في مشهدٍ إنساني يهزّ القلوب والعقول، وقفت فتاة شجاعة من تعز أمام عدسات الكاميرات في تظاهرة نسوية حاشدة، اليوم السبت، لتطلق صرخة موجعة لم تكن تمثل نفسها فقط، بل كانت لسان حال ملايين اليمنيين الذين يعيشون مأساة إنسانية مركبة تحت نير الحرب والخذلان والتجاهل، والأوجاع التي لا تُحتمل..
صوتها المرتجف لم يكن مجرد بكاء، بل كان صدىً مريرًا لجوعٍ مستمر، وعطشٍ قاهر، وفقرٍ فادح، وانعدام أملٍ في غدٍ أفضل.. قالت ما عجز السياسيون عن قوله، وعبّرت بما لا تستطيع تقارير المنظمات الإنسانية توصيله.. فالناس لا يطلبون المستحيل. فقط يريدون الحياة. يريدون أن يجدوا الماء في منازلهم، والغذاء في أسواقهم، والدواء في مشافيهم، والأمان في شوارعهم. يريدون حكومة تحميهم، وتحالفًا يفي بوعوده، وساسةً يرون في مناصبهم وسيلة لخدمة الوطن، لا سلمًا لمصالحهم.
بصوتٍ متقطع بالبكاء، وجّهت الفتاة رسائلها الصادقة التي اختزلت المعاناة في هذا البلد المنكوب. تحدثت عن الجوع، والعطش، والفقر المدقع، وانهيار الخدمات، واستشراء الفساد، وتفشي الغلاء، وانعدام الأمن.. كلماتها لم تكن مجرد احتجاج، بل شهادة دامغة على واقعٍ يئنّ في صمت، بانتظار من ينصفه.
من يوصل صرخة هذه الفتاة إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد محمد العليمي؟
من يبلغ نداءها إلى نوابه، إلى دولة رئيس الوزراء ووزرائه ونوابهم؟
من ينقل وجعها إلى قادة «التحالف العربي»؟ ومن يترجم ألمها إلى موقف مسؤول.. وهي تقول: «مطلبنا دقيق.. نريد نأكل متنا جوع.. مش قادرين نعيش».. فالناس لم يعودوا يحتملون المزيد من البيانات والتصريحات. ما يحتاجونه اليوم هو أفعال ملموسة، وقرارات مسؤولة، واستجابة حقيقية للوجع المتراكم..
لقد تحدثت فتاة تعز بلسان كل أمّ لا تجد الحليب لأطفالها، وكل أبٍ يخرج في الصباح دون أمل في تأمين قوت يومه، وكل مريض يموت بصمت في طابور الانتظار.. فصرختها المعجونة بالبكاء أمانة في أعناق الجميع: مسؤولين، سياسيين، وأشقاء..