صنعاء 19C امطار خفيفة

دفاع عن كتاب "نظريتنا السياسية ومعايير النضال"

نشر العم حسن الدولة مقالًا في صحيفة "النداء"، بتاريخ 6 فبراير 2025، تحدث فيه عني وعن كتابي "نظريتنا السياسية ومعايير النضال"، في سياق نقاشه مع القاضي الأديب عبدالعزيز البغدادي، حيث قال العم حسن الدولة ما نَصُّهُ:

"اتكأ (القاضي عبدالعزيز البغدادي) في مقاله الذي هو رد على كتاب للولد محمد حسن زيد... وقد تناول ما طرحه الولد محمد، نجل صديقنا المشترك الشهيد حسن محمد زيد، الذي كان أكثر انفتاحًا من نجله؛ وأكثر بُعدًا عن الفرز العرقي، وذلك لأن المقال أشار إلى ما قاله محمد حسن زيد عن الشهيد يحيى المتوكل، القائد السبتمبري البطل، الذي ناضل هو وزملاؤه ضباط الثورة من أجل التخلص من النظام الإمامي الرجعي المتخلف؛ وقد سبق لي أن أرسلت رسالة عبر البريد الخاص بالواتساب، معاتبًا إياه على اعتبار الشهيد يحيى المتوكل "إمامًا جمهوريًا"، وهي إساءة أيما إساءة للشهيد يحيى، وقلت له: لو كان الشهيد يحيى حيًا لرفع عليه قضية إساءة وطعن في إيمانه بالنظام الجمهوري، وقد حاول أفراد من الإسلام السياسي السني "رياض الغيلي"، الهمز في قناة الشهيد اللواء يحيى المتوكل، ومن خصوم الشهيد، أما أن نسمعها من ابن أخت زوجة الشهيد يحيى، فتلك مصيبة. وهي عادة كل من يظنون أقبح ما يأتونه حسنًا." انتهى كلام العم حسن الدولة.
أقول مستهديًا بالله: الهدف من كتاب "نظريتنا السياسية ومعايير النضال" الذي نشرته بتاريخ 26 سبتمبر 2024، كان محاولة متواضعة لمقاربة نقاش ساخن نعيشه في اليمن على خلفية الصراع والحرب والسلام بغرض تَلمُّس حلحلة سياسية يُريد البعض ألا ترى النور أبدًا حيث يُصورون الصراع على أنه صراع حياة أو موت لا حل له إلا بخضوع بعض الأطراف أو فنائها، ليبقى مصير اليمن هو استمرار الحرب، بينما هو في الحقيقة صراع سياسي يمكننا أن نتعايش كيمنيين بسلام معه لولا الإرادة الخارجية.. بل إن التوافق بين القوى اليمنية كان قد تم قبل 26 مارس 2015 في جلسات موفنبيك وفي مؤتمر الحوار الوطني وفي اتفاقية السلم والشراكة لولا أن تدخلت قوى إقليمية عسكريًا بهدف تخليق واقع آخر على الأرض.
سأتحدث بصراحة كما فعلتُ في الكتاب. الإخوة أنصار الله يحكمون وهم محسوبون على الزيدية وعلى الهاشميين، ولعل أهم العناوين التي أفرزها التجاذب السياسي أثناء هذه المرحلة، هي "الإمامة" و"أهل البيت" و"الاصطفاء" و"العنصرية" و"الإسلام السياسي" و"الهاشمية السياسية" و"التخلف" و"الرجعية" و"رفض التطور والانفتاح" وغيرها.
بعد التصدير بعنوان "السلطة ليست حقًا عائليًا"، حاولت في الكتاب مناقشة العناوين السابقة عبر انتقاء واحد وعشرين مقالًا كتبتها جميعًا بعد أن تعرض والدي للاغتيال (عدا مقالين منها فقط هما المقال الثامن عشر والتاسع عشر)، حيث رتبت المقالات في الكتاب لا على أساس تاريخها بل كالتالي:
1- المقال الأول: "لا داعي أن يحكمنا هاشمي"
وضحت فيه أن القضية ليست قضية "من هو الشخص الذي يحكم" بل القضية هي "ما هو المطلوب من الحاكم" هاشميًا كان أو غير هاشمي، فإذا حقق الحاكمُ المطلوبَ فلا يحق لأحد أن يُطالب بتغييره أو يعترض عليه فضلًا عن أن يثور عليه مهما كان أصله أو فصله.
2- المقال الثاني: "الإسلام السياسي -النفاق السياسي -الكفر السياسي"
حاولت توضيح مصطلح "الإسلام السياسي" الذي تمت شيطنته في الإعلام بعد الربيع العربي وتم تحميله مسؤولية الإخفاقات السياسية المتراكمة متسائلا عن المصطلح المقابل لـ"الإسلام السياسي" وحقيقة المشروع الذي يُرادُ تحقيقُهُ إذا تم إلغاء "الإسلام السياسي".
3- المقال الثالث: "الفرق بين زيد ويزيد حرف"
حاولت توضيح مصطلح "الهاشمية السياسية" إجمالًا وما الذي يُقابلُهُ إجمالًا.
4- المقال الرابع: "الهاشميون وموقعهم في النظرية السياسية"
السلطة ليست حقًّا لبني هاشم كما يتوهم البعض، بل أهل البيت مخصوصون بتحمل مسؤولية إمامة الناس، ومكلفون بالتحرك حين يستحكم الباطل ويستطيل وتكون الظروف غير متكافئة معه حتى لو كان الثمن هو تضحيتهم بالنفس والولد.
5- المقال الخامس: "التبابعة/ الفراعنة/ العباهلة/ الأقيال.. نعرات يائسة"
بحث مكون من عدة مقالات فيها تحليل للنعرات الجاهلية التي قامت ردًّا على تصدر أنصار الله للمشهد السياسي في اليمن.
6- المقال السادس: "أنتم أيها العنصريون من أوصل أنصار الله إلى صنعاء"
النبرة العنصرية ضد الهاشميين في اليمن إنما هي بسبب العجز العسكري عن كسر حركة أنصار الله التي يتوسع دورُها ونفوذُها يومًا بعد يوم مع مراجعة تاريخ الحركة وان السبب الحقيقي وراء وصولها إلى صنعاء كان -للمفارقة- هو نفس العنصرية التي مارسها النظام السابق ضد بني هاشم.
7- المقال السابع: "العنصرية داء، بينما الاعتزاز بالقبيلة وبالأصل شيء طبيعي"
عدم التعارض بين اعتزاز الانسان بانتمائه لوالده ولقبيلته وبين انتمائه لوطنه.
8- المقال الثامن: "الانبهار بأيديولوجيا القوى العظمى"
9- المقال التاسع: "الدلالة الفكرية لتكنولوجيا إيران"
مقال حاولت فيه توضيح خطأ المقولة الأيديولوجية الشهيرة "العلم يتعارض مع الإيمان"، والتي تأثر بها كثير من المثقفين العرب، وبنوا عليها بنيانهم الفكري والثوري.
10- المقال العاشر: "العقل العربي بين التفكير العلمي والتفكير الغيبي"
11- المقال الحادي عشر: "ما هي الدولة المدنية؟"
توضيح مصطلح "الدولة المدنية" الذي أصبح شعارًا هامًا في المرحلة تتداخل فيه الأغراض والأهداف بين ما هو واضح وما هو غامض.
12- المقال الثاني عشر: "الإمام الجمهوري يحيى المتوكل"
حديث عن ثورة 26 سبتمبر 1962 وأحد أبرز رموزها، كما تم التطرق لمصطلح "الإمامة" الذي تعرض لشيطنة ممنهجة في المرحلة السياسية السابقة!
13- المقال الثالث عشر: "نقاش حول الهاشمية السياسية"
14- المقال الرابع عشر: "الاصطفاء في القرءان والواقع وعلاقته بالدعاء"
فكرة الاصطفاء التي يستشكلها البعضُ مستنكِرًا، مع تلمّس الحكمة منها وبيان انها مفهوم قرءاني أصيل إن قرر أحد المُستشكلين أن يتجاهلَهُ فعلى الأقل عليه أن يُحسِنَ الظنَّ بمن يؤصلون له فلا يتهمهم بالعنصرية والزيغ والضلال!
15- المقال الخامس عشر: "من هم أهل البيت؟"
ما ورد في فكر عامة أهل السنة حول مصطلح "أهل البيت".
16- المقال السادس عشر: "العلمانية الشاملة والإسلام الكاريكاتوري"
هذا المقال مع المقالات التالية غرضها جميعًا هو مناقشة معايير النضال حتى لا يتحول الجهاد إلى إجرام أو مجرد قِناع لمزاحمة الناس على السلطة والجاه أو أداة لتصفية الحسابات، فالفرق بين الفتنة والثورة يكاد يكون شعرة.
17- المقال السابع عشر: "أهمية الإطار النظري في التربية الحركية"
18- المقال الثامن عشر: "كيف يتغلب الحق على الباطل؟"
19- المقال التاسع عشر: "إضاءات معاصرة لثورة الإمام زيد"
20- المقال العشرون: "السيد حسن نصر الله ليس رافضيًا بل من يخذلونه هم الرافضة"
بيننا كزيدية وبين الإخوة الاثني عشرية صراع تاريخي حاول البعض استغلاله لتفكيك جبهة الممانعة للعدو الصهيوني بأعذار مذهبية واهية.
21- المقال الحادي والعشرون: "المهدي المنتظر"
مقاربة مختلفة لفكرة المهدوية.
-----------------
قبل أن أعلق على ما كتبه العم حسن الدولة، أجد هذه فرصة مناسبة لأنشر تعليقي على مقال القاضي الأديب عبدالعزيز البغدادي، والذي تناول فيه كتابي في مقال بعنوان "العنصرية مرض علاجه دولة المواطنة المتساوية"، فكان تعليقي عليه:
"سيدي الحبيب أسعدني اهتمامكم وتشرفت بتعليقكم وهو يعني لي الكثير، فلطالما كنتم بالنسبة لي جبلًا شامخًا أشعر مع وجوده في المجتمع بالأمان نستمد من تجربته الحكمة ومن ابتسامته المشرقة العزاء ومن طلعته البهية الأمل.
يا سيدي هدفي كذلك هو تحقيق المواطنة المتساوية والعدالة الانتقالية والحلحلة السياسية، وما خضت هذا الخوض إلا مضطرًا أداء لواجب استشعرته في ظل احتقان خطير وفجوة تتسع ينبغي أن يرتفع في مواجهتها صوتُ الحق والعقل والإنصاف أعلى من أصوات النشاز والتحريض والصلف.. هل نستشعر خطر العنصرية على الوطن وعلى المستقبل؟
كيف نعالجها؟
بإلغاء مذهب واستئصال طائفة؟
أم بالفكر والتنوير المتدرج؟
تركيا العلمانية حاولت استئصال الإسلام بشكل فج حتى جاهرت بالاستخفاف بأوضح تعاليم الدين أملًا في التخفف من أعباء التاريخ للحاق بركب أوروبا وسد الفجوة الحضارية، فانتهت من حيث بدأت إلى الإسلام السياسي، لأن لا أيديولوجية يمكن أن تملأ حياة الإنسان وتجيب على جميع أسئلته مثل الدين.
"نظريتنا السياسية ومعايير النضال" هو محاولة متواضعة لإعادة ضبط المفاهيم وطرح الأمور بصراحة بغرض المقاربة الفكرية وعلاج العنصرية، مع تجنب التصادم مع "النصوص" قدر الإمكان، لأن مصيري في الآخرة لا يحتمل أن ألقى الله وقد أسهمت ولو بشطر كلمة في الصد عن سبيله.. نسأل الله السلامة في الدين والدنيا.
رعاكم الله سيدي الغالي وسلمكم وشكرًا جزيلًا لكم.." انتهى تعليقي على مقال القاضي الأديب عبدالعزيز البغدادي.
أعود الآن لما كتبه العم حسن الدولة واتهمني فيه اتهامًا عامًا بالميل نحو "الفرز العرقي"، دون أن يحدد شاهدًا معينًا على ذلك!
الكتاب بمجمله رفض لفكرة العنصرية، وتفنيد لها، وتوضيح لمخاطرها، واقتراح وسائل لمعالجتها، فكيف وجدني أكثر ميلًا نحو "الفرز العرقي"؟
ألأني استخدمت تركيب "الإمام الجمهوري" في المقال الثاني عشر؟
من أراد أن يفهم فليقرأ مقال "الإمام الجمهوري يحيى المتوكل" في الكتاب، وسيدرك أن هذا المقال لم يكن إلا جزءًا عارضًا من الفكرة الجوهرية، أجد أن من الغريب اختزال الكتاب فيها مع التجاهل التام للمقال نفسه ومضمونه، إذ كان أحد أغراض المقال الإشارة إلى نضوج موقفي من ثورة سبتمبر 1962 بعد أن أدركت عبر الاطلاع على سيرة اللواء يحيى المتوكل وبعض قصصه ووثائقه، أن عهد الملكية الذي ثار عليه لم يكن مثاليًا ولا مقدسًا، وأن الجو العام آنذاك كان مهيأ للتغيير بتأثير الجمهوريات العربية الناشئة، حيث لم يكن كثير من شباب الهاشميين استثناء لهذا التطلع، فقد تحمسوا مثل غيرهم لثورة سبتمبر وللنظام الجمهوري، ولم يخطر في بالهم أن ذلك الحماس يتعارض بأي حال من الأحوال مع المذهب الزيدي، ولا سيؤدي إلى اضطهاد طائفة من الشعب، ولا إلى ذبح العلماء ورجال الدولة بلا محاكمة، بل حلموا مثل بقية الحالمين بأن النظام الجمهوري هو نظام للجميع سيضمن لليمن التقدم والرقي والرخاء والعدالة والمساواة بلا عنصرية ولا مَلَكيّة ولا وصاية خارجية! هذه هي الحصيلة الختامية للمقال، والتي تجاهلها العم حسن تمامًا ربما لأن عنوان المقال استفزه غاية الاستفزاز فمنعه من القراءة الموضوعية.. عمومًا أشكر العم حسن على الاهتمام، ولا أرى حاجة للرد عليه، فالكتاب موجود، وما فيه واضح الدلالة والغرض، والله المستعان.

الكلمات الدلالية