تحدث عن الوحدة والحرب والبرلمان..
جباري يستعيد محطات التحول والصراع في اليمن

في الحلقة الثانية من "حكايتي"، يتابع عضو مجلس النواب عبدالعزيز جباري سرده لمراحل مفصلية من حياته، متقاطعًا مع تحولات عميقة في التاريخ اليمني الحديث، تبدأ من انطباعاته عن مدينة عدن الجريحة في أعقاب أحداث 1986، وتمتد إلى مشاهد الوحدة اليمنية عام 1990، ثم ما تلاها من صراعات، وصولًا إلى تجربته الانتخابية المرة عام 1997، وما تلاها من عمل دؤوب للعودة بثقة إلى مقاعد البرلمان.
بعين الشاهد لا السياسي، يتحدث جباري عن البيئة الطاردة لرأس المال والكوادر في عدن، وعن الفجوة بين الشعارات والواقع. يناقش بإسهاب موقفه من حرب 1994، والالتباس الشعبي والسياسي الذي سبقها، كما يفكك المغالطات التاريخية حول من كان فعلاً وحدويًا.
وفي استعادةٍ ساخرة لمسيرته السياسية، يكشف كيف تحوّل من مرشح خاسر إلى نائب فائز بعد ست سنوات من الإصرار، وكيف واجه حملات التشويه، وراهن على خدمة الناس في الميدان.
تجربة جباري في البرلمان - كما يرويها بصراحة - لم تكن امتدادًا للسلطة، بل صدمة في واقع العمل النيابي، ومحاولة مستمرة لخلق صوت يعكس تطلعات المواطنين بعيدًا عن الشعارات.
فإلى التفاصيل:
"النداء" تنشر النص الكامل لهذا الحوار بالتزامن مع عرضه المصوّر على قناة "حكايتي"، ضمن اتفاق تعاون إعلامي مشترك.
..................................
- رحمة: مرحبًا مشاهدينا في الحلقة الثانية.. اليوم نستكمل سلسلة مذكرات الأستاذ عبدالعزيز جباري. تحدثنا في الحلقة السابقة حول لحظة وصوله إلى عدن عام 1989وانطباعاته.
عدن الجريحة
أستاذ، أخبرتني في الحلقة السابقة أنكم حينما وصلتم إلى عدن كان أكثر ما لفت انتباهك شعارات الحزب الاشتراكي التي كان فيها نوع من التسلط، وكذلك مقابر الشهداء.. وماذا أيضًا؟
جباري: في تلك الأيام كانت عدن جريحة، لم تمر سوى سنتين أو ثلاث سنوات على أحداث 1986؛ أحداث دامية ومؤلمة راح ضحيتها عدد من المواطنين، وتركت جراحًا لا يزال اليمنيون يعانون منها حتى يومنا هذا، مثلها مثل كثير من المحافظات اليمنية سواء في الشمال أو الجنوب. الآلام موجودة في كل مكان؛ في الشمال والجنوب، أحداث ماضية وأحداث حالية.

وأعتقد أنه في بداية انهيار الاتحاد السوفيتي كان الوضع ضبابيًا بالنسبة لليمن، وخرج الناس من مآسي حرب بعد حرب، ومآسٍ بعد مآسٍ، ومشاكل بعد مشاكل. كثير من الأسر غادرت إلى الشمال ودول الخليج، وكثير من القيادات وكذلك الكوادر. لقد كانت عدن تزخر بالكوادر الإدارية والمهنية في كل المجالات، وبعد ما حدث التأميم وجاء الحزب الاشتراكي، غادروا عدن وتوجهوا إلى دول الخليج فاستفادت من تلك الكوادر.

من بنى دول الخليج؟ حتى شمال اليمن، كانت هناك كوادر تعمل، وكان هناك تجار جاؤوا من عدن. كنا نجد في الحديدة: باشقاع، باشنقر، باعبيد، كل هذه البيوت التجارية كانت في عدن، وبازرعة، وكثير من التجار من أصول حضرمية وعدنية، ومن التجار الشماليين الذين كانوا يعملون في عدن مثل بيت هائل سعيد ودرهم. كل هذه البيوت التجارية خرجت من مدينة عدن وانتشرت في جدة واليمن ودول الخليج. لقد أصبحت في تلك الفترة البيئة طاردة لرأس المال الوطني وللشخصيات الوطنية.

- رحمة: ولكن بعد الوحدة هناك من يقول إن الوضع أصبح أصعب من ذي قبل؟
جباري: هذا غير صحيح، خصوصًا عندما يتغير النظام الاقتصادي من النظام الاشتراكي إلى النظام الاقتصادي الحر، بمعنى أن الذين كانوا يعتمدون اعتمادًا كليًا على الحكومة ـ وهي من كانت تصرف عليهم ـ وبعضهم غير منتجين، اختلف وضعهم. لكن الاقتصاد الحر جعل الوضع مختلفًا، ولم يكن هذا في الجنوب فقط بل حتى في دول اشتراكية انهارت ثم تحولت وبنت اقتصادها، بما فيها روسيا التي كان وضعها في بداية التسعينات مهلهلًا. وفي الجنوب لم تكن هناك موارد.
- رحمة: ما الذي أضافه الشماليون للجنوبيين؟ غير أخذ الأراضي والانفلات الأمني إلى حد ما، فقد أصبح الوضع الاجتماعي أكثر تعقيدًا، وانتشر الفكر الديني المتشدد.
جباري: أنا الآن لا أناقش مواضيع سياسية، وما الذي كان أفضل. لكني أتحدث عن فترة تاريخية أنا شاهدتها بعيني، أما الأحكام وغيرها فأتركها لمن يريد أن يتحدث في هذا المجال.
- رحمة: بمعنى تريدنا الاستمرار في الحديث عن الماضي؟
جباري: أنا أتحدث عن الماضي ووجهة نظري حوله، وما شاهدته في تلك الفترة. هذه المواضيع قد أشبعها الناس حديثًا وتشخيصًا وتمحيصًا.. أنا الآن أتحدث عن فترة تاريخية. شاهدت تلك المناطق كمواطن يمني أتى إليها ولاحظ كيف كانت. وعندما كتبت في بعض المنشورات وانتقدني البعض، لم يكن لدي أي مصلحة في المبالغة، ولكني أتحدث حول ما رأيته بعيني وانطباعي.
عندما سافرنا إلى عدن لم نجد حتى مطعمًا نأكل فيه، أو مقومات الحياة التي كنا نعتقد أننا سنجدها، وكنا نتوقع بلدًا لا يضاهيه حتى بعض الدول الأوروبية، ولكننا لم نجد ذلك، كانت مجرد شعارات.
الوحدة.. فرحة وطنية بمرارات سياسية
- رحمة: إذًا أسعدتك الوحدة اليمنية حين تمت؟
جباري: بالطبع، لا يوجد أحد لا يفرح بالوحدة ويسعد بها، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية والمماحكات وغيرها. نحن نتحدث عن قيمة وطنية لنا ولأولادنا ولتاريخنا. الخلافات الآن، وخلافات بعض الجهات، والمصالح، والذين يريدون المناصب، لكن الوحدة كقيمة وطنية أمر محمود.
- رحمة: بعد ثلاث سنوات "يا فرحة ما تمت" اندلعت حرب 1994، وقبلها كانت وثيقة العهد والاتفاق في الأردن. هل هناك شيء في ذاكرتك حول ذلك؟
جباري: بالطبع كنا نتابع ما يجري من مماحكات سياسية، وللأسف الشديد شارك الجميع في ذلك. كانت هناك جهات جنوبية تدفع باتجاه التقسيم مع الحزب الاشتراكي وعلي عبدالله صالح، ووقفوا مع علي سالم البيض وهربوا معه، وهناك جهات شمالية وقفت مع الحزب الاشتراكي، منهم مشايخ، ودفعوا باتجاه التأزيم كرهًا وبغضًا بالقيادة السياسية آنذاك برئاسة علي عبدالله صالح، وليس من أجل الوطن.

كل هذه الجهات عملت من أجل الوصول إلى حرب 94، وأعتقد أننا كيمنيين كان بإمكاننا تجنب هذا الماضي الذي لم يستفد منه أحد. بالعكس، أرى أن 94 كانت محطة سيئة في حياتنا وتركت جرحًا غائرًا ندفع ثمنه حتى يومنا هذا.
- رحمة: لكن هناك جانب إيجابي في هذه النقطة، وأود أن أسمع رأيك فيه.. فحرب بين نظامين في الشمال والجنوب تنتهي خلال شهرين فقط، ألا يعكس ذلك حرص الناس على تقليل الخسائر، وفي الوقت نفسه وجود إدارة سياسية ذكية من الطرفين؟
جباري: لا توجد إيجابية في أي حرب، مآسي الحروب أكبر بكثير، ولكن يمكنك القول إن الخسائر كانت أقل.
- رحمة (مقاطعة): ولماذا استمرت لشهرين فقط ولم تستمر أكثر؟
جباري: لشهرين، لأن الشعب اليمني كان كله مع الوحدة، والشعب الجنوبي كان متحمسًا لها أكثر من الشماليين. وهناك مغالطات تاريخية تقول إن الجنوبيين كانوا ضد الوحدة والشماليين وحدويين. لا، الأحداث تقول غير ذلك. وأنا واحد من الناس الذين اطلعوا على محاضر مجلس الشعب التأسيسي في الشمال؛ كان كثير من الناس في الشمال ضد الوحدة، وكانوا رافضين للمشروع خوفًا من الحزب الاشتراكي وخوفًا على امتيازاتهم.
- رحمة: ولكن تحققت الوحدة على الرغم من وجود عدد لا بأس به من الرافضين لها.
جباري: كان هناك عدد من القوى السياسية المؤثرة في الشمال لم تكن مع الوحدة، وهناك أيضًا أحزاب كبيرة لم تكن مع الوحدة، ولذلك رفضوا مشروع مسودة الدستور أو الاستفتاء عليه، لأنهم قاموا بتقديم مشروع الدستور للموافقة عليه في المجلس الأعلى - أعتقد في الجنوب - ومجلس الشعب التأسيسي في الشمال، وكثير من الناس والجهات لم توافق على مشروع دستور دولة الوحدة. بينما في الجنوب وافقوا.

والتاريخ يقول إن الشماليين الذين كانوا في الجنوب ومنتمين للحزب الاشتراكي كانوا ضد الوحدة، وكان كثير منهم متحفظين وكانوا يقولون ذلك. ولكنهم في الحقيقة كانوا ضد الوحدة. ولو لاحظتِ - وبدون ذكر أسماء - وعليكِ بالمتابعة، أن الشماليين الذين ينتمون للحزب الاشتراكي كانوا متحفظين على الوحدة عام 1990، واعتبروا أن علي سالم البيض متسرع في هذا الجانب. لذلك كثير من دعاة الوحدة كانوا من الجنوب.
والشارع في الجنوب كان وحدوي، فعند نزول علي عبد الله صالح إلى عدن رفعوا سيارته وعلقوها في الهواء فرحًا بالوحدة. وكان لديهم مبرر الفرح؛ أولًا لأنهم تربوا على الوحدة وتغنوا بها منذ زمن، وكان لديهم شعار تحقيق الخطة الخمسية والوحدة اليمنية. لدرجة أن أي سياسي يمني في الشمال إذا بدأ يعمل ضد الوحدة أو يقف عقبة كانوا يقومون بتصفيته. والتاريخ يقول إن دعاة الوحدة والوحدويين الحقيقيين، خاصة السياسيين الكبار، كانوا من الجنوب.
الأسد الجريح الذي صار خيلاً
- رحمة: وهذا ما أكده الرئيس علي ناصر محمد. نعود إلى ما بعد 1997 وفشل "الأسد" في الانتخابات وحماسه، كيف قرر جباري الظهور مرة أخرى ولكن بشكل "الخيل". متى انضممت إلى المؤتمر الشعبي العام؟
جباري: أولاً دعيني أستكمل الفكرة. بالنسبة للرئيس علي ناصر محمد، فإن من يطالع تاريخه لا بد أن ينصفه؛ فهذا الرجل، وبغضّ النظر عمّا جرى في الجنوب وأحداث 1986، كان له دور بارز في رسم ملامح العلاقة بين الشمال والجنوب، وأسهم بفاعلية في مسار التأسيس لمشروع الوحدة اليمنية ومؤسساتها. لقد كان دوره ملموسًا ومحوريًا، وسيظل التاريخ منصفًا له رغم ما شاب تلك المرحلة من خلافات وصراعات.

أمّا بخصوص سؤالك حول "الأسد الجريح" الذي أصبح خيلاً، كنّا في فترة من الفترات قد انضممنا إلى المجالس المحلية، انضممنا كأعضاء في الجمعية العمومية، ولم نعرف إلا عندما أنزلوا لنا بطائق في 86 أن فلان ابن فلان عضو في المؤتمر الشعبي العام.
- رحمة (مقاطعة): كيف حدث ذلك يا أستاذ؟ هذا ليس منطقيًا. كيف اختاروا عبدالعزيز ابن أحمد جباري عضوًا في المؤتمر الشعبي العام؟
جباري: في المؤتمر الشعبي العام اتخذوا قرارًا بأن أعضاء المجالس المحلية في كل المحافظات أعضاء في المؤتمر الشعبي العام.

- رحمة: كيف أصبحت عضوًا في المجلس المحلي أولاً؟ هذا من أجل التاريخ.
جباري: بالانتخابات في فترة من الفترات لم تكن هناك سجلات للناخبين، أدخلونا فصولًا في إحدى المدارس.
- رحمة : في أي عام كان ذلك؟
جباري: أعتقد 86 أو 87.
- رحمة: نستطيع القول بأن هذا كان أول نشاط سياسي بالنسبة لك.
جباري: نعم، في ذلك اليوم طلب من كل شخص أن يرشّح نفسه، وأنا قمت بترشيح نفسي وفزت عن منطقة معينة في حارة اسمها "حارة الصلاحي" في ذمار في الجمعية العمومية للمجلس المحلي.
- رحمة: بنسبة معينة أم كيف كان الاختيار؟
جباري: كانوا يقومون بجمعنا في فصل دراسي واحد ويتم جمع بين 100 أو 150 شخص، وبهذه الطريقة يتم الترشيح.
كانت المجالس المحلية هي النواة لانتخابات مجالس محلية أخرى وانتخابات مجلس الشعب التأسيسي ومجلس الشورى وما تلاها من انتخابات، وهناك خطوات سارت البلاد على أساسها. عندما كنت أنا عضوًا في المجلس المحلي أخذت بطاقتي وعرفت أنني عضو في المؤتمر الشعبي العام.
- رحمة: وهل شعرت بسعادة أم لا؟ نريد الإجابة بصراحة.
جباري: الأمر كان عاديًا، وكان ما قبل الوحدة لم تكن هناك الحزبية، وكان جميع الناس في المؤتمر، وكانت شعبية علي عبدالله صالح كبيرة جدًا قبل الوحدة، وهذا كان بالنسبة لي أول التزام.
أما كيف انتهت في 97، عندما خسرت الانتخابات، أنا بعد 97 خرجت جريحًا كالأسد، وبدأت أنتقم من السيارة التي كنت أمتلكها فبعتها، لأن هذه السيارة شوّهت سمعتي كون الكثير كانوا يقولون: هذا الرجل من سيصل له؟ من يستطيع التحدث معه؟ وبعد ذلك قمت بشراء سيارة "كرسيدا" صغيرة، ثم بدأت أقيم سبب فشلي، ووجدت أن الخلل كان عندي وليس عند الناس، أولاً من خلال تصرفاتي، لأنني لم أكن موفقًا في كثير من التصرفات. وقضية الانتخابات: إذا خسرت أحمل نفسك المسؤولية ولا أحمل الآخرين، لأنه يجب عليك أن تقنعهم أنك مؤهل لهذا المكان قبل أن تقول: لماذا لم ينتخبني الناس؟ أكثر الناس الذين كنت أعتقد أنني مشهور ومعروف عندهم كانوا لا يعرفونني في دائرتي، وكانوا يقولون: من هذا عبدالعزيز جباري؟
- رحمة: ثم بدأت تخطط باكرًا وعوضت الهزيمة.
جباري: أنا دخلت بشكل غير مخطط له، كردة فعل على الكلام الذي جرى بيني وبين زملائي حول الانتخابات، ولم أعلم إلا وأنا مرشح. فأي شخص يدخل الانتخابات ويخسر، عليه أن يصبح مثل الأسد الجريح أو كما يقولون (مرهوش)، يحاول الفوز، تكون لديه ردة فعل.
- رحمة (مقاطعة): جباري فقط من يريد الفوز، أما البقية فينكسرون ويمرّون، وبالذات بعد مشيّة المركز الثقافي الصعبة والأليمة. ولكن أنت قوي وعنيد.
جباري (ضاحكًا): بعد الخسارة حتى الأطفال عندما يأتون كانوا يذكرونني بالخسارة ويقولون: أين السيارة؟ أين الصالون؟
- رحمة: المهم أن الأطفال شجعوك.
جباري: لم يكن أمامي سوى أن أضحك، أحاول المكابرة.
- رحمة: ما الذي حدث قبل 2003؟
جباري: بدأت بالتفكير أنه لا بد من الوصول إلى مجلس النواب بأي شكل من الأشكال، والمشكلة أني توقفت عن العمل في مكتبي العقاري، وبدأت بتحدي نفسي، وأردت أن أثبت للناس أنني لست بذلك الشكل الذي رسموه عني. أنا الإنسان القادر على تحقيق مصالحهم وخدمتهم. أريد تحقيق مصالحهم الخاصة والعامة، ليس خدمتهم في المديرية ولكن خدمتهم في المجال العام، في مجال التشريع. وبدأت العمل بين الناس وكانت علاقتي بهم علاقة طيبة لدرجة وثق الناس بي. وأهل ذمار طيبون جدًا فوق ما تتصوري، وإذا وثقوا في شخص يأمنونه. لدرجة كان عندما يحدث قتل خطأ أو صدام سيارات يأتون إليّ ويطالبون بحكمي، وأنا كنت أقول لهم: أنتم أعلم كونكم أصحاب الدم.
- رحمة (مقاطعة): بمعنى أنك أصبحت أحد أعيان ذمار الذين يلجؤون له.
جباري: نعم.
- رحمة: بالنسبة للمؤتمر الشعبي العام، هل قويت علاقتك بهم من أجل الترشيح؟
جباري (ممازحًا): سيأتي دور المؤتمر، لأنني أعلم أنك حريصة عليه؟
- رحمة: لست حريصة على المؤتمر ولكني حريصة عليك.
جباري (متابع): بعد ذلك سارت الأمور والحمد لله على ما يرام، وبدأت أعمل بين الناس وبدأ الناس يعرفونني بشكل صحيح، ويقولون: ليتنا انتخبناه لأنه جيد. ثم مرت أربع سنوات وتم التمديد لمجلس النواب سنتين، وأنا كنت منتظرًا انتهاء الأربع سنوات بفارغ الصبر. لدرجة أنني كنت عندما أستيقظ صباحًا لا أذهب إلى المكتب وأفكر أن أذهب إلى أقسام الشرطة وأرى من هو مسجون وأبحث عن هذا وأُخرج هذا السجين، وأقدم لهذا خدمة. وبعد الست سنوات جاءت الانتخابات.
- رحمة: قبلها بكم؟ قبلها بسنة؟ هل كنت قد رتبت وضعك مع المؤتمر الشعبي العام أم لا؟ لأنه ليس من المعقول أن المؤتمر اختارك خلال شهر؟
جباري: لم أرتب.
- رحمة: وكيف اختاروك؟
جباري: في الأصل أنا ما زلت عضوًا في المؤتمر، ولم يتخذ الحزب أي إجراء ضدي بسبب ترشحي أمام مرشحه؛ لأنه لم يكن مرشحًا رسميًا للمؤتمر، بل مجرد مرشح جرى تبنّيه من داخله. وكما أوضحت سابقًا، كان هناك تنسيق بين الإصلاح والمؤتمر، ونزل ذلك المرشح بشعار السيف لا بشعار المؤتمر. ولهذا لم يُتخذ ضدي أي إجراء ولم يتم فصلي، وما زلت محسوبًا على المؤتمر. وعندما جاءت انتخابات 2003 كنت قد رتبت لذلك مسبقًا، إذ كنت أعقد اجتماعات منذ عام 2002. وكان الناس يسألون وقتها: ما الذي لديهم؟ فيُقال لهم: مهرجان. فيتساءلون: مهرجان لأي مناسبة؟ فيُقال: للانتخابات. فيردّون باستغراب: أي انتخابات؟ فيُقال: انتخابات أبريل 2003. فيعقّبون: لكننا ما زلنا في 2002! وكان الأخ محمد السيقل يعلّق قائلاً: قولوا له يهدأ، فالانتخابات ما تزال بعيدة.

كنت حينها متحمسًا جدًا، وعندما اقتربت الانتخابات علمت أن هناك آلية للانتخابات، اختيارنا المجالس المحلية والعلماء والشخصيات. وقبلها عندما كان الأستاذ عبدالواحد الربيعي محافظًا ثم محمد حاجب، وبعدها الأستاذ منصور، عندما جاءوا المحافظون إلى ذمار، وقبله محمد الذرة، كنت كلما يُعين محافظ أقوم بأي تصرف لأثبت لهم أني موجود حتى يعرفوني ولا يتم تجاهلي.
كانوا دائمًا يسألون، وكانوا يصفونني بأنني "مُشعب". وكان هذا الكلام ينفعني أكثر مما يضرني، لأن المسؤول عندما يأتي هو بحاجة إلى ناس لتجنب الكثير من الإشكاليات.
- رحمة: وبدأت بترتيب وضعك.
جباري: ذكرت الأستاذ منصور عبدالجليل.
- رحمة: منصور عبدالجليل؟ إذًا نريد أن نعرف تفاصيل ما الذي تم، وكيف قررت بترشيح نفسك، وكيف الأسد الجريح عوّض خسارته السابقة.
جباري: قبل منصور عبدالجليل، منصور كُلّف بالعمل في ذمار، وقد كنت حينها عضو مجلس النواب. ولكن قبلها كان المحافظ الأستاذ عبدالوهاب الدرة، وهو شخصية محترمة، كان يحظى بشعبية جارفة في ذمار قبل أن تأتي هذه الأحداث وتفرّقنا فيما بيننا وقسّمتنا، للأسف الشديد. ولكن هو قيادي من طراز رفيع للأمانة والإنصاف. ذهبت إليه وقلت له: أخي المحافظ، أنت تعلم أني منذ ست سنوات وأنا أعمل بين الناس وأسست قاعدة شعبية جارفة لي، ولا يستطيع أحد تجاوزني. وأخبرته أنه لمصلحتي ومصلحته أن أرشح من قبل المؤتمر. وقلت: أنت مصلحتك أن تنجح في ذمار.

وفي ذمار على وجه الخصوص لأنها المدينة وهي المركز الرئيسي للمحافظة، وإذا فشلت في ذمار فشلت في المحافظة بأكملها. وأنا مصلحتي أن أصل إلى مجلس النواب، وأسهل وسيلة كانت عبر المؤتمر الشعبي العام. وبالطبع هو كان لديه معلومات من قبل عن علاقتي بالناس وخدمتي لهم، وأن لدي جماهير واسعة. فكان رده: نجعل هذا الكلام بيني وبينك، وقال: اعمل، والمؤتمر الشعبي العام لديه آلية، إذا أنت صعدت بالآلية كان بها، وإذا لم تصعد بها فلا أستطيع أن أعمل لك شيئًا. فقلت له: ولكن المهم ألا تقف ضدي، ومن مصلحتك ومصلحة المؤتمر أن أنزل باسم المؤتمر. فقال: متفقين على هذا الكلام. وغادرت المكان.
بعد ذلك نزلت آلية المؤتمر، عرفت الآلية وبدأت أشتغل. وفي ذمار كان الأمر متعبًا جدًا، وكأننا سنحكم الولايات المتحدة الأمريكية وليس دائرة من دوائر ذمار.
- رحمة: لماذا؟ هل بسبب التعليقات؟
جباري: لا، نحن في ذمار كنا نتنافس داخل المدينة بشكل سلمي، بعيدًا عن استخدام السلاح، لكن مع شيء من الحدّة التي تظل في إطار المسموح به، وبالأدوات التقليدية مثل استقطاب الناس بالذهاب إليهم أو إحراجهم. كنت أملك فندقًا، وكان بعض الناخبين المستهدفين يتعرضون لمحاولات من منافسين للتأثير عليهم. وعندما كنت أشعر أنهم بدأوا يتأثرون، كنت آخذهم للإقامة في الفندق لثلاثة أيام، أغلق عليهم المكان، وأوفر لهم مصاريفهم حتى لا يخرجوا ويغيّروا موقفهم.
- رحمة (ممازحة): لأنهم لو خرجوا سترتفع التكاليف.
جباري: خروجهم سيكون لمصلحة الطرف الآخر، في هذا اليوم يأتي فلان معك، وفي اليوم الآخر قد يغيّرونه.
- رحمة: لقد حسمها عبدالعزيز جباري، لن أفشل مرة أخرى.
جباري: أبدًا، الفشل بالنسبة لي معناه أني أضعت عشر سنوات من عمري، والحمد لله توفقت.
بعد أن أجريت انتخابات، وأقصد بها ليس الانتخابات العامة، وإنما انتخابات المؤتمر الشعبي العام، فاز من يخوضها باسم المؤتمر الشعبي العام. حصلتُ على 18 صوتًا مقابل 12 صوتًا لمحمد السيقل، المنافس. خرجوا، وكان المفترض أن يقتنع بأني أصبحت مرشح المؤتمر الشعبي العام. لكنهم قالوا له: عبدالعزيز جباري في انتخابات 97 لم ينسحب لك، فكيف تنسحب له؟ بعد ذلك صمّم على الترشح، وكان هو مرشح المؤتمر في 97 وأنا منافسه، وفي 2003 أصبحتُ أنا مرشح المؤتمر وهو منافس لي، وكان شعاره السيف.

طبعًا، قبل أن يتم تعميد المرشحين من قبل اللجنة العامة، كنتُ أكتب، كما ذكرتُ لك سابقًا، بعض المقالات الساخرة في صحيفة الشموع وأخبار اليوم وغيرهما. كانت كتاباتي تحمل نوعًا من السخرية، وكنت متأثرًا بالأستاذ محمود السعدني، الكاتب المصري الكبير، الذي كان يكتب بطريقة ساخرة، تقرئين مقاله من البداية إلى النهاية وأنتِ مبتسمة، وكلامه يحمل مغزى. كنتُ أكتب على هذا النحو، وكانوا يجمعون مقالاتي، وقد نسيتُ بعضها. وبعد ذلك اكتشفتُ أنهم جمعوا ملفات وذهبوا بها إلى علي عبدالله صالح وإلى الأمن العام للمؤتمر الشعبي العام، وقالوا: هذا مخرب كبير وضد المؤتمر الشعبي العام، وينزل باسم المؤتمر! انظروا ماذا قال وكتب. كل شيء كان موثقًا ولا أستطيع إنكار الدليل، فالمستندات موجودة. لكن الرئيس علي عبدالله صالح، رحمه الله، كان رجلًا.
- رحمة: ماذا قال؟ ألم يقل: كيف ينتقدني؟ "شاطيره".
جباري: بعد ذلك حصل نوع من التحدي، إذ قيل إن المؤتمر لن يرشحني. فكلف الحزب أحمد دارس، وكان موظفًا في ذمار، ليتقصى الوضع في الدائرة ويرفع تقريرًا. وعندما عاد، أخبرني عبدالواحد صلاح - رحمه الله - وكان حينها أمين المجلس المحلي في المحافظة، بما جرى. قال إن الجلسة التي ترأسها علي عبدالله صالح طُرحت فيها عدة أسماء، من بينها اسمي، فاعترض البعض قائلين: هذا ضد المؤتمر الشعبي العام. وبدأ صالح يأخذ آراء الحاضرين، فسأل المحافظ وعبدالواحد صلاح. يروي لي صلاح أنه أقسم بأنه كان يتصبب عرقًا حين وُجه له السؤال، فأجاب: برأيي أنه سيفوز. فرد صالح قائلاً: ليش خايفين؟ خايفين يُكتب عليكم؟ يلا مشّوه، مشّوه. وهكذا نزلت باسم المؤتمر الشعبي العام، لكني وصلت في مرحلة لاحقة إلى قناعة أنني كنت أتمنى لو لم أنزل باسمه أصلاً.
- رحمة: لماذا؟
جباري: لأن معظم أعضاء المؤتمر الشعبي العام بدأوا يعملون ضدي. كانوا يرون أنه طالما لم نتفق معه في ذمار، فكيف سنتفق معه إذا أصبح في صنعاء؟ كان هناك نوع من الصدامية. كثير من مدراء العموم في المدينة، خصوصًا الفاسدين منهم، كنت أتصدى لهم، وهذا دفعهم للتعصب ضدي من باب التحدي. وكان بعض أعضاء المؤتمر الشعبي العام في نفس الدائرة يرددون: هل أنتم مجانين حتى تختاروا عبدالعزيز جباري؟ إذا كنا لم نتفق معه في المحافظة، فكيف سنتفق معه وهو عضو في مجلس النواب؟
ذلك كان مجرد انطباع غير واقعي وغير صحيح. في الجوهر، كان موقفي نابعًا من غيرتي على المال العام في ذمار.
- رحمة: ما هو أسوأ شيء استُخدم ضدك؟
جباري: هي وسائل مشروعة، ولكن بطريقة "من حق ذمار". على سبيل المثال، كان يحيى الراعي يقول: أخبروه ماذا كان يقول له أهل ذمار.

- رحمة: وماذا كانوا يقولون؟
جباري: كانوا يكتبون شعارات على الجدار، مثل: "يقول علي ولد زايد: يا صاحبي يا ذماري، رشّح يهودي بزنار، ولا ترشّح جباري".
- رحمة (ممازحة): يا ليت كان معكم يهود في ذمار، كانوا انتخبوك.
جباري: اليهود موجودون.
- رحمة: أقصد في وقت الانتخابات.
جباري: في الانتخابات لا، هذا من ضمن الأشياء التي كانت تُقال، ولكنها في إطار الكلام.
- رحمة: نريد نوادر طريفة قبل النتائج، غير "يهودي بزنار ولا جباري".
جباري: عندما كان لدي مكتب عقاري، ولأن المدينة مقسومة إلى دائرتين: دائرة فيها الأستاذ أحمد الخولاني من أبناء ذمار، وهو شخص محترم ومهذب ومتحدث بارع، وكان نائب رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام، وكان في بعض الأوقات يلقي محاضرات. أما أنا فكان لدي مكتب عقاري، ولم يكن الناس يعرفون فهمي وثقافتي، بل فقط يعرفون أن لدي مكتبًا عقاريًا. فكان بعضهم يقول: ما الذي سيفعله عبد العزيز جباري في صنعاء؟ هل سيذهب ويأخذ المتر ويحسب كم طول مجلس النواب؟
- رحمة: في يوم الانتخابات، كيف كان شعورك منذ ساعات الصباح الأولى وأنت ذاهب للتصويت؟
جباري: جرت عندنا الانتخابات في دائرتي، وكان التنافس بيني وبين محمد السيقل. كان تنافسًا راقيًا لم تشهده أي محافظة أخرى؛ لم يتخلله شتم، لكنه كان شديدًا للغاية. إلى درجة أن بعض أصدقائي كانوا يأتونني عند الثانية بعد منتصف الليل ويقولون: اخرج، هناك مسيرة لفلان. وإذا لم أخرج معهم قد يتركونني. كنت أخرج أحيانًا وأنا أشعر بخجل شديد، فيما كان الناس يدعون علينا لأنهم يريدون النوم بينما نحن نهتف في منتصف الليل. كانوا يتساءلون: من هؤلاء؟ فيُقال: جماعة فلان وفلان. فيردون ساخرين: هل سيُحكَم الله عليهم؟ ثلاثة أشهر أرهقناهم بالمظاهرات.
ولم تكن المظاهرات محصورة بذمار، بل شارك فيها ناس من تعز وإب وعدن. وفي النهار كانت تخرج مسيرات بالآلاف: واحدة معي وأخرى مع منافسي، الذي ما زال يحتفظ بشعبية كبيرة. وأتذكر أنه في يناير أو فبراير، أي قبل فتح باب الدعاية الانتخابية بشهور، كنا بالفعل في خضم المظاهرات. وكان الناس يتساءلون: هذه المظاهرات لماذا؟ فيُقال لهم: للانتخابات. فيردون: انتخابات ماذا؟ "بكّرتم بالانتخابات يا أهل ذمار!".
فوز مستحق بعد سنوات من التحضير
- رحمة: وما الذي حدث في يوم الانتخابات؟
جباري: في يوم الانتخابات عرفت أن الأمور كانت طيبة، وكان هناك تنافس شديد. في المركز الأول، عند بداية الفرز، كان كله للخيل.
- رحمة (ممازحة): أحيانًا الخيل ينفعك أكثر من الأسد.
جباري: بالنسبة لمنافسي، حقق رقمًا جيداً لدرجة أن أصدقاءه، وهم ناس طيبون، كانوا أوفياء معه بدرجة كبيرة، لدرجة أنهم لم يكونوا مقتنعين بالخسارة. فعندما أُعلنت النتيجة وكنت أنا الفائز، رفضوها وذهبوا وأحاطوا بباب المحافظ وقالوا: نحن الفائزون! ورفضوا النتيجة.
- رحمة: على أي أساس؟ مثلما عملتَ أنت في السابق؟
جباري: أنا اقتنعت.
- رحمة: هذه للأجيال.. هناك شباب طموحون، من أول ضربة ينكسرون ويكتئبون. أنت قاتلتَ واشتغلتَ ست سنوات. عندما أُعلن أنك الفائز، كيف كان شعورك؟
جباري: أنا اشتغلت في الحكومة، ولكن أقسم بالله لم أسعَ لمنصب كما سعيت لمجلس النواب. سعيتُ له بكل ما أوتيت من قوة. الحمد لله وُفقتُ، وكان ممكن أن أفوز وممكن أن أتعثر.
- رحمة: كم الفارق بالأصوات؟
جباري: كان الفارق كبيرًا، ولكني نزلت باسم المؤتمر، والفارق كان بالآلاف.
- رحمة: ولكنك بكل تأكيد كنت سعيدًا ومرتاحًا.
جباري: بالطبع. كما تعلمين، الناس مع المنتصر. جاء المنافس محمد السيقل ليبارك لي بالانتصار، وجاء وفي يده السلاح ليطلق النار. ورأيتُ نفسي فيه عام 97، في الموقف الذي كنتُ فيه. فأشفقتُ عليه كما أشفقْتُ على نفسي، لأن الهزيمة مرة.
- رحمة: ولكن الفوز ليس في كل مرة.
جباري: يا أختي عندنا الهزيمة تختلف عن الهزيمة في العالم، نتنافس تنافسًا وكأن الهزيمة نهاية العالم. وأنا قلت لك قبل الحلقة: ليس كل من يفوز يستحق الفوز، وليس كل من خسر يستحق الخسارة. هناك ناس وصلوا وفازوا ولكنهم لم يستحقوا هذا المكان، وهناك شخصيات خسرت واستطاعت أن تصل إلى قاعة البرلمان وهم يستحقون ذلك. فقضية الفوز والخسارة لا تدل على أن فلان عظيم وغيره لا.
- رحمة: ولكن هناك معايير نريد معرفتها، من المؤكد أن ذلك حزب كبير ولديه مقدرات دولة وسيفوز مرشحه. وكونك تتحدث بشفافية، ما هي أهم الوعود التي وعدت بها الناخبين حينها؟
جباري: الوعود حينها أنني سأحارب الفساد وأخدم أبناء دائرتي.
- رحمة: وأكيد كان هناك خدمات.
جباري: بالنسبة للخدمات أنا لا أدعي أنني قدمت لدائرتي وأبناء مدينتي بشكل عام، لم أفرّق بين دائرتي، ولو أن شعبيتي كانت جارفة في ذمار إلى 2011. سأحكي لك فيما بعد حولها. ولكن أنا فتحت مكتبًا في ذمار، وربما أنا من النواب القلائل الذين فتحوا مكاتب لاستقبال الناس. ويوم الخميس والجمعة من الضروري أن أكون بين أبناء دائرتي، وفي الإجازة، نحن نعمل أسبوعين ونأخذ إجازة أسبوعين، في الأسبوعين لا أغادر مكتبي ولا مدينتي.

- رحمة: ما أبرز مطالبهم كانت في 2003؟
جباري: كان المواطنون طيبين.
- رحمة: دعنا أستاذ نتحدث من 2003 وحتى 2010، نحاول نسلّط الضوء عليك كنائب ودورك خلال هذه الفترة. ما كانت أبرز مطالب أبناء دائرتك في ذمار؟
جباري: أكثر الناس بحاجة لمساعدتهم في الحصول على وظيفة، لأن أكثرهم كانوا خريجين، وغير الخريجين أيضًا. أنا حاولت بوسائل، نجحت في جهة ولم أحقق نجاحًا في جهة أخرى. والذي استطعت أن أخدمه خدمته. هناك عدد كبير استطعت أن أخدمهم. وأنا أتذكر موقفًا على سبيل المثال حتى لو تجاوزنا الزمن بقليل: أحد الناس الذين قدمت لهم خدمة وبعد أن خرجت وبعد أن أخذ الحوثيون منزلي وهدموه وأخذوا الأثاث وباعوه في مزاد في منطقة تسمى سوق الربوع، وهو عبارة عن سوق شعبي، وواحد من الذين قدمت لهم الخدمة كان يأخذ مرتبه ويذهب ويشتري بابًا، واتصل بي وقال: يا عم عبدالعزيز أنا فلان، لقد اشتريت لك بابين وأنا أعدك أن أشتري بقية الأواني. فسألته لماذا تشتري؟ قال: أنا فلان ابن فلان. وقلت: من فلان؟ وكنت ناسيًا. قال: أنت وظفتني وأنا أريد أن أرد لك الجميل، ولن تعود إلا وقد اشتريت لك أبواب بيتك كاملًا. انظري هنا إلى الناس الطيبين الشاعرين بالجميل.

- رحمة: أنا لن أقيم الآن أداء البرلمان لأنك قفزت، وأنا سأقفز معك. وبعد كل الذي فعله معك أهل ذمار، ألم تخذلهم في 2011 عندما قررت أن تستقيل قبل حتى أن تخلص تحقيقات أحداث جمعة الكرامة؟
جباري: نحن قلنا سنمشي في مراحل حتى نصل إلى 2011.
انبهار من الداخل الفارغ للبرلمان
- رحمة (ممازحة): إلى هذه النقطة وتتمسك بالمراحل، لأننا نريد بعد ذلك تقييم أداء مجلس النواب.
جباري: أنا وعدتك ووعدت نفسي أنني أقول الكلام الذي يشهد له التاريخ، والكلام الذي أنا مقتنع به وأتحمل مسؤوليته أمام الله وأمام نفسي وأمام ضميري. لا أقول إلا الكلام الذي أنا متأكد منه 100%، وهو تاريخ وانتهى. وأنا لم أجمل نفسي ولكن سأقول ما لي وما علي. وهذا هو التاريخ. أنا أقول: بعد أن وصلت إلى مجلس النواب حلفت اليمين الدستورية، وبقيت يومين أو ثلاث وأنا في حالة ذهول. أنا داخل مجلس النواب أمام شخصيات كبيرة، كنت مبهورًا. ومع الأيام وجدت أن الدنيا سلامات، الذين داخل مجلس النواب هم مثلنا. و"سعنا".

- رحمة: كيف مثلنا "وسعنا"؟ أتمنى أن يكون الكلام مباشرًا.
جباري: بمعنى أني كنت أتوقع أن مجلس النواب شيء كبير.
- رحمة (مقاطعة): توقعت ستراهم وهم يرتدون الكرفتات.
جباري: لا، اللبس لا يعبر.. ولكن توقعت أن أرى شخصيات تقوم بوضع قضايا، وحريصين على القضايا، ولديهم هم وطني كبير. على فكرة، كثير من البرلمانات العربية، ولكن على وجه التحديد في اليمن، وجدت أنه ليس ذلك البرلمان ولا أولئك الناس الذين هم في مخيلتي.

- رحمة: متى وجدت ذلك؟ بعد سنة أو سنتين؟
جباري: بعد شهور، حتى عندما بدأت أتحدث وأتبنى كثيرًا من القضايا، كانوا منبهرين من الأداء الذي أقدمه، وأنا الذي منبهر أنهم هكذا. وأنا من وجهة نظري أنني لم أكن على ذلك المستوى.
- رحمة: ألم تشعر ولو بقليل من الضعف، والموجودون رجال أعمال كبار أو مشائخ كبار جدًا أو قيادات حزبية كبيرة، وأنت جئت بجهد ذاتي من مكتب عقارات؟
جباري: أنا أقول لك يا أستاذة وللتاريخ: مجلس النواب، وقد ربما أن هناك شبيهًا له في الدول العربية، يعتمد على الوجاهات ومن يحظى بالشعبية الأكبر. وربما من يحظى بالشعبية الأكبر ليس لديه الكفاءة في تمثيل الناس. وفلان قالوا: خطيب جامع ومصلي صائم ويصلي الفجر، ولذلك ينتخبوه. هذه العبادة فيما يخصه هو، لكن في الشأن العام أنت بحاجة إلى إنسان أولًا وقبل كل شيء صاحب قضية.. قضية مصلحة عامة وليس مصلحة شخصية، ولا يبحث عن وجاهة ولا سلطة. نحن الموجودين عندنا، وبكل صراحة، وكثير منا - ولا أقول الكل - تم انتخابنا على أساس أن هذا يحظى بشعبية. ولكن هل هو مؤهل لمجلس نواب؟ هل هو قادر على عمل شيء لمجلس النواب؟ هل هو قادر على تبني قضايا وطنية ومستعد أن يضحي من أجل هذه القضية أم لا؟

رحمة: عمومًا نحن وصلنا إلى نهاية الحلقة الثانية، وأنت تتهرب من سؤال الاستقالة. ولكن في الحلقة القادمة سنتطرق لها.
مشاهدينا، سمعتم عبدالعزيز الجباري: عندما ذاق الفشل مرة واحدة قرر ألا يفشل مرة أخرى، وعمل بنفس طويل على مدار ست سنوات حتى حقق ما يريده. هذه رسالة للشباب. وفي الحلقة القادمة سنتطرق إلى استقالته في 2011 من المؤتمر الشعبي العام وقضايا أخرى. نلقاكم في الحلقة القادمة.
ينشر هذا الحوار بالتزامن مع بثه على قناة "حكايتي" على يوتيوب، إعداد وتقديم الإعلامية رحمة حجيرة. لمشاهدة الحلقة (اضغط هنا)