صنعاء 19C امطار خفيفة

الوهابية في عيون علماء الإسلام(1-2)

أولاً: قصة قصيدة ابن الأمير في مدح محمد بن عبد الوهاب النجدي، والردود عليه والتراجع عنها:

زعم الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مبتدأ أمره أن دعوته تقوم على تجريد التوحيد، وعدم الغلو في صالحي العبيد؛ فتحمس لها العلماء المصلحون في ذلك العصر أمثال العلامة الكبير السيد محمد بن إسماعيل الأمير، وكاتبه وأرسل إليه قصيدته المشهورة:
سلامٌ على نجدٍ ومَنْ حلّ في نجدِ
وإن كان تسليمي من البعد لا يجدي
وقد رد عليه وعارضه العلامة -وهذا هو الجديد في الموضوع- ابن غلبون الليبي بأبيات مفتتحها:
سَلامِي على أهل الإصابة والرُّشدِ
وليسَ على نجدٍ ومَنْ حلَّ في نجدِ
ورد عليه أيضًا السيد مصطفى البولاقي المصري بقصيدة مطلعها:
بٍحمدِ ولي الحمد لا الذمِّ أستبدي
وبالحقِّ لا بالخلقِ للحق أستهدي
لكنه لما ظهر لابن الأمير وتبين له حقيقة أمر ابن عبد الوهاب من الغلو والمبالغة في التكفير للمخالفين، واستحلال قتل المسلمين ونهبهم- تراجع عن القصيدة التي كان نظمها في مدحه ونقضها بقصيدة أخرى مشهورة في ديوانه، وهي:
رجعتُ عن القولِ الذي قلت في النجدي
 فقد صحَّ لي عنه خلاف الذي عندي
ظننتُ به خيرًا فقلتُ عسى عسى
نجد ناصحًا يهدي العباد ويستهدي
لقد خاب فيه الظنُّ -لا خابَ نهجنا-
وما كل ظنٍّ للحقائق لي يبدي
وقد جاء من أرضه الشيخ مربدٌ
فحقق من أقوالهِ كل ما يبدي
وقد جاء من تأليفه برسائلٍ
يكفر أهل الأرض فيها على عمدِ
ولفق في تكفيرهم كل حجة
تراها كبيت العنكبوت لدى النقدِ
تجارى على إجرا دِما كل مسلمٍ
مصلٍ مزكٍ لا يحول عن العهدِ
وقد جاءنا من ربنا في براءةٍ
براءتهم عن كل كفرٍ وعن جحدِ
وإخواننا سماهم الله فاستمع
لقول الإله الواحد الصمد الفردِ
هذا مع أن ابن الأمير ظلت الأخبار تواتيه تباعًا بما يجري من أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب من التكفير، واستحلال أموال الناس لكنه آثر التريث سبع سنوات حتى تأكد من الأمر؛ فنظم قصيدة الرجوع التي يعرفها الجميع.
قال ابن الأمير: "لما بلغت هذه الأبيات نجدًا وصل إلينا بعد أعوام من بلوغها إلى أهل نجد رجل عالم يسمى مربد بن أحمد التميمي. كان وصوله في شهر صفر سنة 1170هـ، وأقام لدينا ثمانية أشهر، وحصل بعض كتب ابن تيمية وابن القيم بخطه، وفارقنا في عشرين شوال سنة 1170هـ راجعًا إلى وطنه، ووصل من طريق الحجاز مع الحجاج، وكان من تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي وجهنا إليه الأبيات؛ فأخبرنا ببلوغها، ولم يأتِ بجواب عنها، وكان قد تقدمه في الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ عبد الرحمن النجدي، ووصف من حال محمد بن عبد الوهاب أشياء أنكرناها من سفكه الدماء، ونهبه الأموال، وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال، وتكفيره الأمة المحمدية في جميع الأقطار، فبقينا نتردد فيما نقله الشيخ عبد الرحمن، حتى وصل الشيخ مربد، وله نباهة، وأوصل بعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في وجه تكفيره أهل الإيمان، وقتلهم ونهبهم، وحقق لنا أحواله وأقواله وأفعاله؛ فرأينا أحواله أحوال رجل عرف من الشريعة شطرًا، ولم يمعن النظر، ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية، ويدله على العلوم النافعة، ويفقهه فيها". (إرشاد ذوي الألباب إلى أقوال حقيقة ابن عبد الوهاب، تأليف السيد العلامة والحبر الفهامة محمد بن إسماعيل الأمير، ورقة رقم 5- 6).
(وللحديث بقية).

الكلمات الدلالية