي حاول الموازنة، وأصدر بعض القرارات في إطار دعمه للحوثيين آنذاك، ظنا منه انهم سيكونون عصاه وقوته التي سيواجه بها قوى النفوذ السياسية والقبلية التي كانت تعتقد انها صاحبة القرار بعد 2011، لكنه لم يستطع تمرير القائمة كاملة، وظلت بعض القرارات عالقة أو مجمدة نظرا لاعتراض بعض مستشاريه وقيادات الأحزاب السياسية ومراكز النفوذ آنذاك، وتراجع عنها بعد فراره من الإقامة الجبرية بصنعاء في 21 فبراير 2015، وأعلن بطلان كل قراراته التي اصدرها منذ 21 سبتمبر 2014..
الحوثيون رأوا أن اتفاق السلم والشراكة يُنفذ بشكل انتقائي، وأنهم "خُدعوا" بعد سيطرتهم العسكرية على العاصمة، فيما خصومهم رأوا أنهم يريدون القفز على الدولة، فتعثر الاتفاق وانهارت الثقة، وتحوّلت الأزمة من ملف إداري (تعيينات) إلى صراع سياسي وأمني شامل، مهّد لانقلاب كامل الأركان، ثم تدخل خارجي في 26 مارس 2015 بمبرر الحفاظ على شرعية الرئيس هادي الذي تم ركنه فيما بعد..
اليوم، وبعد أكثر من عقد، يعيد مجلس القيادة الرئاسي إنتاج نفس المشهد تقريباً، وإن كان بسياق مختلف، حيث أعادت قرارات التعيين التي أصدرها عيدروس الزبيدي في سبتمبر 2025، تبعها أزمة صامتة وشكوى رئيس المجلس منها، وتدخل السعودية لمعالجتها بجمع الطرفين، وتكليف فريق قانوني لمراجعتها، ومراجعة جميع قرارات الرئيس العليمي الصادرة منذ 2022 أيضاً (مايقارب 500 قرار)، أعادت إلى الأذهان ماجرى قبل عشر سنوات.
الفارق الوحيد أن الحوثيين في 2014 كانوا قادمين من موقع القوة بعد السيطرة على العاصمة صنعاء، أما الزبيدي اليوم فهو يفرض الأمر الواقع بصفته ممثلاً لمشروع الانفصال، ومعه قوة مسلحة تسيطر على العاصمة المؤقتة عدن، كما أن الرئيس رشاد العليمي باشتراطه عدم الكشف عن أسماء القرارات التي ستُبطل، يكرر ذات الخطأ الذي وقع فيه هادي، محاولة إرضاء كل الأطراف عبر "التمويه"، بدل مواجهة الحقيقة بشفافية.
أخيراً أثبتت أزمة 2014 أن ملف التعيينات ليس إداريا بحتا، بل هو مرآة للصراع على السلطة والنفوذ داخل الدولة، وعندما تفشل النخب عن إدارته بعدالة وشفافية، يتحول إلى قنبلة تفجر العملية السياسية برمتها..
واليوم، تكرار السيناريو بوجوه مختلفة يُنذر بأننا أمام أزمة جديدة، قد تكون عواقبها شبيهة بما جرى قبل عقد، وربما أشد تعقيداً، وسندخل في مرحلة اللا عودة وفقدان الأمل؛ بدلا من عملية إعادة الأمل التي أعلن عنها في 21 ابريل 2015 ولم تتحقق إلى اليوم..!!

الكلمات الدلالية