صنعاء 19C امطار خفيفة

المظاهرات في حضرموت.. حراك بلا قيادة في مهب التوظيف السياسي..

تشهد حضرموت في الآونة الأخيرة موجة احتجاجات شعبية تتسع رقعتها تدريجيًا، ويقودها الغضب من التهميش وسوء الخدمات وتدهور الوضع المعيشي والفساد، في مشهد يعيد إلى الأذهان بدايات الربيع العربي في اليمن عام 2011. غير أن ما يميز هذا الحراك تحديداً هو غياب القيادة السياسية الواضحة أو المشروع المحلي الجامع، مما يجعله عرضة للتوظيف من قبل قوى خارجية أو أطراف داخلية تسعى للسيطرة على المحافظة أو لتصفية حسابات سياسية على حساب استقرارها.

حضرموت – رغم تاريخها السياسي والاجتماعي العريق – تعاني اليوم من فراغ قيادي على المستويين التنفيذي والسياسي. هذا الغياب لا يفرغ الحراك الشعبي من مشروعيته، لكنه يجرده من البوصلة، ويتركه مفتوحًا أمام محاولات ركوبه وتجييره لأجندات لا تمت بصلة لمطالب الناس ولا لمصالح وتطلعات حضرموت. فبعض الجهات قد تجد في الشارع الحضرمي الغاضب فرصة لتصفية خصوماتها مع أطراف سياسية منافسة، أو لإرسال رسائل ضاغطة في سياق صراع أوسع على النفوذ داخل الدولة أو في الإقليم.

ولعل من أكثر السيناريوهات خطورة في هذا السياق احتمال عودة تنظيم “القاعدة” أو غيره من الجماعات المتطرفة إلى الواجهة، مستغلاً حالة الفراغ السياسي وتآكل الثقة بالمؤسسات الرسمية. فالتنظيمات الإرهابية غالباً ما تتغذى على الفراغات، وتستثمر لحظات السخط الشعبي لتقديم نفسها كبديل “مقاوم” أو “منقذ”، في ظل غياب مشروع سياسي جامع يملأ هذا الفراغ ويحبط تلك السرديات.

الأخطر من ذلك هو احتمال دخول جماعة الحوثي على خط الأزمة، ليس بالضرورة عبر الحضور العسكري، ولكن من خلال الاختراق الاجتماعي والفكري، عبر مغازلة بعض القيادات أو النخب الدينية التي قد ترى في نموذج الجماعة نوعًا من “الحكم شبه المستقر”. فحضرموت، بما تمثله من عمق ديني وتاريخي وارتباط، قد تكون هدفًا مغريًا لخطاب الحوثيين في هذه المرحلة الحرجة.

ولا يمكن تجاهل أن المحافظة تقع على حدود المملكة العربية السعودية، ما يجعلها موقعًا استراتيجياً بالغ الحساسية. وأي اضطراب داخلي فيها قد يحمل أبعاداً تتجاوز الشأن المحلي، ليصبح ورقة ضغط إقليمية، سواء بيد خصوم المملكة أو حتى من قبل أطراف داخل التحالف ذاته.

في ظل هذا المشهد، لا يمكن التعويل فقط على حسن نية المتظاهرين أو عدالة مطالبهم. فمن دون قيادة سياسية رشيدة، حاملة لمشروع جامع يعبر عن تطلعات أبناء حضرموت بوضوح ومسؤولية، فإن الحراك معرض للاختطاف. ومع غياب الدولة وانشغالها بصراعاتها الداخلية، وغياب القوى السياسية الحضرمية عن المشهد، تبدو المحافظة في مهب رياح قد تعصف بما تبقى من استقرارها النسبي.

لقد أثبتت تجارب السنوات الماضية أن الفراغ لا يبقى فراغًا طويلًا؛ إما أن يُملأ بقوى مسؤولة تنتمي للمكان وتحميه، أو يخترقه اللاعبون الأكثر قدرة على استثمار لحظات الفوضى. وفي الوقت الراهن، لا يبدو أن حضرموت تملك ما يكفي من أدوات الحماية الذاتية، ما لم تُسارع النخب فيها إلى إعادة تنظيم صفوفها وطرح مشروع سياسي محلي متماسك، يحمي الحراك من الانزلاق ويحمي المحافظة من الاختراق.

الكلمات الدلالية