شيخوخة القيادات السياسة في اليمن: حين تخشى الأحزاب التغيير أكثر من الانهيار
على خلفية احتفاء حزب الإصلاح بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيسه، ظهر رئيسه محمد اليدومي كبيرًا في السن، شاحب الملامح، واهن الصوت، بغض النظر عن مضمون الكلمة التي ألقاها، وما حملته من رسائل سياسية كان أبرزها تأكيد عدم وجود أي ارتباطات تنظيمية أو سياسية للحزب مع جماعة الإخوان المسلمين.
ولست هنا بصدد التوقف عند تلك الرسائل أو تحليل الخطاب السياسي للحزب في هذه المناسبة، بل أود أن أتطرق إلى مسألة أبعد وأعمق: شيخوخة القيادات السياسية في اليمن، وما تحمله من دلالات سلبية على مستقبل العمل الحزبي برمّته، وبالتالي على مستقبل السياسة في اليمن وفرص السلام والاستقرار بعده.
لقد أدركت التجارب السياسية في الغرب مبكرًا أن التمسك بالمواقع والمناصب لفترات طويلة، سواء كانت سياسية أو حزبية أو حتى إدارية، يضعف المؤسسات ويقودها إلى الجمود ثم التآكل، وهو ما ينتهي بها في الغالب إلى الزوال. ومن هنا برزت قناعة راسخة بأن التغيير ليس خيارًا ترفيًا، بل ضرورة حيوية لضمان بقاء المؤسسات واستمرار فاعليتها. فالمؤسسة التي لا تجدد دماءها محكومة بالاندثار، والقيادات التي أمضت عقودًا في مواقعها عليها أن تدرك أن لحظة التنحي قد حانت لإفساح المجال أمام جيل جديد يتحمل المسؤولية، ما لم فالنتيجة الحتمية ستكون إما نهايتها، أو أن يفرض الشباب أنفسهم بالقوة لإنقاذها وقيادتها نحو المستقبل.
لقد أثبتت الأحزاب الحيّة والذكية أن فترات المعارضة ليست خسارة، بل فرصة ثمينة لإعادة البناء الداخلي، وتجديد القيادات، وتجريب آليات تنظيمية جديدة. ويُعد حزب العمال البريطاني مثالًا بارزًا على ذلك؛ فمن خلال متابعتي ومعايشتي لتطوراته لسنوات، رأيت كيف استثمر الحزب فترة معارضته الطويلة في إعادة ترتيب صفوفه وصناعة جيل جديد من القيادات، فاستعاد حضوره تدريجيًا في الانتخابات المحلية، ثم حقق انتصارًا غير مسبوق في الانتخابات البرلمانية. هذا النجاح ما كان ليتحقق لو تمسكت القيادات القديمة بمواقعها، فالتجديد كان شرطًا أساسيًا للبقاء والنمو.
أما في اليمن، فالصورة مغايرة تمامًا؛ حيث أظهرت السنوات والأحداث أن العمل الحزبي مايزال أسير العاطفة والتكتلات العصبوية أكثر من كونه عملًا تنظيميًا مؤسسيًا. وهذا لا يقتصر على حزب الإصلاح وحده، بل ينسحب على جميع الأحزاب، بما في ذلك العريقة تنظيميًا منها، مثل الحزب الاشتراكي.
وإذا أردت أن تعرف مستقبل أي حزب أو مؤسسة أو منظمة، فتكفي نظرة إلى واقع الشباب داخلها لتعرف إلى أين تتجه الأمور. أين هم شباب الحزب الاشتراكي اليوم؟ وأين موقفهم مما يجري داخل الحزب وفي البلاد؟ وأين هم شباب الإصلاح من شؤون حزبهم الداخلية؟ وهل هناك ما يمكن أن نطلق عليه "شباب المؤتمر الشعبي العام"؟ وماذا عن الناصريين والبعثيين، وأعضاء الأحزاب والحركات والمكونات السياسية الأخرى؟ إنهم جميعًا غائبون أو مغيَّبون، محبَطون ومحبِطون وتائهون، وقد أوصدت القيادات القديمة المترهلة في أحزابهم الأبواب أمامهم، فخارت عزائمهم، واستسلموا، وشاخوا هم أيضًا، وقد نسوا أو تناسوا أنهم يملكون مفاتيح التغيير.
المشكلة في اليمن أن الأحزاب التقليدية والعريقة تخشى التغيير الداخلي أكثر مما تخشى الانهيار. فهي منشغلة دومًا بالخطر القادم من الخارج، بينما يكمن الخطر الحقيقي في التدهور والتفكك والترهل الذي ينهشها من الداخل، وهو أخطر وأشد فتكًا من أي تهديد خارجي.
قد لا تروق هذه الحقيقة لكثيرين داخل هذه الأحزاب، لكنها الحقيقة التي لا يجرؤون على مواجهتها أو الرد عليها. فالتجديد لم يعد خيارًا ثانويًا أو رفاهية سياسية، بل ضرورة مصيرية: إما أن تتنحى القيادات الشائخة وتفسح المجال للشباب، أو يبادر الشباب بفرض أنفسهم لأخذ زمام المبادرة والقيادة، أو أن تمضي هذه الأحزاب في طريقها نحو التلاشي والانقراض.