اخبار لا تسر عن غزة الأبية
أود أن أستهل قراءاتي حول الوضع المأساوي في غزة، ببيت من الشعر لمفخرة العرب الشهيد أحمد بن الحسين الجعفي اليماني الملقب بالمتنبي:
كلما أنبت الزمان قناة
ركب المرء في القناة سنانا
إنه كلما لاحت بارقة أمل صوب غد مشرق بقيام دولة فلسطينية مستقلة من رحم المعاناة، تفاديًا من مشروع صهيوني لتصفية القضية الفلسطينية، يقابلها عراقيل تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة.
في واقع الأمر، يشهد قطاع غزة حاليًا احتلالًا إسرائيليًا بنسبة 50% من مساحة القطاع، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي بنحو 20%، بناء على موافقة الجانبين: حركة حماس وإسرائيل، على صفقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للسلام، المكونة من 20 بندًا، وبمباركة عربية وإسلامية ودولية، إذ يبدأ البند الأول بتبادل الرهائن، وجثامين الإسرائيليين، ووقف الحرب، وإدخال المساعدات الإنسانية، وانسحاب إسرائيل تدريجيًا من القطاع، ثم الانتقال إلى البند الثاني الذي ينص على تسليم حركة حماس سلاحها، وعدم تدخلها بشؤون حكم القطاع.
لم تأتِ هذه الأمور وليدة الساعة، وإنما بعد مؤتمرات عديدة منذ الستينيات من القرن الماضي، وآخرها مؤتمر السلام لحل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، برعاية السعودية وفرنسا، وكان للمؤتمر صدى دولي واسع، تكلل باعتراف 152دولة، من مجموع 193 دولة في الأمم المتحدة، ومن المتوقع أن يزيد عدد الأصوات لصالح حل الدولتين. تلاه مؤتمر عربي وإسلامي، واللقاء بالرئيس ترامب على هامش الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، تمخض عنه صفقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام، بتعقيدات تفاصيلها.
حقيقة الأمر، طرح الرئيس ترامب موضوع التطبيع العربي الإسرائيلي، بينما الطرح العربي يؤكد أن التطبيع مع إسرائيل يجب أن يسبقه اعتراف إسرائيلي بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
من الجدير بالذكر، أن زيارة ترامب لإسرائيل، وإلقاء كلمة في البرلمان الإسرائيلي (الكنيسيت)، يوم 12 أكتوبر 2025م، تناولت "صفقة السلام" التي تبدأ بإطلاق سراح الرهائن والجثامين، بمثابة تهدئة للوضع الإسرائيلي، ثم زيارته الرسمية لمصر في مؤتمر قمة "شرم الشيخ"، يوم 13 أكتوبر 2025م، بحضور ملوك، ورؤساء، ومندوبي دول العالم، وبخاصة حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
أسفرت قمة شرم الشيخ عن إصدار "وثيقة شرم الشيخ"، تنص على التعهد بالأمن والسلام المستدام، فى منطقة الشرق الأوسط، وإعادة إعمار غزة، ونزع سلاح حماس.. وقع على الوثيقة الرئيس الأميركي، ورؤساء مصر وقطر وتركيا، وهي الدول المعنية بالوساطة بين حماس وإسرائيل.
ويشار إلى أن حماس بعد قبول الصفقة، لم تفِ بتسليم كل الجثث، مما أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي المتربص نتنياهو، ذريعة لإغلاق معبر رفح، لمنع إدخال المساعدات لسكان قطاع غزة. وأبلغت إسرائيل الرئيس ترامب أنه لا يمكن الانتقال إلى المرحلة الثانية، إلا بعد تسليم بقية الجثث، بينما يرد ترامب: "يبدو أن حماس ليس لديها بقية جثث الرهائن". وكان رد نتنياهو: "إذا لم تصل بقية الجثث، سنفتح لحماس أبواب الجحيم".
على صعيد آخر، تطلب قيادة المنطقة الوسطى للجيش الأميركي من حماس، وقف العنف ضد مدنيي غزة، وأوضح الرئيس ترامب أنه يبحث في مسألة الإعدامات الميدانية لأهالي غزة.
أما بالنسبة لتسليم السلاح -حسب الرئيس ترامب- فإنه يتطلب نزع السلاح من حماس وفقًا للاتفاق، وذكر أنه لا يحتاج إلى الجيش الأميركي لنزع السلاح، وفي حال لم ينفذوا، سننفذ بطريقتنا. ووجه كلامه لحماس: لا تدخلونا في لعبتكم.
صفوت القول، إن على حماس ألا تعطي فرصة لهؤلاء القوم، وتسارع بتسليم الجثامين المتبقية، وتسليم سلاحها الثقيل للسلطة الفلسطينية المعترف بها دوليًا، وأي تأخير لن يكون في صالح العرب كافة.
إن موافقة حماس على تنفيذ بنود الاتفاق يلزمها التنفيذ بالتنسيق والتعاون مع السلطة الفلسطينية خاصة، والدول العربية عامة، وبخاصة مع مصر والسعودية وقطر، وتتخلى عن المسؤولية، وأي تلكؤ سينسف كل ما ورد في المؤتمرات، والقرارات المتعلقة بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، للأسف الشديد. والله المستعان، وعليه التكلان.