صنعاء 19C امطار خفيفة

62 تغريدة صنعائية في حب "التي حوت كل فن": من يبغض صنعاء فإن له معيشةً ضنكًا*

(إلى الشهيد الخالد علي عبدالمغني في ذكرى ثورة سبتمبر)

1 _ من يناصر الشرعية في اليمن لا يتورط في إهانة اليمنيين، أو فئة منهم، أو مذهب من المذاهب التي يعتنقها اليمنيون، أو مدينة من مدن اليمن العريقة.
2 _ صنعاء، كمفردة، تعني القلعة. وصنعاء اليوم، بما هي "اليمن" مصغرًا ومكثفًا، هي حصن "الوطنية اليمنية". ومن العار على أي عربي أن يتوعد بتدميرها.
3 _ صنعاء وصعدة وذمار مدن يمنية عريقة، ومن الخفة والضحالة تصوير هذه المدن باعتبارها مدنًا حوثية.
4 _ من يناصر "الشرعية" مطالب باحترام المشاعر الوطنية لليمنيين. ما هي الشرعية إن لم ترتكز على الهوية الوطنية لليمنيين؟
5 _ تغيرت قسمات اليمن وتضاريسه السياسية والاجتماعية عديد المرات خلال الألفي سنة الماضية، لكن حواضره العريقة المأهولة بقيت حاضرة تنبض بالحياة.
6 _ صنعاء انغرست في ذروة الهضبة اليمنية قبل ثلاثة آلاف عام، وبقيت حيث هي رغم الاحتلالات والاجتياحات والاستباحات التي استهدفتها على مر تاريخها.
بستان في وسط مدينة صنعاء
7 _ من أسباب نكبة اليمن الراهنة أن كبار المسؤولين فيه يجهلون ما تعنيه صنعاء لليمنيين، وما تؤديه من وظائف سياسية واجتماعية وثقافية لكل اليمنيين.
8 _ في حقبة حكمه اعتمد الرئيس السابق صالح سياسات تجمع بين الحِفّة والجهالة والعصبوية، ما أدى إلى تضخم صنعاء بشكل أضر بها قدر ما أضر بالمدن الأخرى.
9 _ كبرت العاصمة بطريقة كارثية جراء التركيز العاصمي ولأسباب لها صلة بحسابات السلطة ومصالحها وعصبوية أركانها. أرادوا تأمين السلطة فتصدعت الدولة.
10 _ صارت العاصمة رمزًا للقهر والشرور في الثقافة الشعبية خلال العقود الأخيرة. كانت العاصمة "القاصمة" التي تكبد اليمنيين مشقة لإنجاز أتفه الأمور.
11 _ بعد حرب 94 اشتهرت زفرة أديب عدني تلخص معاناة أغلب اليمنيين من نظام ما بعد الحرب: "أمر لا يُطاق أن تكون عاصمتك في بلد شقيق"، زفر صاحبنا.
12 _ سياسات ما بعد حرب 94 فاقمت من مشكلة صنعاء التي كبرت قدر ما أغاظت. وفي 2000 كتب أدونيس متحسرًا على مدينة آسرة صارت جوهرة في كيس مهملات.
13 _ يعلمنا التاريخ أنه حتى في أدواره المعتمة تكمن إيجابيات. والأكيد أن سياسات صالح المنفّرة ومركزيته الغاشمة أفرزت صنعاء كبرى تكثف اليمن راهنًا.
14 _ في صنعاء الآن نحو ثلاثة ملايين يمني ويمنية من كل المناطق والقبائل. وهي المكان الذي يُستطاب سكناه من أغلب اليمنيين حتى ممن يخمشون كبرياءها راهنًا.
15 _ الأمكنة بناسها، كما يقول المثل الشعبي. وناس صنعاء هم يمنيون من كل بقاع اليمن.
16 _ في رحلة نايبور إلى اليمن في القرن الـ18 خسرت البعثة الأوروبية (التي ضمت علماء من تخصصات متنوعة) أغلب أفرادها أثناء تنقلها في اليمن. كانت صنعاء التي وصلتها في يوليو بمثابة الجنة.
ميدان التحرير
17 _ صنعاء ليست صالح أو الحوثي. ليست أياً من السلطات التي تعاقبت عليها. إنها "مليحة" اليمنيين، وملهمة الشعراء، وآسرة أعظم موهوبي اليمن عبر العصور.
18 _ بعيدًا عن تخرصات الجهلة الموتورين في اليمن والخليج، فإن تاريخ الإبداع في اليمن هو تاريخ "صنعاء" إلى حد بعيد، من الهمداني إلى البردوني.
19 _ كتاب صنعاء هو كتاب "الثقافة" في اليمن، من نشوان بن سعيد الحميري إلى عبدالعزيز المقالح، ومحمد عبدالقادر بافقيه، وعبدالله الحبشي، و"الفضول".
20 _ ابحث عن الجمال في اليمن تجد له أصلاً في صنعاء: من الشعر إلى الغناء إلى التشكيل. والمدينة العتيقة هي الرد الصاعق على الذين يتطاولون عليها.
21 _ في 1996 زار فنان مصر العظيم جورج البهجوري صنعاء للمشاركة في مؤتمر، ولم يحضر أياً من جلساته. في مسائه الأول دلف من باب اليمن ثم لم يخرج قط.
22 _ لاحقًا، روى البهجوري لثلاثة صحفيين يمنيين –كنت أحدهم– كيف أنه لم يشعر قط بالسأم في هذه المدينة المكتنزة بالأسرار. صارت التي "حوت كل فن" خلال أيام المؤتمر العربي بمثابة "مرسمه".
جامعة صنعاء القديمة
23 _ قال البهجوري إنه اكتفى خلال أيامه الأربعة في صنعاء بكرسي خشبي يجلس عليه في زقاق، وصفحات بيضاء وريشة، ورسم كما لم يرسم قط.
24 _ صنعاء هي "المصنعة" (أي الحصن أو القلعة). وهي المصنع الذي طلع منه أجمل ما يجمع اليمنيين: الأغنية اليمنية التي هي –بالتقريب– الأغنية الصنعانية.
25 _ في البدء كان الغناء اليمني، وبالتالي الخليجي، صنعانيًا.
26 _ وفي نهاية القرن الـ19 بدأت في صنعاء وكوكبان موجة عداء للغناء بفعل انتصارات جيش الإمام يحيى المحافظ دينيًا. وكان في ذلك نفع عظيم لليمن.
27 _ انتشر أعظم مطربي صنعاء وكوكبان وذمار وشبام في اليمن الكبير، وعلّموا اليمنيين كيف يغنون.
28 _ يذكر اليمنيون بعرفان الشاعر الغنائي جابر رزق الذي غادر صنعاء في نهاية القرن الـ19، متنقلاً في تهامة وغيرها، وواصل العزف مقدمًا أعذب الألحان.
29 _ في كتاب الفنان الكبير محمد مرشد ناجي عن "الغناء اليمني ومشاهيره"، يظهر إسهام صنعاء في الشعر والغناء، خصوصًا محمد الماس وابنه إبراهيم، وقبلهما جابر رزق.
30 _ من منزل محمد الماس مطلع القرن، تعلم اليمنيون في "عين اليمن"، عدن، كيف يدندنون بأروع قصائد الشعر الحميني.
31 _ في البدء غنى رواد الأغنية اليمنية في عدن الأغنية الصنعانية، ثم بعد عقود ظهرت الأغنيتان اللحجية والعدنية.
32 _ صنعاء ليست محض مدينة.
ليست محض متحف.
إنها منجم وبستان وصرح ووجهة ووعد.
33 _ من يبغض صنعاء فإن له معيشةً ضنكًا!
34 _ صنعاء هي "رئة" اليمنيين، ومتنفسهم الأول والأخير.
35 _ صنعاء التي قال عنها البردوني: "صنعاء منك، إليك، فيك، لكِ"، هي التي تظل في قلب كل يمني مهما تباعدت به السبل.
شارع المطاعم
36 _ هي التي ألهمت نشوان الحميري أن يقول: "ملكتني صنعاء وهي مليكة".
37 _ وهي التي بكى فيها عبدالله البردوني حين قال: "صنعاء يا جرحًا يطوف على فمي".
38 _ صنعاء ليست مدينة عابرة، بل ذاكرة اليمنيين الجمعية.
39 _ في أزقتها يُقرأ التاريخ، وفي مآذنها يُسمع الصدى الأول للأذان، وفي بيوتها الطينية يتجلى الإبداع المعماري.
40 _ صنعاء هي التي قاومت الغزاة منذ الحميريين وحتى العثمانيين، وستظل تقاوم.
41 _ في كل مرة حاول فيها غازٍ كسرها، خرجت أشد صلابة، وأكثر إشراقًا.
42 _ صنعاء هي التي تعيد تعريف الصمود كل يوم.
43 _ في كل نافذة خشبية محفورة، وفي كل قمرية مضاءة، هناك حكاية.
44 _ وفي كل حكاية، ثمة يمني يصر على البقاء.
45 _ صنعاء هي مدرسة الوطنية الأولى.
46 _ في مدارسها تعلّم عبدالمغني ورفاقه معنى الثورة.
47 _ ومن بيوتها خرج صوت سبتمبر معلنًا فجر الحرية.
48 _ صنعاء هي القلب الذي ضخ دماء الجمهورية في عروق اليمنيين.
49 _ وهي التي ما زالت تضخ الأمل رغم الجراح.
صنعاء
50 _ من يبغض صنعاء لا يعرف اليمن.
51 _ ومن يهينها، يهين نفسه أولًا.
52 _ صنعاء لا ترد على البغض بالبغض، بل ترد بالثبات.
53 _ هي تعرف أن الكراهية زائلة، وأن الجمال باقٍ.
54 _ صنعاء لا تحتاج إلى من يدافع عنها بالكلمات، فهي تدافع عن نفسها بالحياة.
55 _ كل فجر يشرق على مآذنها، شهادة بأنها أقوى من كل قصف.
56 _ وكل طفل يضحك في أزقتها، إعلان أن المستقبل لها.
57 _ صنعاء ليست ملكًا لفئة أو جماعة، بل هي ملك كل اليمنيين.
58 _ من صعدة إلى المهرة، ومن عدن إلى حجة، لكل يمني نصيب في صنعاء.
59 _ لذلك، فإن من يتطاول عليها إنما يطعن قلب اليمن.
60 _ لكن قلب اليمن لا يموت.
61 _ سيظل يخفق ما دامت صنعاء قائمة.
62 _ ومن يبغض صنعاء، فإن له معيشةً ضنكًا، ومصيرًا بائسًا.
تغريدات من  منصة "أكس" نشرتها أمس، وقدرت تقديمها للأصدقاء هنا، مُصدّرة بإهداء لأحد شهداء اليمن الخالدين الملازم علي عبدالمغني، الذي فجّر، ومعه نخبة من شباب اليمن في 26 سبتمبر 1962، ثورة يمنية كان لها دور عظيم في بلورة "وطنية يمنية" في عموم اليمن من المهرة إلى صعدة. ثورة سبتمبر التي أخرجت اليمنيين إلى العصر قدر ما أخرجت صنعاء من بواباتها إلى الحداثة، رغم كل الهزائم التي عصفت بهذه الثورة وبنظامها الجمهوري خلال العقود الماضية.
الشهيد علي عبدالمغني
هذه تغريدات كتبتها هناك، وأعيد نشرها هنا، ردًا على حملة الردح والتبخيس والتحقير في هذه المدينة اليمنية الفريدة، الفارهة والفاخرة، ولكن أيضًا المنكوبة بالسياسات وبالسياسيين الأغبياء والحمقى، الأنانيين المتغطرسين.
هذه 62 تغريدة في حب صنعاء، التي يتوهم البعض في اليمن والخليج أنها "مدينة يتيمة" بأكثر مما هي "مدينة مفتوحة" للاجتياحيين القادمين من الشمال (اليمني)، أو "مدينة مستباحة" من الطيران الشقيق (الداعم للشرعية المرشحة للتعفن في قصور الرياض)، ومن السُّنة المعلقين الفضائيين الحُداد، ومن قوات التحالف التي تتجمع في الشرق.
احتربوا حول ما تشاءون من عناوين، لكن "صنعاء ليست مدينة يتيمة" أيها المحلقون في أجوائها، وفي الفضائيات، وفي العوالم الافتراضية.

الكلمات الدلالية