صنعاء 19C امطار خفيفة

"نحن قدّمنا شهداء!"... حين تتحول التضحيات إلى وسيلة للهيمنة

ما كنت أعلم أن عبارة "نحن قدّمنا شهداء" تعني في عرف بعض المناضلين أن من قدّموا التضحيات أحقّ بالحكم من غيرهم.

عرفت ذلك يوم اقترح المناضل ناصر الفضلي، في أحد اجتماعات المجلس الأعلى للحراك الجنوبي، ضرورةَ تدوير المناصب القيادية، فخرط صلاح الشنفرة رشاشه غاضبًا وقال: نحن قدّمنا شهداء!
منذ تلك اللحظة أدركت أن الشهادة لم تعد تُذكَر في سياق الوفاء والإجلال، بل أصبحت تُستعمل أحيانًا كشهادة امتلاك لحقّ سياسي دائم، وكأنّ دماء الشهداء صكوكُ وراثةٍ للسلطة والمناصب.
واليوم نرى المشهد يتكرّر بأشكال مختلفة: بسطٌ على الأراضي، ونهبٌ لممتلكات الدولة، وتعييناتٌ لا تقوم على الكفاءة بل على القرب والولاء. لم يقولوا هذه المرة إنهم قدّموا شهداء، لكن سلوكهم يوحي بذلك، وكأنّ غيرهم كانوا يزرعون البصل!
إنّ التضحيات الوطنية لا تتحول إلى رصيد شخصي يخول أحدًا الاستحواذ على الوطن أو التحدث باسمه، لأنّ الشهداء ضحّوا من أجل الحرية، لا من أجل استبدال استعمارٍ بآخر، أو استبدادٍ بآخر.
المناضل الحقيقي لا ينتظر جزاءً ولا شكورًا، بل يتوارى بعد أداء مهمته ليفسح المجال للكفاءات القادرة على إدارة الدولة بعقلٍ ومؤسسية. أما الذين يرفعون راية النضال ليبرروا بها فشلهم أو فسادهم، فإنهم يهدمون ما ضحّى الآخرون لبنائه.
لقد آن الأوان أن نفصل بين شرعية النضال وأهلية الإدارة؛ فالأولى تُكسب الاحترام والتقدير، والثانية تحتاج إلى خبرةٍ وعلمٍ وكفاءة. والتاريخ لم يرحم من ظنّ أن تضحياته تمنحه صكًّا مفتوحًا للحكم أو التسلّط على رقاب الناس.
رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، فالمجد للشهداء الذين رحلوا بصمت، والخزي لمن تاجر بدمائهم.

الكلمات الدلالية