صنعاء 19C امطار خفيفة

من البحر إلى الفقر.. مصادرة القوارب تهدد حياة الصيادين في الحديدة

من البحر إلى الفقر.. مصادرة القوارب تهدد حياة الصيادين في الحديدة
مصادرة قوارب الصيادين.. انتهاك يتكرر

كحال كثير من الصيادين اليمنيين الذين أجبرتهم المخاطر المتزايدة على ترك البحر، اضطر الصياد قاسم علي إلى هجر مهنته التي ورثها عن آبائه بعد أن تمت مصادرة قاربه. كانت تلك اللحظة القاسية بمثابة القشة التي قصمت ظهره، إذ خسر مصدر رزقه الوحيد بعد سنوات طويلة من المعاناة ومخاطر البحر التي لم تعد توازي ما يجنيه من رحلات الصيد الشاقة.

يقطن قاسم في منطقة القطابا بمديرية الخوخة، أقصى جنوب محافظة الحديدة والمحاذية لمحافظة تعز. بدأ ممارسة الصيد عام 2005 وهو في الثانية عشرة من عمره، واستمر حتى 2019 بعد أن اضطر لترك الدراسة في الصف الثامن بسبب الظروف المعيشية الصعبة لأسرته. وجد في الصيد وسيلة لكسب الرزق ومساعدة عائلته على مواجهة أعباء الحياة.

يقول قاسم لـ"النداء": "تعلمت الصيد لمدة عام، وبدأت العمل مع جيراني الذين ورثوا هذه المهنة عن آبائهم وأجدادهم، وكانوا هم من شجعوني وجعلوني أفكر بالعمل في البحر".

قاسم.. من صياد إلى عاطل بعد مصادرة قاربه

استطاع قاسم أن يدّخر بعض المال ويكمله بمبالغ اقترضها من أقاربه وأصدقائه، ليشتري قاربًا بقيمة عشرة آلاف ريال سعودي. كان يحلم أن يكون له مصدر دخل يساعده على بناء الأرض التي ورثها عن جده، لكنه لم يتمكن من تحقيق ذلك.

يضيف قاسم: "بدأت العمل بقاربي وتحسّن وضعي المادي بشكل كبير، إذ وصل دخلي الأسبوعي إلى مئة ألف ريال بعدما كان لا يتجاوز العشرين ألفًا. لكن بعد خمسة أشهر فقط، صادرت قوات خفر السواحل الإريترية قاربي، لينهار المشروع الذي كنت أرى من خلاله مستقبل أسرتي".

لا يكاد يمر عام على صيادي القطابا بشكل خاص والحديدة بشكل عام دون أن يتعرضوا لمصادرة قواربهم ومعداتهم من قِبل قوات خفر السواحل التابعة لدول مجاورة، في ظل غياب أي إجراءات رادعة توقف هذه الانتهاكات المتكررة بحق الصيادين اليمنيين.

قوارب مسلوبة ومعاناة بلا تعويض

وأكد ناشط حقوقي من الخوخة - فضّل عدم ذكر اسمه - أن مصادرة قوارب الصيادين ومعداتهم تتكرر باستمرار، ما يفاقم معاناتهم المعيشية دون أي تعويض أو استرجاع لوسائل رزقهم. وقال: "مصادرة قوارب الصيادين جريمة مزدوجة، فهي لا تسلبهم أدوات عملهم فحسب، بل تقطع أيضًا مصدر رزقهم الوحيد. يجب أن تتوقف هذه الانتهاكات فورًا، وعلى الجهات المحلية والدولية التحرك لحماية الصيادين وضمان حقهم في العمل بأمان وكرامة داخل المياه الإقليمية اليمنية".

كيف تمت مصادرة قارب قاسم؟

ذات يوم، طلب شقيقه هاني القارب للعمل به مع أربعة من أصدقائه الصيادين. غادروا القرية بحثًا عن الرزق في البحر، مر نحو 20 يوماً ولم يعودوا، بعد، ولم يعد القارب الذي لا يزال قاسم يسدد ثمنه. لاحقًا، وصل خبر احتجازهم لدى القوات الإريترية ومصادرة القارب.

يقول قاسم: "تم احتجاز أخي وأصدقائه من الممر الدولي قرب جزيرة زقر، ولم يكونوا قد تجاوزوا الحدود ليُحتجزوا. للأسف لا توجد دولة تحمي الصيادين، ولذلك تتكرر هذه الحوادث باستمرار ولا أحد يدافع عنا أو عن أدواتنا".

بعد عشرين يومًا، أُفرج عن هاني ومجموعة من الصيادين، وأُعيدوا عبر قارب إلى ميناء المخاء، ثم نقلهم أحد أبناء المخاء إلى ساحل الخوخة، لكن قارب قاسم لم يُستعد.

معاناة اقتصادية متفاقمة

يقول الباحث الاقتصادي نبيل الشرعبي إن غالبية سكان السواحل اليمنية يعتمدون على الصيد كمصدر رزق وحيد، لكنهم يتعرضون للاستهداف من دول الجوار، عبر مصادرة قواربهم واحتجازهم وطلب الفدية، ما فاقم من مشاكلهم الاقتصادية.

ويضيف في حديثه لـ"النداء": "هذه السياسات جعلت مئات الآلاف من سكان السواحل عرضة للفقر وانعدام الأمن الغذائي، وهو ما ينعكس على واقعهم الصحي والتعليمي. لم يعد الآباء قادرين على تحمل النفقات الصحية لأسرهم، خصوصًا الأطفال، فضلًا عن عجزهم عن إلحاقهم بالمدارس، ما يهدد حاضر ومستقبل هذه الأجيال".

البحث عن مصدر بديل

بعد خسارته قاربه وأمله، لم يفكر قاسم بالعودة إلى البحر. اتجه للبحث عن مصدر دخل آخر، فاشترى - بمساعدة قروض من أصدقائه - باص أجرة بدأ يستخدمه لنقل الصيادين من الخوخة إلى عدن والمكلا ورأس العارة والمهرة، حيث يجلبون الأسماك لبيعها في مدن أخرى.

الكثير من الصيادين مثله تركوا البحر بعد تعرضهم لمشكلات متكررة، على رأسها مصادرة أدوات الصيد، فاتجهوا للبحث عن أعمال بديلة تضمن لهم الأمان على حياتهم وممتلكاتهم.

حلول مقترحة

يرى الناشط الحقوقي محمد الغليسي ضرورة إيجاد حلول فعالة لحماية الصيادين، من بينها التنسيق مع دول الجوار لضمان عدم التعرض لهم وتأمين عودة ممتلكاتهم في حال احتُجزت. كما شدد في حديثه لـ"النداء" على أهمية توفير حماية قانونية للصيادين وممتلكاتهم، إلى جانب برامج تدريبية توعوية بالقوانين البحرية، بما يسهم في تقليل المخاطر وتجنب تكرار حوادث المصادرة والاحتجاز.

الكلمات الدلالية