صنعاء 19C امطار خفيفة

الاتفاق السعودي–الباكستاني: أين نحن منه؟

ملامح تحوّل جيواستراتيجي

يمثّل الاتفاق السعودي–الباكستاني الأخير محطة جديدة في مسار التحولات الكبرى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وجوارها الآسيوي. فالصفقة لا تقف عند حدّ التعاون الدفاعي والأمني بين الرياض وإسلام أباد، بل تفتح الباب واسعًا أمام دخول الصين لاعبًا مركزيًا في رسم ملامح المستقبل الإقليمي.

الصين: الضامن والشريك الصاعد

منذ أن رعت بكين الاتفاق الإيراني–السعودي، قدّمت نفسها بوصفها قوة كبرى قادرة على التوفيق بين خصوم المنطقة وتحقيق توازن في علاقاتها مع أطراف متناقضة. واليوم، يكرّس الاتفاق السعودي–الباكستاني هذا الدور؛ فالصين أصبحت – بشكل مباشر أو غير مباشر – حليفة، أو على الأقل مقرّبة، من كلٍّ من الرياض وطهران، في الوقت الذي تحافظ فيه على قنوات تواصل مع مختلف فرقاء الصراع المحليين في اليمن، إضافةً إلى علاقات ممتدة مع دول المحيط الحيوي الممتد من جيبوتي إلى عُمان.

انعكاسات على الملف اليمني

هذا الحضور الصيني المتصاعد يعني أن بكين باتت تمتلك أوراق تأثير يمكن أن تُستثمر إيجابًا في الملف اليمني. فاليمن هو أحد أبرز ميادين التنافس الجيوسياسي في المنطقة، وأيّ اتفاق أو تفاهم يُخفف حدة الصراع السعودي–الإيراني سينعكس حتمًا وبشكل مباشر على تعقيدات الأزمة اليمنية. كما أن الصين، بما لديها من نفوذ اقتصادي ومبادرات مثل «الحزام والطريق»، قادرة على ربط المصالح الاقتصادية بين دول المنطقة وتحفيز مشاريع إعادة الإعمار مستقبلاً وفتح مسارات للتنمية بديلة عن مسارات الحرب.

بداية أفول الفيل الأمريكي

أهم نتيجة غير مباشرة لهذا الاتفاق تتمثل في تدشين «عصر التنين الصيني» في المنطقة وبداية أفول «عصر الفيل الأمريكي». فالتقارب المتسارع بين القوى الإقليمية تحت مظلة صينية يعبّر عن تراجع النفوذ الأمريكي التقليدي، ويشير إلى انتقال مركز الثقل الاستراتيجي شرقًا. إنها الخطوة العملية الأولى الأثقل في طريق الألف ميل، وما سيأتي بعدها سيتسارع بوتيرة أكبر.

نحو مشهد إقليمي جديد

إذا استمرت هذه الديناميات على هذا النحو، فنحن أمام مشهد إقليمي جديد تتراجع فيه أحادية النفوذ الغربي لصالح التعددية القطبية، حيث يكون للصين موقع المنافس – إن لم يكن الريادة – في الاقتصاد والبنية التحتية والوساطة السياسية. وهو ما سيغيّر، على المدى المتوسط والطويل، طبيعة إدارة الأزمات في المنطقة، ومنها الأزمة اليمنية التي قد تجد نفسها، لأول مرة منذ سنوات، أمام وسيط وضامن قوي لا يربطه تاريخ من التدخل العسكري أو الانحياز الصارخ لطرف ضد آخر.

استشراف المستقبل: اليمن أمام فرصة تاريخية

يدل هذا التحوّل على فرصة نادرة لليمنيين لإعادة صياغة موقع بلدهم في معادلة الأمن الإقليمي. فإذا أحسنوا استغلالها، يمكن أن تتحوّل الأزمة من ملف أمني إلى ملف تنموي–سياسي تدعمه الصين وشركاؤها الإقليميون. ومن بين السيناريوهات المحتملة:
• توسيع الوساطة الصينية لتشمل دفع الأطراف اليمنية نحو تفاهمات مباشرة تهيّئ لحوار وطني شامل.
• إدماج اليمن في مبادرة «الحزام والطريق» بما يخلق مصالح اقتصادية متشابكة تجعل استمرار الصراع غير جذاب لأي طرف.
• تنسيق سعودي–إيراني أكثر عمقًا برعاية بكين لتثبيت الهدنة وإحياء مسار العملية السياسية بين الفرقاء اليمنيين.
إن اغتنام هذه اللحظة يتطلّب من القوى اليمنية تحييد الحسابات الضيقة والعمل على بلورة رؤية وطنية جامعة قادرة على مخاطبة هذا التحوّل الإقليمي الجديد والسبق في الاستفادة منه. فاليمن يمكن أن تكون من أوائل محطات هذا القطار، لكن ذلك مرهون بسرعة الركوب في أولى محطاته لا انتظاره عند آخرها.

الكلمات الدلالية