صنعاء 19C امطار خفيفة

الشرعية المفقودة… وخارطة طريق لاستعادة السيادة الوطنية

كيف يمكن لليمنيين أن يصنعوا دولتهم بعيدًا عن تدخلات الخارج؟

في اليمن، لم يعد السؤال: “من يحكم؟” بل “أين هي الدولة؟”. بعد أربع سنوات من المجلس الرئاسي (2022–2025)، صار المشهد واجهة لسيطرة أمراء الحرب بدعم سعودي-إماراتي، وحضور قطري-تركي متفاوت. القرار يُصنع خارج الحدود، والدولة تتهاوى: بنك مركزي منقسم فقد السيطرة على العملة وسط فساد، وجيش ممزق إلى 12 كيانًا مسلحًا متناحرًا، وجغرافيا تتفتت إلى كانتونات.

في عدن يسيطر الانتقالي والسلفيون، في حضرموت يتنازع النفوذ المحلي المدعوم سعوديًا مع الانتقالي، وفي مأرب وتعز يهيمن الإصلاح الممول قطريًا. المواطن يدفع الثمن: جوع، انفلات أمني، انكسار للكرامة، أوبئة، وانعدام شبه كامل للخدمات الأساسية. ومع ذلك، يتمسك اليمنيون بحقهم في حياة كريمة، وهو الخيط الذي يمكن أن ينسج مستقبلًا مختلفًا متى وُجدت الإرادة والقيادة النظيفة.
أمام هذا الانهيار، لا بد من رؤية واضحة تحدد خطوات استعادة الدولة بعيدًا عن الارتهان للخارج.

ملامح الطريق البديل: مشروع وطني يقوم على

1- مؤتمر وطني مستقل تشرف عليه هيئة محايدة تضم أكاديميين وشخصيات وطنية وناشطين مدنيين، مع استبعاد الفاسدين ومرتكبي جرائم الحرب، وبمنأى تام عن أي وصاية خارجية.
2- تمثيل متوازن وشامل يضمن حضورًا فاعلًا للشباب والنساء والمستقلين، مع إشراك المغتربين عبر آليات عملية تمنحهم دورًا حقيقيًا في صياغة القرار الوطني.
3- مرحلة انتقالية مرنة يقودها فريق تنفيذي مصغر، يُصدر إعلانًا دستوريًا مؤقتًا، ويشرف على حل الميليشيات وتسليم أسلحتها تدريجيًا، مع إعادة هيكلة الجيش بإشراف وطني كامل وبالاستعانة بخبرات دولية محايدة في الجوانب الفنية.
4-حل تفاوضي للقضية الجنوبية يضمن حق تقرير المصير عبر استفتاء نزيه بعد إعادة بناء المؤسسات وضبط السلاح، مع ضمان الحقوق المتبادلة شمالًا وجنوبًا ومنع أي تمييز أو انتقام.
5- إدارة وطنية موحدة للموارد المالية تقوم على إعادة هيكلة المنظومة النقدية وإنشاء هيئة مستقلة للإشراف على عائدات النفط والغاز وغيرها من الموارد، تلتزم بتخصيصها حصراً للرواتب والخدمات والتنمية، مع حظر أي تدخل من أطراف الصراع أو أي وصاية خارجية، وضمان الشفافية عبر نشر تقارير علنية منتظمة.
6- سياسة جوار متوازنة تقوم على احترام الحدود ووقف التدخلات، مقابل دعم التنمية والبنية التحتية في اليمن.
لتحقيق هذه الرؤية، يجب توسيع الحراك السلمي في كل المناطق، خاصة باستثمار الغضب الشعبي من انقطاع الرواتب، والاستفادة من الوساطات المحايدة، خصوصًا العُمانية، لفتح قنوات اتصال غير مباشرة مع إيران بمشاركة مدنية خالصة ودور وسيط محدود. كما ينبغي إيداع عائدات النفط والغاز في حساب دولي شفاف مخصص للرواتب والخدمات، تحت إشراف هيئة رقابية تنشر تقارير علنية وبدعم عقوبات دولية على المعرقلين.
المدخل العملي هو تشكيل تحالف مدني واسع يستثمر ما تبقى من الهياكل النقابية وروابط المهن والمنظمات المجتمعية، يبدأ بالقضايا المعيشية العاجلة، ثم يتطور إلى قوة سياسية مستقلة بموارد ذاتية وحاضنة شعبية، بعيدًا عن الوصاية الخارجية.
الفرصة تضيق، والوقت ينفد
منذ اندلاع الحرب، طُرحت مبادرات سعودية ودولية ومدنية، لكنها بقيت بلا آليات تنفيذ. تجارب رواندا والبوسنة والصومال تؤكد أن استعادة الدولة ممكنة حين تتوفر إرادة نظيفة وإدارة حاسمة.
استعادة الدولة لن تأتي بالشعارات ولا بالمنقذين من الخارج، بل بقرار جريء يصنعه اليمنيون من الداخل قبل أن يغلق الانهيار آخر نوافذ الأمل.

الكلمات الدلالية