صنعاء 19C امطار خفيفة

غزة تحت القصف... والحديدة تحت الصمت: مرحبًا بكم في مسرح النفاق العربي!

بين دخان غزة وصراخ الحديدة، تقف الكاميرا العربية مترددة، تتحرك حين يُسمح لها، وتصمت حين يُؤمر لها. غزة تحترق... العالم يصرخ، المذيعون يتأوهون، الفزعات تُطلق، والهاشتاجات تتراقص على أنغام الحزن النبيل. كل شيء هناك "بطولي"، "مقدس"، "قضية إنسانية".

لكن مهلًا... هل جرب أحد أن ينظر قليلًا إلى الجنوب؟ لا، ليس إلى جنوب فلسطين، بل جنوب الجزيرة العربية، تحديدًا إلى الحديدة، حيث الحرب لا تحمل اسم "الاحتلال" ولكنها تشبهه في كل شيء، بل أحيانًا تتفوق عليه في عدد الضحايا وبشاعة التجاهل.
في غزة، هناك صاروخ يُطلق، فتتحرك مشاعر العالم.
في الحديدة، يموت طفل من الجوع، ويُقال له: "تحمّل، أنت في منطقة نزاع داخلي، لا نستطيع التدخل!".
في غزة، تُقصف البيوت وتُهدم فوق رؤوس ساكنيها،
وفي الحديدة، البيوت لا تُقصف فقط، بل تُنهب، وتُخنق بالمجاعة، وبحصار لا يُسمى حصارًا لأنه "ليس من إسرائيل".
يا سادة، الكارثة هنا وهناك... لكن عدسة النفاق تعرف تمامًا كيف تغيّر الزاوية.
في غزة، العدو اسمه معروف.
في اليمن، يُمنح العدو جوازًا دبلوماسيًا، وكرسيًا في مفاوضات "السلام"، وربما يُمنح جائزة لأن أسلحته محلية الصنع!
في غزة، تُستنفر القنوات لنقل الحدث "مباشر".
في الحديدة، الحدث يُسجل في أرشيف النسيان، ويُختصر بكلمتين: "أزمة إنسانية".
أي أزمة؟ ومن صنعها؟ اسألوا من جلب الجوع، من صادر المساعدات، من جعل من أطفال الحديدة هياكل بشرية بلا صوت.
وللأمانة، العدو هناك صهيوني،
وهنا... "محليّ الصنع"، لكنه بارع في تكرار ذات الجرائم، وربما بتفنن أكثر:
تفجير، حصار، قمع، تجويع، تهجير، غسل أدمغة... كل هذا بمباركة جماهيرية من جمهور "الممانعة" حينًا، و"التحالف" حينًا آخر.
العدو والحوثي وجهان لعملة واحدة، كلاهما يقتل، لكن أحدهما يُشتم على العلن، والآخر يُقال عنه: "قوة أمر واقع".
ما أشجعنا حين نتحدث عن غزة، وما أجبننا حين نذكر الحديدة!
هل تعرفون لماذا؟
لأن الحديث عن غزة لا يُغضب أحدًا،
أما الحديث عن الحديدة، فقد يغضب كثيرين ممن يملكون الشيكات، أو الطائرات، أو السلاح، أو الشعارات.
يا أصحاب الأقلام التي تبكي على غزة كل مساء،
هل جفّ حبركم حين ماتت الحديدة؟
أم أن دم اليمني أرخص من أن يُنشر له تقرير؟
لا نطلب تنافسًا على الأحزان،
ولا نزايد على وجع،
لكننا فقط نسأل:
أليس لأهل الحديدة حق أن يُبكوا؟
أليس لهم حق أن يُرفع لهم صوت،
أن تُسلط عليهم كاميرا،
أن يتوقف زيف الرواية التي تقتلهم مرتين: مرة بالرصاص، ومرة بالصمت؟
ختامًا، لا نريد منكم فزعة،
فقد أتخمتمونا بفزعات موسمية تنتهي مع آخر تغريدة.
نريد فقط عدالة في الألم، وصدقًا في التضامن،
فلا تجعلوا من الدم اليمني نكتة سوداء على طاولة المصالح.
غزة تستحق الحياة، نعم...
لكن الحديدة كذلك!

الكلمات الدلالية