صنعاء 19C امطار خفيفة

اليمن بين تضخيم المخاطر وتجاهل الجذور

ارسل لي الصديق السفير د. محمد عبدالمجيد قباطي مقاله بعنوان "اليمن من الهامش إلى الواجهة"، فوجدتُ أنه مقال ديماغوجي، لايكتفي بإعادة تدوير الرواية الغربية الخليجية حول الصراع، بل يضيف إليها جرعة من الديماغوجيا الممزوجة بالتحريض، وكأننا أمام بيان تعبوي أكثر من كونه تحليل سياسيّ..

من يعرف مسار د. قباطي، السياسي والإعلامي يدرك أنه ليس مراقب محايد، ولايمت للحياد بصلة..
هذا الرجل شغل مواقع وزارية ودبلوماسية، وكان جزء من منظومة السلطة التي ساهمت، عبر سياساتها المرتبكة، في إطالة امد الحرب وتأخير استعادة الدولة وتمكين الحوثيين وتفتيت النسيج الاجتماعي اليمني..
اليوم، يعود ليقدّم نفسه كخبير استراتيجي يحذر من "الخطر الحوثي"، ويتغاضى عمدا ان هذا الخطر صُنع في ظل حكومات كان هو نفسه جزء منها بل ومن صانعي قراراتها آنذاك بحكم المنصب الوزاري وقربه من الرئيس هادي..
المقال يصور الحوثيين كمارد بحري جديد يهدد التجارة العالمية، وكأن اليمن فجأة أصبح دولة قرصنة بعد مسرحية الحرب بين ايران واسرائيل في يونيو 2025. الحقيقة أن قباطي يستخدم لغة التحشيد الإعلامي لتبرير عسكرة البحر الأحمر تحت قيادة قوى أجنبية، وهو الخطاب الذي ينسجم مع أجندة إقليمية ترى في اليمن مجرد قاعدة أمامية، لا دولة ذات سيادة..!!
قباطي قلق جداً على أمن الممرات البحرية، لكنه يمر مرور الكرام على الانهيار الاقتصادي والمعاناة الإنسانية في الداخل. لماذا؟.
لأن الاعتراف بجذر الأزمة، وهو الفشل السياسي الشامل للنخب اليمنية، بما فيها النخب التي كان جزء منها، سيفضح أن مشكلتنا الحقيقية ليست في موقع اليمن أو سواحله، بل في من يتحدثون باسمه وهم خارج البلاد منذ سنوات، وهو أحدهم.
حين يتحدث قباطي عن الحوثيين كذراع إيرانية، يتجاهل عمدا أن أطراف أخرى في اليمن تتحرك كأذرع لقوى إقليمية منافسة، هذا الانتقاء ليس تحليل موضوعي، بل خطاب تعبوي موجّه لإرضاء جمهور سياسي محدد.
لو كان جاد في الحديث عن استعادة القرار اليمني، لبدأ بمراجعة كل أشكال الارتهان الإقليمي، لا أن يكتفي بانتقاء خصم واحد من المعادلة، حتى لو كان هذا الخصم هو الأبشع من بينهم.
أما الدعوة التي يختتم بها مقاله، لإدماج اليمن في تحالفات بحرية وإستراتيجيات إقليمية، فليست سوى وصفة لتكريس الوصاية الخارجية، وإبقاء القرار اليمني رهينة غرف عمليات في عواصم إقليمية غير صنعاء وعدن، وهذا الطرح يعيد إنتاج النموذج الفاشل الذي حوّل اليمن إلى ملعب مفتوح لتصفية الحسابات، بدلا من أن يكون شريك نِدّ في أمن المنطقة.
مقال قباطي ليس تحذير استراتيجيّ بقدر ما هو إعادة إنتاج لخطاب تبريري يهدف إلى شرعنة مزيد من التدخلات الخارجية، تحت ذريعة مواجهة الحوثيين. والحقيقة التي يتجنب الاعتراف بها هي أن اليمن لن يخرج من أزمته إلا باستعادة سيادته وقراره الوطني، لا بإدماجه في مشاريع الآخرين.

الكلمات الدلالية