صنعاء 19C امطار خفيفة

شبكات النفط الخفية تنهك الريال وتبتلع موارد اليمن

يلوح في الأفق التحسن الطفيف في سعر العملة الوطنية أمام الدولار في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًا، لكنه لا يستند إلى قاعدة اقتصادية متينة، خصوصًا أن موارد اليمن الأساسية من النفط والغاز تتعرض للنهب المنظم، وتوزيع عوائدها يتم خارج إطار البنك المركزي الموحّد. هذا النزيف المالي يمنع تكوين احتياطيات من النقد الأجنبي، ما يبقي أي تحسن في قيمة الريال هشًا ومؤقتًا.

وحقيقة الأمر على أرض الواقع أن لكل محافظة مثل حضرموت والمهرة وعدن ومأرب، ترتيباتها الخاصة في إدارة الموارد بعيدًا عن إطار الدولة، وهو ما قد يفتح الباب لانقسام العملة، ما لم تُستعد الموازنة العامة، ويُصبّ كامل الإيرادات في بنك مركزي واحد وهنالك إجراءات قد تفضي آخر المطاف إلى توحيد العملة شمالًا وجنوبًا، بدور إقليمي يسعى إلى ردم فجوة الأسعار، وكبح غلاء المعيشة، والمظاهرات اليومية، واستعادة جزء من قيمة الريال اليمني.
ومن المعروف أنه قبل الحرب، كانت عوائد النفط والغاز تمثل نحو 70% من إيرادات الموازنة العامة عبر مجلس النواب غير المفعل حاليًا، وكانت صادرات النفط وحدها تضخ في المتوسط ما بين 150 و200 مليون دولار شهريًا. اليوم، وبعد سنوات من الصراع، تراجعت الإيرادات النفطية الرسمية بأكثر من 80%، إذ توقفت معظم الحقول عن الإنتاج المنتظم، وتحولت نسبة كبيرة من الكميات المستخرجة إلى مسارات غير رسمية عبر أطراف محلية وإقليمية.
كمية النفط والغاز الأكثر تداولًا إعلاميًا هي في محافظة مأرب، حيث تملك المحافظة حقول صافر وخطوط الأنابيب، وتحتفظ بعوائد النفط والغاز في حسابات محلية بعيدة عن الموازنة العامة، الأمر الذي يحرم البنك المركزي من موارد تسهم في إمكانية انخفاض الطلب على الدولار وكبح التضخم. وفي حضرموت، التي تنتج النسبة الأكبر من النفط، تستحوذ شركات محلية وأجنبية على الامتيازات، لكن عقودها غامضة ومبهمة وبعضها متوقف رسميًا، فيما تستمر عمليات إنتاج وبيع غير شفافة. أما ميناء قشن في المهرة، فيتحول إلى منفذ لتهريب أو بيع كميات من النفط خارج قنوات الدولة، مع غياب شبه كامل للرقابة، وخرجوا من هذه الصفقات أثرياء من السلطنة ومأرب بغير حساب.
الشركات النفطية العاملة أو التي تحتفظ بحقوق الامتياز تشمل شركة صافر الوطنية، مصافي عدن، OMV النمساوية، كالفالي بتروليوم الكندية، ويمن LNG (شبه متوقفة)، وتوتال الفرنسية، إضافة لشركات أجنبية كبرى انسحبت أو جمّدت نشاطها، لكنها مازالت تملك حقوق امتياز على الورق. هذه الامتيازات تصبح في بيئة الصراع غطاءً لأنشطة غير شرعية، إذ تستغل أطراف محلية أو مسلحة الحقول والمنشآت دون عقود جديدة أو شفافية.
في المقابل، الحوثيون يعتمدون على النفط الإيراني الذي يصل عبر ميناء الحديدة بطرق ملتوية، ويستفيدون كذلك من عمليات استيراد غير مباشرة عبر وسطاء في موانئ أخرى. كما أن تدميرهم وتقييدهم لآليات استيراد النفط عبر ميناء عدن أسهم في خفض تدفق المشتقات الرسمية بأكثر من 60%، ما خلق سوقًا سوداء تضاعفت فيها الأسعار، وزاد من أعباء المواطنين.
وراء الكواليس، تعمل شخصيات نافذة معروفة منذ عقود وتجار كبار عبر وسطاء، وبغطاء من أطراف إقليمية، لضمان استمرار تدفق جزء كبير من عائدات النفط والغاز خارج الأطر الرسمية. هذا التنسيق، وإن بدا متناقضًا سياسيًا، إلا أن المصلحة الاقتصادية المشتركة تجعل شبكات النهب والفساد تتجاوز خطوط الحرب المعلنة، لتتحول إلى شبكة مصالح اقتصادية تحمي نفسها أولًا وأخيرًا.
كل هذا يحدث بينما الأسعار في السوق المحلية لا تنخفض حتى مع أي تحسن في سعر الصرف، بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن، وغياب الرقابة على أسواق السلع الأساسية التي من المفترض بحسب الدستور أن تنخفض أسعارها، واستمرار المضاربات بالعملة. النتيجة هي بقاء الشارع في حالة غليان، واحتجاجات متواصلة على تآكل الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة، في وقت تُدار فيه موارد البلد لصالح قلة نافذة بدل أن تُستثمر في إنعاش الاقتصاد.

الكلمات الدلالية