مغزى تأسيس المؤتمر الشعبي العام في ٢٤ أغسطس
تتنافس وجهتا نظر حول خلفية تأسيس المؤتمر الشعبي؛ أولاهما وجهة نظر الإخوان المسلمين أو من يحلو لبعضهم تسمية أنفسهم "الحركة الإسلامية" تمهيدًا لفكاك قريب من التنظيم الدولي للإخوان الذي يبدو أن لا مستقبل له كما ينصح البعض منهم، بالزعم بأن المؤتمر تأسيسًا وميثاقًا كان من فعل الإخوان وحدهم الذين لم يكن لديهم اعتراض على تأمير الرئيس علي عبدالله صالح الذي كان بحاجة ماسة لهم ولمليشياتهم في بداية سلطته، وفي حربه في المناطق الوسطى التي كان جل قوامها من قبيلة حاشد، وهم الذين يضنون بكوادرهم ويقاتلون غالبًا بالغير.
وثانيهما من بنات أفكار د. عبدالملك عودة، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، الذي انتدب للتدريس في جامعة صنعاء، وكان هو أول من وصف المؤتمر بدون أن يمحص ويدقق ويبحث، بأنه تنظيم نشأ بفكر محلي، ولم يكن كغيره من خارج البيئة اليمنية، وعلى طريقه سار كثيرون حتى اليوم. وللتأكيد على قيادة الرئيس للمؤتمر والولاء له تعين مغترب سابق في إثيويبا رئيسًا لتحرير صحيفة المؤتمر: "الميثاق"، الذي حول الصحيفة لكيل الثناء على الرئيس. في إحدى مقالاته أحصيت ذكره لاسمه ثلاث عشرة مرة. لم يعترض الإخوان الذين كان يهمهم الحصاد، وليس الكلام الذي لا يمكث في الأرض.
المؤتمر حزب مصالح
لم يكن للمؤتمر جذور شعبية، وقد استمد قوته من كونه التنظيم الفضفاض للرئيس والسلطة والمال الذي يمنح فيه الوزراء والسفراء على سبيل المثال عضوية اللجنة الدائمة، ثم يخرجون منها عندما يفقدون وظائفهم، وهذا سلوك غير قائم في الأحزاب الحقيقية. لم يكن من النادر أن يحمل بعض المنتسبين إليه بطاقات عضوية غير معبأة لإعطائها لمن يتوسمون فيهم الولاء للرئيس أو قبول العمل مع الأمن أو ابتغاء المنفعة.
تنظيم أمني
أستحسن بمناسبة الذكرى الـ43 للتأسيس، ما ذكرته من قبل عن مصدر لن أفصح عنه، يعمل سفيرًا حاليًا، قول الدكتور عبدالكريم الإرياني له بأن المؤتمر حزب الأمن، وما قلته في يونيو 1990 للبروفيسورين الأمريكيين مايكل هدسون وروبرت بوروز، اللذين كلفني د. الإرياني بمرافقتهما، وقبيل لقائهما بقيادي كبير في مقر المؤتمر، بأن المؤتمر تنظيم أمني، ولأنهما في مهمة علمية، قال لي البروفيسور هدسون سآخذ هذا الكلام على محمل الجد، وكان ردي أن القائل د. الإرياني، ويستطيع التثبت منه. وبالفعل كان المؤتمر في غالبيته من المخبرين والمنتفعين والوصوليين كمعظم أحزاب السلطة في دول العالم الثالث.
البضاعة بانت من أولها
عند التأسيس كنت أعمل في السفارة ببروكسل، وبطلب من السفير أحمد الحداد وافقت الخارجية البلجيكية على تدريب دبلوماسي فيها في إدارة المراسيم. أرسلت الخارجية ملحقًا دبلوماسيًا للتدريب، وكان المتوقع إرسال شخص أرفع درجة يجيد الإنجليزية على الأقل. عند تأسيس المؤتمر أصبح الملحق رئيسًا على السفير في اجتماع في السفارة، ليطلع الكل بمن فينا السفير، وكيل الخارجية السابق والسفير السابق في الأمم المتحدة وخريج جامعة ييل الأمريكية الشهيرة، على ما وصله عن التأسيس والأهداف الخ... هذه الهفوة لم تحل دون الترحيب بإنشاء المؤتمر، ولكن مع الوقت ثبت أن المؤتمر حزب السلطة والأمن والمال.
لماذا تأسس المؤتمر في 24 أغسطس؟
كان الرئيس صالح والإخوان المسلمون يؤمنون بأنهم في صراع دائم مع قوى اليسار في اليمن. وما كان سعادة لهم كان نكسة للثورة اليمنية. في 23 و24 أغسطس 1968 افتعلت القوى المحافظة العسكرية والمشيخية والمدنية صراعًا دمويًا ضد قوة جمهورية مغايرة لها في الفكر والانحياز لمصالح اليمنيين، لم تبخل ببذل الدماء للدفاع عن الجمهورية منذ قيامها وحتى انتصار السبعين الذي كان لها فيه باع طويل لم ينكره إلا البعض، ومنهم كاتب مذكرات هرب من الميدان، وقلل بما يقرب من الابتذال في مذكراته من أدوار من صمدوا في حرب السبعين.
في 24 أغسطس كانت الهزيمة للقوى صاحبة المصلحة في الثورة، وبالمقابل هدية مجانية للسعودية. وقد أفصح عن ذلك كاتب المذكرات نفسه بقوله إنه لم يعد للسعودية عذر بعدم الاعتراف بالجمهورية، بعد أن حقق هو وصحبه أحد أهم شروطها بقضائهم على قوى اليسار المدنية والعسكرية، وتشريدها وسجنها.
الرئيس علي صالح المنتمي إلى أسرة فقيرة جدًا، ناصب القوى المنحازة لرفاقه الفقراء العداء، وكان يوم التأسيس في 24 أغسطس ذا مغزى له ولـ"الحركة الإسلامية"، لأن الطرفين كانا لايزالان يريان أنهما في صراع لا يتوقف مع من هُزموا عام 1968، ومع رفاقهما في الجنوب الذين هزماهم مرة أخرى بتحالفهما الثاني عام 1994.
اليوم، المؤتمر وكافة الأحزاب في مفترق طرق؛ فإما أن تكون أو لا تكون، ولن تكون إلا باستقلال قرارها ووطنيته، وتكتلها، وعدم تمكين العدو التاريخي من الهيمنة على اليمن وعلى مصالحها وسياساتها بالنتيجة.