صنعاء 19C امطار خفيفة

تعز: نهضة ثقافية تقاوم الإهمال

تعز: نهضة ثقافية تقاوم الإهمال
مدينة الثقافة تعز( منصات التواصل)

في ظل سنوات الحرب القاسية وتوقف العديد من المؤسسات الثقافية، تشهد تعز حراكًا ثقافيًا متجدّدًا. هذا الحراك، الذي تجسّد في ولادة مؤسسات ومنتديات أدبية جديدة وتنظيم فعاليات واسعة، يعكس إصرار أبناء المدينة على استعادة دورها التاريخي كعاصمة للثقافة والإبداع في اليمن.

إن هذا الحراك ليس وليد صدفة، بل هو استعادة لدور تاريخي للمدينة التي عُرفت بلقب "عاصمة اليمن الثقافية". هذا اللقب ترسّخ عبر عقود طويلة بفضل ما قدمته تعز من أصوات أدبية وفكرية أثّرت المشهد اليمني والعربي بالعطاء الوفير. وقد تم إعلانها رسميًا عاصمة ثقافية للجمهورية بموجب قرار جمهوري عام 2013. ورغم محاولات سنوات الحرب طمس هذا الدور، فإن المؤسسات الجديدة والفعاليات المتنامية اليوم تُعد تأكيدًا على أن هذا اللقب ما زال حيًا في وجدان أبناء المدينة.

المشهد الثقافي الجديد: حراك نوعي في مواجهة التحديات

شهدت تعز في الفترة الأخيرة ولادة العديد من المؤسسات الثقافية والصحفية التي تأسست في الغالب خلال عامي 2024 و2025 بهدف تنشيط المشهد الإبداعي. ومن أبرز الأمثلة على هذا الحراك: مؤسسة صروح التي تُعنى بالتنمية الثقافية، وبيت الصحافة الذي أصبح منصة للدفاع عن حقوق الصحفيين، بالإضافة إلى مؤسسات فنية وأدبية مثل مؤسسة إرم للثقافة والفنون وصالون سطور الإبداعي.
فعالية لمؤسسة بيت الصحافة( منصات)
كما تبرز في هذا المشهد الجديد مبادرات أخرى متنوعة، منها: أرنيادا للثقافة، وصالون ميون الثقافي والفني، ومؤسسة البيسمنت وArt Light المعنيتان بالثقافة والفن. ولم يغفل الحراك جوانب التراث والإعلام؛ حيث ظهرت مؤسسة وعي للتراث وسين 12 للثقافة والفنون.
وفي مجال الموسيقى، ظهرت فرقة كورال تعز، بينما تركز مؤسسة ألف لدعم وحماية التعليم على الجانب التعليمي. هذه المؤسسات الجديدة، إلى جانب عدد من المنتديات والمبادرات الثقافية الأخرى، لم تكتفِ بالوجود فقط، بل نظمت عشرات الفعاليات والمهرجانات التي شملت حفلات إشهار الكتب والفعاليات النقاشية والفنية.

إعادة الاعتبار للتراث الثقافي

لم يقتصر الحراك الثقافي على المؤسسات الجديدة، بل امتد ليشمل رد الاعتبار للتراث التاريخي للمدينة. ففي خطوة مهمة تعكس أهمية تعز، أعلنت السفارة الأمريكية خلال العام 2024 عن تمويل مشروع ترميم قلعة القاهرة، أكبر معلم أثري بالمدينة. هذه القلعة، التي تضررت بشكل كبير جراء الحرب، تُعد رمزًا لتاريخ المدينة وحضارتها. وقد اعتبرت هذه الخطوة تحقيقًا لمشاريع الاستدامة واستعادة لمكانة تعز التاريخية التي لطالما كانت منبعًا للإبداع
قلعة القاهرة .
الحراك الثقافي المتجدد في تعز اليوم ليس مجرد رد فعل على الحرب، بل هو مزيج من دوافع عميقة. فهو يمثل من جهة فعلاً للمقاومة، ومن جهة أخرى وسيلة للشفاء والتكيف مع صدمات الحرب، بالإضافة إلى كونه خطوة نحو بناء مجتمع مدني جديد.

أصوات من الميدان

ورغم الحراك الإيجابي، تظل المدينة صامتة أمام إغلاق مؤسسات عريقة مثل فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ونقابة الصحفيين. وفي قراءة موازية للمشهد، تحدث الشاعر والكاتب عبدالملك الشرعبي عن التحديات التي تعيق المبدعين، موضحًا كيف أثرت التحولات السياسية في حياته المهنية والشخصية، قائلاً:
"كنت أضمر الأحلام الجياشة أرنو بها إلى مستقبل وضاء، وأمضي في درب مشروعي الثقافي الكبير، لكن التحولات السياسية العقيمة التي مخضت بواقع تسطو فيه لغة البندقية على لغة الحرف والمنطق مع انتشار العصابات الثيوقراطية المسلحة غير القانونية وهيمنتها على المجتمع بعقليتها الرعوية المتخلفة التي فندت أبواب الساحة الثقافية. إضافة إلى غياب دولة الرعاية وانتشار ظاهرة الفساد المعمم التي كان لها مآلات كارثية في تفاقم سوء أوضاعنا المعيشية التي سلبتنا الحاجة والوسيلة. ونتيجة لهذه الإشكاليات المعيقة أجبرتني خطوب الحياة على استبدال العمل العضوي بدلاً عن العمل الذهني لأعيش في حالة اغتراب وانفصال عن الحياة الثقافية بين جمهور العمال والبؤساء."
يوم الاغنية اليمنية ( منصات التواصل)
الحضور الكثيف الذي حفلت فيه المدينة لا تزال أعمال المبدعين وأوراق ولوحات إبداعهم حصيلة غرفهم ومنازلهم باستثناء اهتمام ومساهمة الكاتب نفسه، فلم تتوفر دار نشر معنية بطباعة ورعاية الإصدارات الأدبية، بالإضافة إلى غياب مجلة ثقافية شهرية كمجلة معنية بمناقشة ومتابعة وإخراج صوت المبدع إلى المتلقي كنتاج مخرجات كل ذلك التقدم والنمو الأخير في المشهد الثقافي.

رؤية وتطلعات مستقبلية

حول جدوى الحراك الثقافي الأخير وقدرته على تعويض الإهمال السابق الذي عانته المدينة، أكد رئيس بيت الصحافة محمد الحريبي أن النشاط الحالي لا يزال قاصرًا عن تلبية الاحتياج الكامل في حديثه لصحيفة النداء قائلاً:
"النشاط الذي تقوم به المؤسسات الثقافية والإعلامية مهما كان كبيرًا فإنه لا يغطي حجم الاحتياج الشديد، ولا يعوّض الإهمال والتهميش الذي تعرضت له مدينة تعز ثقافيًا وإعلاميًا خلال السنوات الماضية. وما تقوم به جميع المؤسسات الثقافية والإعلامية في تعز هو جهد مشكور وجهد جيد، إلا أنه لا يزال قاصرًا عن القيام بالدور الكامل، لأن الإمكانيات التي تعمل بها هذه المؤسسات تبقى إمكانيات شحيحة وذاتية في الغالب، أو ممولة بشكل بسيط وشحيح، وهذا يضعف القدرة في تنفيذ الأنشطة الثقافية الكافية واستهداف الفئات المجتمعية بشكل أوسع والشرائح المجتمعية المختلفة. بالتأكيد أن تعز ما تزال تعاني وما تزال بحاجة إلى المزيد في النشاط الثقافي، وما تزال بحاجة إلى تمكين الكثير من البرامج. وبنفس الوقت الذي تحتاج فيه تعز إلى مشروع "مارشال" لانتشالها من حالة الحرب وتأثيراتها، هي أيضًا بحاجة إلى مشروع مارشال ثقافي لاستعادتها كعاصمة للثقافة. تعز بحاجة اليوم إلى برامج مهمة ونوعية، والتي تفتقر إليها والتي كانت هي الأساس في تحقيق تسميتها كعاصمة للثقافة. تعز اليوم التعليم فيها يتعرض للكثير من الضغوط والكثير من التقصير والإهمال، وعدم الاهتمام بتطوير العملية التعليمية وحتى استمرارها، وهو أمر يهدد أجيال هذه المحافظة وواقعها الحالي ومستقبلها."

المسؤولية المشتركة بين المؤسسات والمبدعين

وعن العلاقة بين المبدعين والمؤسسات الثقافية، وما إذا كانت الأخيرة قادرة على استيعاب ودعم الإبداع بشكل فعّال، شدد الحريبي على أن المسؤولية مشتركة، وأن المبادرة تقع على عاتق الطرفين موضحًا:
"بالتأكيد المؤسسات الثقافية تفتح أبوابها للجميع وقد تقصر هذه المؤسسات في إيصال صوتها ورسالتها إلى جميع الصحفيين وجميع الفاعلين الثقافيين، وبالتأكيد هناك قصور وهذا القصور ليس متعمّدًا وقد لا يكون أبدًا مقصودًا، وإنما هناك قصور بطبيعة الحال لأن الكمال بطبيعة الحال غير مضمون. وعلى المبدع أن يقدم نفسه إلى هذه المؤسسات، فالعملية مشتركة ليست فقط من المؤسسات الثقافية بل أيضًا من المبدع ذاته الذي يجب عليه أن يقدم نفسه إلى هذه المؤسسات وأن يبحث عن فرص لتسويق ذاته وتقديم نتاجه. المؤسسات لديها إمكانيات محدودة وتحاول أن تدعم الإبداع بشكل جيد، لكن بالتأكيد لا تزال هذه المؤسسات بحاجة إلى حوكمة وتطوير وبحاجة إلى بنية مؤسسية أكبر وبحاجة إلى دعم كافي كي تستطيع احتواء الإبداع وتستطيع أن تقوم بدورها على أكمل وجه. وبرأي أن المساحة هي ما تخلقه من مساحة تواصل وما يخلقه المبدع من مبادرة على البحث عن هذه المؤسسات وطرق أبوابها ومحاولة الانخراط بأنشطتها وبرامجها. المسؤولية مشتركة بين الطرفين، ويجب على الطرفين أن يقوموا بها بشكل جيد وأي قصور هو أمر وارد الحدوث."

غياب الدور الرسمي وأثره على الثقافة

وفيما يتعلق بأبرز التحديات، أشار الحريبي إلى أن غياب الدور الرسمي هو التحدي الأهم، مضيفًا:
"المسألة تتعلق أكثر ليست بالتحديات أو الإشكالات، لأن هناك الكثير من الحديث عن التحديات وعن الإشكالات. نحن نعلم أن تعز تعاني من أثر الحرب، تعاني من أثر الدمار، تعاني من نشوء جماعات متطرفة وانتشارها، وقبل كل شيء تعاني تعز من غياب الدور الرسمي بل قصور وانعدام الدور الرسمي في حماية ثقافتها وتعزيزها واستعادة دورها الثقافي والتنويري كمحافظة تعد عاصمة ثقافية للجمهورية اليمنية. التعقيدات التي يمكن الحديث عنها اليوم هي تعقيدات مختلفة الأنواع مختلفة المسارات، لكن أهم ما يمكننا الحديث عنه هو غياب دور المؤسسات الحكومية وغياب دور الدولة وغياب الإرادة الرسمية لاستعادة تعز كعاصمة ثقافية للجمهورية اليمنية. إذا حضرت الإرادة الحكومية والإرادة الرسمية وحضرت البرامج الحكومية والرسمية والدعم والتوجه سنشهد تحولًا ثقافيًا كبيرًا في هذه المحافظة، لكن هذا ما نفتقده، وهذا ما نشتاق إليه، وهذا ما تحتاج إليه محافظة تعز بشكلٍ عام."

تطلعات المدينة المستقبلية

أما عن التطلعات المستقبلية وما تحتاجه المدينة، أكد الحريبي أن تعز بحاجة إلى دعم حكومي وبرامج نوعية، مشددًا على أنّ:
"بالتأكيد تعز تنتظر المزيد من الاهتمام، تعز لا تزال مادة خامة للتناول وللفعل الثقافي، تعز لا تزال مساحة خصبة وبيئة لم يتم استكشاف الكثير من جوانبها، وما تزال بحاجة إلى برامج وأنشطة ثقافية متنوعة. تعز لا يوجد بها حتى الآن معهد موسيقى، أو معهد متخصص في الفنون التشكيلية، تعز لا يوجد بها معهد مسرح ولا مركز تعليمي في المجالات الثقافية والفكرية. تعز بحاجة إلى الكثير من الجهد والكثير من العمل، وهو جهد لا يتعلق ولا يجب فقط أن نحمله للمؤسسات الثقافية، بل هو جهد يجب أن تقوم به بشكل رئيسي الدولة ثم تعزز هذا الجهد المؤسسات الثقافية التي تمثل مؤسسات مجتمع مدني غير حكومية. نحن نطمح أن يكون لدى المؤسسات الثقافية الدعم والتمويل الكافي لتنفيذ برامج وأنشطة أكبر تشمل كل فئات المجتمع تستطيع الوصول بالثقافة والتنوير إلى كل الأماكن وكل الفئات وكل الأفراد، ولكن هذا الأمر يتعلق بشكل رئيسي ويتعلق كما قلت وأؤكد بوجود الدولة وحضورها وإرادة السلطات الرسمية التي يجب أن توجه إرادتها لاستعادة فاعلية تعز كعاصمة ثقافية واستعادة هذه القيم الحضارية التي غابت عن تعز. نحن نتحدث عن محافظة تفتقد لقيمها الحضارية. تعرضت تعز لصدمة بسبب الحرب وتأثيراتها وغياب دور السلطات الحكومية، هذه الصدمة كأنها أفقدت تعز ذاكرتها، فافتقدنا إلى القيم الحضارية التي كانت تتميز بها هذه المدنية حتى في أبسط القيم الحضارية التي كانت تعاش بين السكان، نحن نفتقدها اليوم، وهذا يحتاج جهدًا ثقافيًا مضاعفًا ولن ينجح أي جهد بدون دعم رسمي."

رؤية رسمية: المستشار الثقافي للمحافظة يقرأ المشهد

حول طبيعة الحراك الثقافي والعلاقة بين المؤسسات والمبدعين، يرى مستشار محافظة تعز للشؤون الثقافية، مختار المريري، بأن الحراك الثقافي محدود وتقليدي بسبب ظروف الحرب وضعف البنية التحتية، وأن العلاقة بين المبدع والمؤسسات ليست سوى تفاعلية آنية ومحدودة، قائلاً:
"إن الحديث عن الحراك الثقافي في تعز -إن صحت تسميته بحراك ثقافي- كون مصطلح حراك ثقافي له محددات كثيرة ومظاهر متعددة وأشكال متنوعة وله أهداف عريضة تهتم بالبنى الثقافية والفكرية التجديدية للفرد والمجتمع وتعيد الثقافة تشكيلها وتأهيلها لخلق وعي شامل ومستمر. وليس هذا موضوعنا الرئيس تمامًا، ولكن لابد منه كتمهيد لتقييم العلاقة بين المؤسسات الثقافية العامة والخاصة وبين المبدع وتحديد طبيعة المساحة بينهما بشكل دقيق أو يقارب الواقع، فالمساحة بين المبدع والمؤسسات الثقافية مرهونة بالظروف والأحوال، فظروف الحصار والحرب المفروضة على مدينة تعز وعلى اليمن بشكل عام والتي فرضتها مليشيات الجهل الحوثية وآثار هذه الظروف والتي ألقت بظلالها على المؤسسات الرسمية والخاصة جعلت الحراك الثقافي محدودًا وتقليديًا غالبًا، بسبب محدودية الدعم المادي وخراب البنية التحتية للعمل الثقافي: قاعات ومسارح ومراسم ومكاتب عامة ومراكز بحث وما إلى ذلك والتي دمرتها الحرب، وأيضًا طبيعة تفكير بعض القائمين على تلك المؤسسات، فالأغلب لا يملك رؤى حية وجادة ذات فاعلية حقيقية تخلق حراكًا ثقافيًا يعيد تأهيل الأدمغة ويرفع من نسبة الوعي لدى المجتمع، حراكًا يتسم بالتنوع: آداب، فنون، فكر، تراث، ومتجددًا ذو إنتاج مستمر بأفكار ورؤى وأعمال جديدة وجريئة ومؤثرة ذات فاعلية وطبيعة تفاعلية تحرك الراكد وتجيب على الأسئلة وتضيف كل يوم إلى وعي الجمهور شيئًا جديدًا، وألا يكون موسميًا أو ذو أبعاد تقليدية وشخصية، حراكًا يهتم بالجمهور وبالفكرة وعمق الرؤية، يخلق عقولًا ذات فكر ناقد غير مستهلك ورتيب. ووفقًا لما سبق ذكره فإن المسافة بين المبدع وبين هذه المؤسسات ليست سوى تفاعلية آنية ومحدودة، يكون المبدع الحقيقي أو الإبداع فيها ليس سوى ديكور يغطي هشاشة الفعل والفكرة والغاية الذاتية للقائمين على هذه المؤسسات غالبًا، ولا يكون المبدع والإبداع هو الفاعل الحقيقي فيها، فهي لم تلِ طموحات المبدع والإبداع ولم تأخذ بيده كما يجب، ولن نُنكر أن هناك مؤسسات ناشئة في الوقت القريب حاولت الخروج من النمطية والرتابة والحدودية التي أصابت الكثير من المؤسسات، فهي الآن تجدف لتنطلق صوب فعل ثقافي حقيقي يخلق وعيًا نقديًا يغذي المعرفة ويذكي الفكرة ويبني عقل المجتمع بشكل صائب، نتمنى لها الاستمرار."

نوعية الفعل الثقافي أهم من العدد

وفي تقييمه لمدى كفاية هذا الحضور الثقافي لمدينة تعز، يصرح مستشار الشؤون الثقافية في المحافظة الشاعر مختار المريري قائلاً:
"لا بد أن نتحدث عن الكيفية وليس عن العدد، عن نوع الفعل الثقافي وليس عن تنوع مسمياتها وعددها، هل هو كافٍ أم لا! لأن المعول عليه هو ما تقدمه المؤسسة الثقافية من فعل ثقافي استثنائي يتسم بالرؤية الثاقبة التي تحدد احتياج المجتمع والمبدع في آن، رؤية ذات فعل ثقافي ذو طابع متنوع وجريء متجدد مستمر ومؤثر، حتى ولو كانت مؤسسة واحدة."

اتحاد الأدباء والكتاب وتأثير الحرب

وعن أسباب عدم فتح فرع اتحاد الأدباء والكتاب أبوابه بعد، يشير المريري إلى أن:
"اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في تعز وفي كل المدن اليمنية تأثر بالحرب وآثارها السياسية والاقتصادية والأمنية كغيره من المؤسسات الرسمية التي جمدتها الحرب، إلا أن الاتحاد أكثر تأثيرًا ودمارًا ماديًا وفاعلية من غيره، فبقية المؤسسات نهضت وتنهض ببطء، فهو يحتاج حراكًا إعلاميًا وفعلاً على الواقع: تظاهرات واعتصامات وخطابات من قيادته وأعضائه لإعادة موازنته ومبانيه وإعادته إلى ساحة الفعل الثقافي ليكمل دوره التنويري."

قصور المؤسسات الثقافية وأثره على الإبداع

وفيما يخص أبرز جوانب القصور التي تجتاح بعض المؤسسات والمنتديات، يوضح المريري أن:
"إنّ فاعلية المؤسسات الثقافية مرهون بأداء وتفكير قادتها، فإذا كان قادة المؤسسات الثقافية ينطلقون وفقًا لمصالحهم الذاتية أو أيديولوجياتهم أو موقفهم السياسي وجهلهم المعرفي، فإن ذلك ينعكس سلبًا على أدائها ويعمل على تفريغ المؤسسة من رسالتها الحقيقية وتحويلها إلى منبر لخدمة توجهات ضيقة ومصالح مادية ذاتية، فتكون النتيجة سلبية وكارثية، فيتم تهميش الكفاءات وإقصاء ومحاربة الأصوات الإبداعية المخالفة لرؤية القادة، فيكون المنتج ثقافة سطحية أو موجهة تخدم خطابًا سياسيًا أو فكريًا واحدًا وترسم صورة أو نمطًا بائسًا للفعل أو المشهد الثقافي، ثم فقدان ثقة الجمهور في المؤسسات الثقافية ومشاريعها. فهذه النتائج بمجملها تؤثر على المشهد الثقافي بشكل عام وتجعل إعادته وبناءه بشكل صائب مكلفًا ومتعبًا."

احتياجات المبدع والمؤسسات الثقافية

وأخيرًا، حول ما الذي ينتظره المبدع والإبداع من المؤسسات الثقافية الرسمية والخاصة وما طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون بينهما، يشدد المريري على أن:
"المبدع بحاجة ماسة لمؤسسات ثقافية تمده بالدعم المادي والمعنوي، وتوفر له المنصات والمواقع والقنوات، وتمنحه حقوقًا فكرية تجعله يشعر بقيمة ما يعطي وينتج، وتدفعه للاستمرارية بثقة وعزيمة ومعنويات عالية، وتضمن له حرية التعبير، بحيث تكون العلاقة بينهما قائمة على الشراكة والتكامل. المؤسسة توفر الموارد والفرص والاعتراف بحقه وحمايته فكريًا ونفسيًا وجسديًا، والمبدع يمدها بالإنتاج والأفكار، في إطار احترام متبادل واستقلالية فكرية دون إملاءات وابتزاز."
في الختام، يعكس التقرير أن التقرير أن الحراك الثقافي في تعز هو حركة مقاومة ونهضة، ولكنه يواجه تحديات بنيوية من أبرزها غياب الدعم الرسمي ووجود بيئة غير مواتية. ومع أن المؤسسات الجديدة تمثل أملًا، يظل تحقيق القيمة المستدامة لهذا الحراك مرهونًا بوجود إرادة حقيقية ودعم حكومي يستعيد للمدينة مكانتها كعاصمة للثقافة والإبداع.

الكلمات الدلالية