الإصلاح المالي… لا ينجح دون إصلاح إداري
في اليمن، تُعلن الحكومات المتعاقبة عن إجراءات مالية بين الحين والآخر: إصدار عملة جديدة، أو توحيد سعر الصرف، أو الحديث عن ترشيد الإنفاق. لكن الواقع يؤكد أن كل هذه الإجراءات، مهما كانت صائبة من الناحية النظرية، تبقى محدودة الأثر وقصيرة العمر ما لم تُدعّم بإصلاح إداري حقيقي يضع حدًّا للفساد والعبث.
لا يمكن للبنك المركزي أن يحافظ على استقرار العملة إذا كانت مؤسسات الدولة الأخرى تُهدر المال العام أو تنخرها المحسوبية. ولا يمكن لأي خطة إصلاح مالي أن تنجح إذا بقيت الإيرادات العامة تُسرّب عبر منافذ غير خاضعة للرقابة، أو إذا ظل الموظف الفاسد هو المتحكم في السوق أكثر من الدولة نفسها.
لقد تحولت الرقابة في كثير من الأجهزة إلى مجرد لافتة، فيما التلاعب بالعملة والسوق يتم على مرأى ومسمع الجميع. أي إصلاح مالي في ظل إدارة مترهلة وغير نزيهة يشبه محاولة ملء وعاء مثقوب… مهما صببت فيه سيظل ينزف.
التجارب الدولية تعطينا دروسًا واضحة: ماليزيا وكوريا الجنوبية لم تنجحا في بناء اقتصاد قوي إلا بعد أن أعادتا الانضباط لمؤسساتهما وأصلحتا جهازهما الإداري. وحتى بلدان عربية مثل المغرب والأردن لم تتمكن من تثبيت ماليتها إلا حينما ربطت بين الإصلاح المالي وبناء منظومة رقابية وإدارية صارمة.
أما نحن، فمشكلتنا الأساسية ليست في قلة الموارد وحدها، بل في سوء إدارتها. لذلك فإن أي إصلاح مالي في اليمن يجب أن يقترن بخطوات شجاعة تبدأ من إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس نزيهة، وتفعيل الرقابة، وإغلاق منافذ الفساد. وإلا ستظل كل القرارات مجرد حبر على ورق، فيما يستمر المواطن في دفع الثمن من قوته اليومي.