مبتعثو الانتقالي.. محاولة لتجميل الصورة المشوّهة
أثار ابتعاث مائة طالب وطالبة من المحافظات الجنوبية الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، للدراسة الجامعية في دولة الإمارات العربية المتحدة، جدلًا واسعًا في الأوساط التعليمية والشعبية، ولدى الناشطين والوسط الإعلامي.
وكان نائب رئيس مجلس الرئاسي اليمني، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي قد ودّع، أمس الخميس، في مطار عدن الدولي، مائة طالب وطالبة، ابتعثهم المجلس الانتقالي للدراسة في دولة الإمارات، على نفقة هذه الأخيرة.
ويكمن سبب الجدل المثار، إلى كون أن ثلثي الطلبة المبتعثين ينتمون إلى محافظة جنوبية واحدة هي محافظة الضالع، والثلث الآخر المتبقي تم توزيعه على ست محافظات جنوبية، ما وصفه البعض بـ"استئثار" الضالع بنصيب الأسد على حساب طلبة بقية المحافظات.

وأكد إعلاميون وناشطون جنوبيون، في أحاديث منفصلة لـ"النداء" حقيقة تلك المعلومات، وأفادوا أن المنح توزعت بشكل غير عادل تمامًا؛ وحظيت محافظة الضالع التي ينتمي إليها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات على ضعفي ما نالته بقية المحافظات الجنوبية الست.
بل إن بعضهم أشار إلى أن كثير من مبتعثي محافظة الضالع هم أقارب ومن أسرة واحدة، وبعضهم إخوة، ما ينفي أن تكون المنح الدراسية هذه قد اعتمدت بناءً على معايير علمية، رغم أن بعض الإعلاميين حاول الإشارة إلى أن المبتعثين من أوائل الثانوية، في محاولة لمنحهم صفة "الاستحقاق".
ونشر إعلاميون، موالون للمجلس الانتقالي، تفاصيل وأسماء الطلبة المبتعثين إلى الإمارات، والمحافظات التي ينتمون إليها، وأشاروا إلى أن 68 طالبًا من أصل المائة المبتعثين ينتمون إلى محافظة الضالع وحدها، و32 المتبقين ينتمون إلى المحافظات الجنوبية الأخرى، وبنسبة الثلثين إلى الثلث.
معايير الابتعاث
جانب من الجدل يكمن في أن المنح الدراسية لم تحصل عليها اليمن بشكل رسمي أو عبر برامج الابتعاث الحكومية، وهو ما أدلى به وزير التعليم العالي والبحث العلمي بالحكومة اليمنية، الدكتور خالد الوصابي، في تعليقه على ابتعاث الطلاب إلى دولة الإمارات.
وقال الوصابي في تصريحات صحفية: "تواصل معي العديد من الطلبة والإعلاميين بشأن المجموعة التي تم ابتعاثها، ونود التأكيد أن هؤلاء الطلبة لم يتم ابتعاثهم عبر الوزارة إطلاقًا، ولا علاقة للوزارة بآلية الاختيار أو الفرز".
وأضاف الوزير أنه تابع الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، متمنيًا للطلاب المبتعثين التوفيق والنجاح في مشوارهم العلمي.
فيما علّق الناشط والإعلامي محمد المسبحي، في منشور على منصات التواصل، متحدثًا عن النظام الرسمي لابتعاث الطلاب إلى الخارج، لافتًا إلى أن هذا النظام يقوم على جملة من المعايير، ويعتمد أولًا على المعدل الدراسي والتفوق العلمي، بحيث تكون الأولوية لأصحاب المعدلات الأعلى.
وتابع المسبحي: "كما يؤخذ في الاعتبار الاحتياج الفعلي للتخصصات التي تخدم البلد، إلى جانب أن يقوم الابتعاث على مبدأ الشفافية والعدالة بين المحافظات، بحيث تحصل كل منطقة على فرص متقاربة مع فتح باب التنافس عبر الامتحانات والمفاضلات؛ لضمان أن تذهب المنح إلى من يستحقها".
وتساءل في ختام منشوره: "فهل صدرت كشوفات شفافة تؤكد أن المنح وزعت بعدل وكفاءة".
دعاية إعلامية للانتقالي
ناشطون حقوقيون وإعلاميون انتقدوا التباين في الحصول على الفرص بين شباب الوطن الواحد، ونبّهوا إلى أنه في الوقت الذي يتم ابتعاث طلاب إلى الخارج، بغض النظر عن معدلاتهم وتفوقهم، يعيش طلاب آخرون في حرمان من مجرد الحصول على فرصة للتعليم، أو شراء الملابس والزي المدرسي والكتب الدراسية، في الوقت الذي لا يحصل المعلمون على حقوقهم الكاملة.
وقال الناشط محمد علي الحريبي: "شعرتُ ببارقة أمل عندما رأيتُ صور المبتعثين للدراسة في الخارج، لكن هذا الشعور سرعان ما تبدد، ليحل محله شعور عميق بالشك والريبة".
وأضاف الحريبي، في منشور على منصات التواصل، أن هذه الريبة لم تأتِ من فراغ، بل من معرفته المباشرة لحقيقة كيان المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أثبتت الأيام أنه لا يمتلك أي "حس إنساني"، بحسب وصفه.
واعتبر أن هذه البعثة، في ظل كل ما نمر به، لا تعدو كونها دعاية إعلامية رخيصة، مثلها مثل كل تلك التفاهات التي مرت علينا
في وقت فقدت فيه الحياة قيمتها، وفي ظل واقع الفساد المدمر الذي نعيشه، والذي حرم الكثير من الأبناء للذهاب للمدارس بسبب عجز الآباء عن شراء الكتب أو الملابس.
تجميل صورة الانتقالي
وواصل: "لستُ هنا لأتكلم من باب التحامل، ولكن من منطلق الحقيقة المرة التي عاشها الكثيرون، من خلال الدور السلبي للانتقالي في التعامل مع قضية المعلمين، والتلاعب بقضيتهم لسنوات، وكيف تسبب الفساد الذي يمارسه المحسوبون عليه في طعن نزاهة جامعاتنا ومستواها الأكاديمي، خاصة فيما يتعلق بمسألة البحوث المزورة، والفساد لا يقتصر على الأمور المادية فقط، بل يمتد ليشوه سمعة مؤسساتنا التعليمية".

الحريبي يرى أن الانتقالي يختلف عن روح القضية الجنوبية النبيلة التي قامت على الكفاح والنضال، لأنه لا يحمل في جوهره الإنسانية بقدر ما يحمل الكراهية والعنصرية المقيتة.
ويشير إلى أن ثقافة الفساد، والأصولية، والمحسوبية، هي السمات التي طغت على أفعال الانتقالي؛ مما يجعل الشك يتسرب إلى نزاهة هذه البعثات، فالشكوك حولها ليست مجرد أوهام، بل تكاد تكون حقيقة، خصوصًا أنها لم يُعلن عنها مسبقًا ولم توضع لها معايير واضحة للقبول، لهذا تبدو هذه المبادرة مجرد محاولة لتجميل صورة مشوهة.