صنعاء 19C امطار خفيفة

عدن: "المناطقية" عندما تمارسها قيادات تمثل الدولة

عدن: "المناطقية" عندما تمارسها قيادات تمثل الدولة
مؤمن الشيباني محمد الشاعري(منصات)

سخط شعبي ورسمي تشهده مدينة عدن؛ عطفًا على تعرض أحد شباب المدينة لمعاملة "مناطقية وعنصرية"، من قبل مدير قسم شرطة إحدى مديريات عدن.

القصة بدأت، حين سعى الشاب "مؤمن الشيباني" لإبلاغ قسم شرطة مديرية خورمكسر، عن فقدان جواز سفر كان قد استخرجه من عدن، فما كان من مدير القسم، محمد الشاعري، إلا أن رفض طلب الشاب بحجة أنه "شيباني"، وأن أصوله ليست من مدينة عدن.
الشاب مؤمن الشيباني، كان يقوم بتسجيل محادثته مع مدير القسم عبر جواله، وتضمنت المحادثة ألفاظًا مناطقية صدرت من رجل أمن يمثل الدولة وينفذ القانون، مثل: "أنت شيباني من تعز.. مش من عدن.. روح استخرج جواز من تعز".
ورغم تأكيدات الشاب أنه من مواليد عدن، وأصوله فقط من تعز، وجوازه فُقِد في عدن، وليس في تعز، إلا أن مدير القسم محمد الشاعري واصل رفضه، مشيرًا خلال حديثه أن "عبدالفتاح إسماعيل طرد عائلته في ستينيات القرن الماضي من عدن"، وكأن الشاعري ينتقم لعائلته من هذا الشاب.
ولم تنجح رجاءات وتوسلات الشاب لمدير القسم، الذي صرخ حالفًا بأنه لن يستخرج بلاغ الفقدان للشاب حتى وإن كان من مواليد الضالع، وأضاف: "من ينكر أصله قليل أصل"، ليرد عليه الشاب: "أنا ما نكرت أصلي.. لكني من مواليد عدن.. وجوازي ضاع في عدن".
الشاب مؤمن الشيباني غادر قسم الشرطة مغلوبًا على أمر؛ ما دفعه لنشر المحادثة على منصات التواصل الاجتماعي؛ ويلقى الكثير من التضامن الشعبي، غير أن الجهات الرسمية في الأمن لم تعلن عن أي تحركاتٍ لإنصاف الشاب.

تعليق رسمي

وفي أول تعليقٍ رسمي لمدير أمن عدن، اللواء مطهر الشعيبي على الحادثة، نشر الصحفي عبدالرحمن أنيس على صفحته بـ"الفيسبوك" نقلًا عن أحد المواقع الإلكترونية، تعليقًا منسوبًا إلى الشعيبي قوله: "عيب هذا الكلام الذي صدر عن مدير شرطة خورمكسر، وممنوع نَعرة التفرقة والعنصرية، هذه النعرة دمرت بلادنا، فرّقت الناس، وعطّلت التنمية، ولن نتقدّم إلا بوطنٍ يجمعنا، يحترم تنوعنا، ويعتمد على الكفاءة والعدل، وليس الانتماءات الضيقة".
ورغم الأنباء المتداولة التي تحدثت عن إقالة القائد الأمني المتسبب بالواقعة، مدير شرطة خورمكسر محمد الشاعري من منصبه، عقب الحادثة، إلا أن شيئًا من هذا لم يحدث، ولم تكن سوى تسريبات ومعلومات غير صحيحة نفتها شرطة عدن ذاتها.

سخرية

وبالتزامن، لم يكن الجانب الحقوقي والقانوني بمنأى عمّا حدث، وضجّت منصات التواصل بالتعليقات حول هذه القضية، التي نالت انتقاداتٍ واسعة.
وسخر المحامي العدني نزار سرارو، من الواقعة، بعد أن نشر منشورًا ساخرًا، أشار فيه إلى جذوره الهندية، حين تساءل: "يعني لو ضاعت بطاقتي ولازم أعمل بلاغ.. فهل يتوجب عليّ أروح الهند أو باكستان.. والا بيخرجوا لي بلاغ فقدان من شرطة خورمكسر؟.

منظور حقوقي وقانوني

فيما أدلت الناشطة الحقوقية والسياسية، تهاني الصراري، برؤيتها القانونية تجاه الواقعة، وقالت: "في ضوء ما أثير حول التسجيل الصوتي المنسوب لأحد مديري الشرطة وما تضمنه من عبارات ذات طابع مناطقي وتمييزي، من المهم النظر إلى المسألة من منظور قانوني وحقوقي شامل".
وأضافت الصراري في تصريحٍ خاص لـ"النداء" أن "الدستور اليمني ينص بوضوح على أن المواطنين جميعهم سواسية أمام القانون، ويحظر أي شكل من أشكال التمييز".
كما أن اليمن طرف في اتفاقيات دولية تلزمها بمنع خطاب الكراهية وتعزيز قيم التعايش، وهو ما يجعل صدور أي عباراتٍ مناطقية من موظفٍ عام ليس مجرد خطأ شخصي، بل مسألة تمس الالتزامات الوطنية والدولية للدولة، بحسب الصراري.
وتكمل المحامية الشابة: "على الصعيد الوظيفي، فإن موظفي الأمن، وبحكم موقعهم، مُلزَمون بسلوكٍ مهني محايد يحترم كرامة الأفراد دون تفرقة، وأي إخلالٍ بذلك يستوجب مساءلةً تأديبية وجنائية إذا لزم الأمر".
وأشارت إلى أن الإطار القانوني المحلي يتيح فتح تحقيقات إدارية عاجلة قد تنتهي بتنبيه، أو خصم، أو إيقاف عن العمل، أو حتى فصل، إضافة إلى المُساءلة أمام النيابة إذا ثبت أن الألفاظ تحمل تحريضًا أو إهانة أو تهديدًا للسلم العام.

التسجيلات غير القانونية

في المقابل، ترى الصراري أن ما يتعلق بالشاب الذي قام بالتسجيل، فالقانون اليمني يُجرّم تسجيل المحادثات الخاصة دون إذن، لكنه يترك مساحةً لتقدير النيابة والمحكمة إذا كان التسجيل قد تم في مكان رسمي وأثناء أداء وظيفة عامة؛ وبغرض كشف مخالفةٍ أو انتهاك، حيث يُمكن النظر إليها كدليلٍ على واقعةٍ تهم المصلحة العامة.
وتستدرك: "مع ذلك، يبقى نشر التسجيل على نطاقٍ واسعٍ دون مسار قانوني سليم محل مخاطرة قانونية، لذلك يُستحسن تقديمه أولًا للجهات المختصة".

تساهل وقبول

وتنظر الناشطة الحقوقية للقضية من زاوية أوسع، وتضيف: "لا يمكن الجزم من واقعة واحدة بأنها تمثل سياسة ممنهجة لسلطة الأمر الواقع في عدن -باعتبار أن مدير قسم الشرطة ينتمي للمجلس الانتقالي الجنوبي- إلا إذا تكررت أو وُجدت دلائل على وجود توجه مؤسسي يدعم مثل هذه الخطابات.
لكن، في المقابل، غياب أي تحقيق أو إجراءٍ رسمي بعد الواقعة يُفهم كمؤشرٍ على التساهل أو القبول الضمني، وهو ما قد يضر بثقة المجتمع في المؤسسة الأمنية، تقول الصراري.
وتختتم تصريحها: "في النهاية، معالجة مثل هذه الحوادث تتطلب تحركًا جادًا وشفافًا يوازن بين محاسبة المخطئ والمُنتهِك، ويُعيد التأكيد على أن عدن وغيرها من المدن يجب أن تظل فضاءً للتعايش والمواطنة المتساوية، بعيدًا عن أي خطابٍ يزرع الفرقة أو يغذي النزاعات".

الكلمات الدلالية