صنعاء 19C امطار خفيفة

رئيس وزراء يهنئ مواطنًا يمنيًا بوصول عائلته إلى كندا

رئيس وزراء يهنئ مواطنًا يمنيًا بوصول عائلته إلى كندا
ديفيد آيبي

في لفتة إنسانية عميقة الدلالة، اجرى رئيس وزراء مقاطعة كولومبيا البريطانية، ديفيد آيبي، اتصالًا هاتفيًا، الجمعة، بأحد المواطنين اليمنيين المقيمين في كندا، ليهنئه بمناسبة وصول ستة من أفراد عائلته إلى مدينة فانكوفر، وذلك بدعم ورعاية من الحكومة الفيدرالية الكندية.

وخلال المكالمة، قال آيبي بعبارة تحمل الكثير من المعنى: "أنت وعائلتك الآن مواطنون كنديون".
هذه الجملة القصيرة تختزل الفارق بين عالم يعامل فيه الإنسان على أنه قيمة عليا تستحق الاهتمام والرعاية، وعالم آخر يترك فيه المواطن لمصيره وسط الإهمال والتجاهل.
في اليمن، يعاني الملايين من الفقر والجوع والإذلال. تنتهك كرامة الإنسان يوميًا، وتغيب الدولة عن أداء أبسط واجباتها تجاه مواطنيها. المواطن اليمني يجد نفسه في مواجهة مؤسسات بيروقراطية مغلقة، ومسؤولين لا يكاد يرى لهم أثر، ناهيك عن أن يستمعوا لشكوى الناس أو يحاولوا حل مشاكلهم.
الحصول على جواز سفر قد يحتاج إلى وساطات وانتظار طويل في طوابير مرهقة أمام مكاتب متهالكة عفا عليها الزمن.
جمال يتوسط نجليه
مراجعة المستشفيات الحكومية تتحول إلى رحلة قاسية من الإهمال، حيث المريض لا يجد سريرًا ولا دواء، فيما يغيب الأطباء أو يعتذرون بحجة انعدام الإمكانيات.
أما الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، فهي تنقطع لفترات طويلة، وأحيانًا غير موجودة تمامًا، تاركة الناس في معاناة يومية خانقة، دون أن يخرج مسؤول واحد ليشرح أو يعتذر.
وسط هذه الصورة القاتمة، تبرز قصة الصحفي اليمني المعروف جمال الغراب، كأحد النماذج المضيئة. فقد وصلت عائلته إلى فانكوفر في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، حيث كان في استقبالهم بنفسه في المطار.
جاء هذا اللقاء بعد سبع سنوات من الشتات، كما كتب في منشور على صفحته في "فيسبوك".
غادر جمال اليمن بسبب الحرب، كما غادر مثله كثيرون من الصحفيين وأصحاب المهن المختلفة، هربًا من القمع والتهديدات وانعدام الأمان.
الصحفيون لم يكونوا وحدهم؛ فقد لحق بهم أستاذة الجامعات، والأطباء، والمهندسون، والكفاءات الشابة التي لم تجد في وطنها سوى الأبواب المغلقة والظروف القاسية. وهكذا نزفت البلاد خيرة عقولها وكفاءاتها، لتتوزع في المنافي بحثًا عن الأمان والكرامة.
تنقل جمال بين عدة عواصم، من بينها أديس أبابا، قبل أن يستقر به المطاف أخيرًا في كندا كلاجئ.
وهناك احتضنته هذه الدولة العظيمة، وقدمت له الرعاية والخدمات كافة، وصولًا إلى التكفل بإحضار أسرته من اليمن. واليوم يعيش مع عائلته حياة كريمة محترمة، ومن المنتظر أن يحصلوا قريبًا على الجنسية الكندية.
وقال جمال، نقلًا عن رئيس الوزراء، "إنه عاتب منظمة ISS لعدم إبلاغ مكتبه بهذا الحدث الهام. وأوضح أن وصول هذا العدد الكبير من أفراد أسرة واحدة إلى كندا، كان يستحق احتفالًا رمزيًا فور وصولهم إلى مطار فانكوفر، مع تغطية إعلامية مناسبة تليق بالمناسبة".
أي مسؤولين هؤلاء يا ناس؟ مسؤول يتابع التفاصيل الدقيقة ليشارك مواطنًا مهاجرًا فرحته، بينما في اليمن يغيب المسؤول حتى عن أبسط واجباته تجاه شعبه، لكنك تجده في كشوفات الإعاشة والمنح والترقيات والتعيينات.
هذه هي كندا العظيمة، وهذه هي صورة الدول التي تعرف قيمة الإنسان، دون النظر إلى معتقده أو لونه أو هويته أو انتمائه.
وعندما نتحدث عن اتصال رئيس وزراء مقاطعة كولومبيا البريطانية بمواطن يمني لتهنئته بوصول عائلته، يقفز إلى الذهن مشهد آخر تمامًا: محاولات المواطن اليمني داخل بلاده للوصول إلى أحد المسؤولين من أجل أبسط المعاملات.
تجربة شخصية تكشف حجم الهوة: أشهر من المحاولات لاستخراج وتصحيح شهادة دراسية، اتصالات ورسائل متعددة إلى رئيس جامعة أو أمين عام أو مسجل مختص، لكنها جميعا تنتهي إلى الصمت والتجاهل.
والأمر لا يقتصر على الجامعات، فاليمني يواجه المشهد نفسه في الدوائر الحكومية، في مكاتب الجوازات، في مراكز الشرطة، في المحاكم، وحتى عند البحث عن دواء لطفله في صيدلية حكومية.
المواطن يطرق كل الابواب، لكن الأبواب تبقى موصدة، وكأن التواصل مع المسؤولين جريمة لا تغتفر.
الفارق شاسع بين مسؤول أجنبي يمد يده إلى مهاجر ليشاركه فرحته، ومسؤول يمني يغلق أبوابه ويبتعد عن الناس وكأنهم عبء لا يستحق الالتفات.
المسألة ليست معقدة، وليست بحاجة إلى وعود كبيرة أو خطابات رنانة. كل ما يطلب من المسؤول هو أن يرد على اتصالات المواطنين، أن يستمع لهم، أن يقترب منهم، وأن يحاول حل مشاكلهم.
خدمة الناس ليست منة، بل هي واجب قبل أي اعتبار آخر.
كندا أعطت للعالم درسًا في أن الدول العظيمة لا تبنى بالموارد وحدها، بل تبنى بالإنسان ولأجل الإنسان. أما اليمن، فمازال مواطنوه ينتظرون لحظة يكتشف فيها المسؤول أن وظيفته الأولى هي خدمة الشعب لا غير.

الكلمات الدلالية